محمد الخميس
تتفوق المجتمعات العربية والإسلامية على المجتمعات المتقدمة بدرجة من حيث التواصل الروحاني بتوحيد خالق هذا الكون وعبادته، كما يرضى ويحب ـــ جل جلاله ــــ وإرث ثقافي عريق توارى أمام بهرجة إنجازات العلم الحديث السريعة ولكنه واقع ملموس لا ينكره أحد، خصوصا مع وجود مبادرات فردية راقية نسمع عنها بين الفينة والأخرى، حيث بدأنا نسمع عبر وسائل الإعلام صعود الكثير من الأعمال الفردية إلى منصات التتويج آخرها على سبيل المثال حصول الدكتور العبد القادر على الميدالية الذهبية لخدمة العلوم لعام 2012، وذلك لإسهاماته العلمية في مجال تطوير علم جديد عن القلب وربطه علميا بسلوك الإنسان.
لا أستطيع تصور البركان العلمي الكبير الذي سيحدث لو أن هذه الأعمال الفردية احتضنت بشكل مؤسسي وأعطيت الرعاية الكاملة منذ بداياتها وسمح لكثير من المبادرات التي وئدت في مهدها بالظهور وأغدق عليها بالرعاية المالية والمعنوية بواسطة برامج مؤسسية مثل مبادرة الخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، والتي أراد منظرها أن يوجد عملا مؤسسيا لدعم العلوم والتكنولوجيا دونما حدود بيروقراطية أو الخروج من تنظير إلى تنظير والاستعاضة عنها باللجوء إلى البرامج العملية السريعة الأداء والتأثير، ويكفينا أخذ المثال من الدول المتقدمة في طرق دعمها للعلوم والتقنية، حيث تمنح بسخاء وبمجرد وصول البحث العلمي للخطوة الأولى في طريق التطوير تنهال عليه المنح الحكومية والمنح من المؤسسات شبه الرسمية وغير الهادفة للربح ورجال الأعمال مع وجود برامج تمويل مذهلة من حيث حجمها وتعددها نستطيع نسخها والاستفادة منها ثم ومع التجربة نوائمها مع مجتمعنا تدريجيا.
ومع كثرة مفسري الأحلام في هذه الأيام، التي تنتاب النائمين لدينا بعد وجبة دسمة أو رؤية فلم مرعب، دعوني أتقمص شخصية مفسر أحلام، ولكنها هذه المرة مفسر أحلام يقظة، وسأكتفي بحلم واحد، حيث يحلم المواطن قبل المسؤول بأن نتخطى حواجز الرهبة الواهية، التي تعوق تقدمنا في العلوم والتكنولوجيا لنتحول من اقتصاد لا يمكن وصفه إلا بالاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد المعرفة اقتصاد القرن الـ21.
ولتفسير هذا الحلم علينا أن نفكر ببساطة، وأن نتجاوز السكون إلى الحركة لكي نواكب حركة الزمن، ويا إخواني يا من تحلمون في اقتصاد المعرفة، سواء كنت مدير جامعة أو رئيس مدينة للعلوم والتقنية ما عليكم إلا تحويل الخطة إلى عمل مؤسسي فقطاع الطاقة المتجددة قطاع مهم، وأنصحكم بتخصيص ملياري ريال للصرف على عمليات البحوث والتطوير فيه، ويكون الصرف على الأبحاث وطرق التطوير دون شروط لنكتفي بشرط واحد وهو صرف جميع الأموال المخصصة على بحوث في هذا المجال مع إشراف مباشر ومراقبة وتدقيق، أما نهاية الحلم فهو تخصيص مبلغ مماثل لقطاع تحلية المياه، وهكذا دواليك إلى أن تصبح هذه الأعمال ممارسة روتينية، وتكون الدولة مثالا يحتذى به من قبل المؤسسات غير الهادفة للربح والمؤسسات التجارية، ويجب ألا نكتفي بتفسير حلم يقظة واحد، ولكن علينا انتهاج الأسلوب نفسه في القطاعات المهمة، كما التعليم والصحة، التي تحتاج لمفسر أحلام أقدر مني وأقف هنا احتراما لمبدأ التخصص.
وأختم بقصة نجاح شكلها صغير وتأثيرها كبير جدا وعشت عمليا الكثير من مراحلها، حيث وبعد انتهاج جامعة الملك سعود لعمل مؤسسي في نقل التقنية والذي يعد عموده الفقري وهو الحماية الفكرية وترخيص التقنية، حيث بدأت منذ نهاية عام 2008 بإنشاء برنامج الملكية الفكرية وترخيص التقنية وبدعم مالي متقطع ــــ بالقطارة ــــ فقد كان متخذ القرار وفي خلال دقائق يوقع أمر صرف مالي لحفل شاي بمبلغ يتجاوز الـ 100 ألف ريال، ويظل مترددا ومصطدما بحاجز الرهبة للتوقيع على دعم نموذج معملي بمبلغ لا يتجاوز عشرة آلاف ريال، وفي كثير من الأحيان تهمل نسبة كبيرة من الطلبات ومع ما عاناه هذا البرنامج من العمل في النطاق المالي الضيق إلا أن مخرجات هذا البرنامج إذا حسبناها بعدد البراءات المسجلة للجامعة خلال فترة عمل البرنامج أربع سنوات في مقابل 50 سنة مضت، تضاعف 80 ضعفا وبشكل أذهل الكثيرين، منهم خبراء في نقل التقنية من الداخل وآخرون من الخارج، حيث تعودنا هذه الأيام على أخبار صدور براءة اختراع جديدة كل أسبوع أو أسبوعين باسم جامعة الملك سعود، ولو أن مرحلة التطوير لهذه الأفكار دعمت بنفس أسلوب دعم التسجيل لكانت الصورة مختلفة تماما عما نراه اليوم ولوصلنا إلى شركات مساهمة كبيرة مبنية على التقنية مدرجة في السوق المالي السعودي، ولنحقق حلم اليقظة وبأبسط أسلوب وأراهن على ذلك.
موضوع: بسم الله الرحمان الرحيم 
الخميس مارس 04, 2010 1:20 pm
