احمد عائل فقيهي
الذي يقرأ تاريخ الشعوب والمجتمعات ويتتبع مسار التغيرات والمنعطفات في سطح وعمق هذا التاريخ سوف يجد أن الأفكار تلعب دورا كبيرا وجذريا في عملية تغيير الشعوب والمجتمعات فالاتجاهات الفكرية والمدارس الفلسفية والتيارات الثقافية والعلمية هي التي تبرمج وتهندس أذهان البشر وهي التي تسهم إسهاما عظيما في صياغة وصناعة التركيبة الذهنية للمجتمع.
ما نجده في المجتمعات الغربية أن هناك تأثيرا عميقا للأفكار التي يطرحها كبار المفكرين والمثقفين والفلاسفة ونرى ذلك التأثير في مفاصل الحياة العامة وأنماط التفكير ومستوياته في المجتمع. ومن هنا نجد أن المجتمع تتشكل هويته الفكرية والسياسية والحزبية نتيجة أن النظريات والأفكار هي التي تؤسس لماهية المجتمع وهويته ولاتجاهاته الفكرية والسياسية والآراء التي من خلالها يتشكل رأي عام لهذا المجتمع.
من هنا جاءت وتشكلت الخريطة الفكرية والسياسية والثقافية لهذه المجتمعات وأعني بها المجتمعات الغربية، ولعبت الجامعات ومراكز البحث دورا مهما في رسم الملامح الواضحة لهذه المجتمعات لذلك تجد مفهوم الدولة الحديثة نموذجيا وبامتياز في الغرب حيث قامت المجتمعات هناك على تكريس مفهوم المواطنة وعلى الفكر المؤسسي وعلى وجود حرية سياسية وفكرية مسؤولة تُعلي من قيمة الإنسان وتقوم بالتالي بتعزيز احترام الآخر مهما كان فكره وجنسه وهويته.
ومن هنا فإن دور الأفكار والمدارس الفكرية والسياسية دور حضاري في تشكيل وصياغة المجتمعات نحو بناء مجتمعات حديثة تؤمن بالتعددية وبثقافة الحوار والانتخاب لا المصادرة والإلغاء وثقافة الإقصاء كما يحدث في العالم العربي والإسلامي حيث صوت الرصاص يعلو ويتقدم على صوت العقل.
إن المشكلة العربية تتلخص في أن العرب لم يتعلموا من دروس التاريخ والمعرفة والفكر والثقافة ولم يتم تأسيس مجتمعات تؤمن بقيم الحرية والتعددية واحترام الآخر. ولعل من الغرابة والمفارقة أن الغرب استفاد من طروحات أهم مفكر عربي أنجبته الأرض العربية وهو ابن خلدون الذي تدور طروحاته حول بناء البلدان والعصبية ولم يستفد العرب مما قاله ابن خلدون شيئا..
المجتمعات تتغير نتيجة تأثير الأفكار فيها وبدون أفكار وتيارات فلسفية وثقافية وسياسية لا يمكن أن تكون هناك مجتمعات حديثة وإلا سوف تظل هذه المجتمعات انتماؤها للماضي أكثر من انتمائها للحاضر والمستقبل.
موضوع: هل تساهم الأفكار في تغيير المجتمعات ؟ 
الأحد نوفمبر 11, 2012 10:19 pm
