إحصاءات السياح السعوديين .. تلاعب وتضخيم

كلمة الاقتصادية

جدل واسع حول أعداد السعوديين الذين زاروا الإمارات خلال إجازة العيد، وتبدو قضية ''كم العدد؟'' أقل شأناً من أن تُثار مقارنةً بمسألة السوق السياحية المتصاعدة في دول الخليج وقدرتها على جذب السعوديين إليها، ذلك أن مثل هذا التطور أمرٌ يسعد السعوديين بلا شك، نظراً للكثير من الروابط التي تجمع شعوب دول مجلس التعاون. ومع ذلك فقد وجدت قضية ''كم العدد؟'' زخماً إعلامياً لا يتناسب مع أهميتها، نظراً لحجم التناقضات والمبالغة التي فيها وهو أمرٌ لا يجوز تفسير أسبابه بطريقة سطحية. فادّعاء البعض أن عدد السعوديين الذين زاروا دبي خلال إجازة عيد الأضحى الماضي بلغ أكثر من مليون سائح، وهو رقم كبير بلا شك، أثار عدداً من الأسئلة حول أهمية دبي بالذات للسائح السعودي، وحجم الإنفاق في دبي، وكم عدد الزوّار للدول الأخرى القريبة جداً للمملكة مقارنة بالإمارات كالبحرين مثلاً، وكم الرقم الإجمالي للمسافرين السعوديين للخارج خلال الإجازة، وكم أنفق هؤلاء فعلا؟ وكما كان متوقعاً فقد جاءت الإحصاءات الرسمية بخلاف التخرصات وحدّدت التقارير السليمة أن العدد الفعلي للسعوديين الذين دخلوا الإمارات لم يصل إلى 130 ألفاً، وأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد البحرين التي زارها أكثر من 270 ألفاً، بينما كان عدد الذين غادروا المملكة للخارج باتجاه مختلف دول العالم، ومن بينها دبي قريباً من 780 ألف مسافر، في الوقت الذي أمضى الملايين من هذا الشعب إجازتهم في ربوع بلادهم.
وكما ذكر سابقاً فالقضية ليست في ''كم العدد؟'' بقدر ما في خطورة التلاعب بالإحصاءات والإعلان عنها بطريقة تثير شكاً واسعاً في التصريحات الرسمية، وتثير أسئلة اقتصادية واجتماعية كبيرة، بينما هذه الإحصاءات نفسها لم تكن دقيقة ولم تسندها أدلة صحيحة معتبرة. وأسوأ من ذلك أن تتناقل جميع وسائل الاتصال الحديثة، خاصةً شبكات التواصل الاجتماعي مثل هذه المعلومات والإحصاءات، لتصل بسرعة وسهولة إلى شريحة ضخمة من المجتمع دونما تأملٍ أو نظرٍ عميق في حقيقتها. والسؤال الأكثر أهمية في وضع مثل هذا، هو: مَن المستفيد من نشر مثل هذه الإحصاءات غير الدقيقة، ومَن تضخيمها إعلامياً بهذه الطريقة؟ ذلك أن الضرر أكبر من المنافع سواءً لمَن رسم هذه اللوحة أو مَن صوّرها، فلا الحكومات ستستفيد منها، ولا هي ستكون مفيدة للشعبيْن السعودي والإماراتي. فليس من مصلحة دبي على مستوى الاقتصاد الكلي، أن تخدعها مثل هذه الإحصاءات التي يرجح أن من يقف وراء ترويجها هم بعض المستثمرين في قطاع السفر والسياحة والفنادق والشقق السكنية، فتنعكس سلباً على التحسين المستمر لصناعة السياحة لديها حتى تستطيع أن تنافس دولاً أخرى مجاورة في جذب وإقناع القادرين من الشعب السعودي على توجيه الدفة نحوها، كما أن مثل هذه المعلومات والإحصاءات ستخيف المسافر السعودي من حجم الضغط على الخدمات السياحية في دبي ويجعله يغيّر الدفة عنها إلى وجهات أخرى أكثر قرباً، خاصة أن ما يجذب السعوديين في دبي متوافر بنسبة أو بأخرى في مناطق كثيرة وقريبة. وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي، فإن سلبيات هذه الإحصاءات تظهر عندما تستخدم من قِبل البعض بطريقة خاطئة عند تقييم مدى جدوى المشاريع الاقتصادية، فرقم كالمليون يعطي انطباعاً واهماً بوجود طلب ضخم على الكثير من الخدمات ذات العلاقة بالسفر والسياحة، سواء في المملكة أو في دبي وسيجعل أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يغامرون بمشاريع الخدمات التي على طرق السفر أو في خدمات النقل الجوي والبري دونما دراسة تستند إلى معلومات دقيقة. من أجل هذا كله نقول: إن التلاعب بالإحصاءات وتناقل معلومات إحصائية غير دقيقة ومن مصادر غير موثوقة سيكونان لهما آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة على المدى البعيد.