د. أمين ساعاتي
ينتشر في هذه الأيام في وسائل الإعلام مصطلح من أهم مصطلحات النهضة، وهو "مصطلح مجتمع المعرفة"، ومجتمع المعرفة يعني باختصار وجود مستويات عليا من تكنولوجيا المعلومات في الدولة محل البحث والتنظير، بمعنى لا يوجد أي استشكال إذا قلنا: إن الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا لديها مستويات عليا في تكنولوجيا المعلومات، ويمكن لكائن من كان أن يشاهد بأم عينيه مظاهر التقدم في استخدام تكنولوجيا المعلومات في هذه الدول.
إن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بالمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية والتراكم المعرفي.
ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، إنما هو المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة.
والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فاعلا نهما إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.
وإذا استعرضنا المجتمع الدولي في الوقت الراهن نستطيع بكل بساطة أن نفرز -وفق هذا التعريف- الكثير من المجتمعات التي بلغت فيها تقنية المعلومات شأوا كبيرا، فلا نستطيع -على سبيل المثال- أن ننكر أن كوريا الجنوبية تتمتع بمجتمع معرفي وضعها جنبا إلى جنب في سباق مع الدول العظمى، ولا نستطيع أن ننكر أن الصين وتركيا وماليزيا والهند والبرازيل بلغ عندها المجتمع المعرفي مستويات فتحت أمامهم آفاق المستقبل العريض الذي يضعهم في المقدمة مع الدول التي بلغت مستويات عالية من التقدم والنضج.
وفي المقابل فإن الدول العربية ما زالت تنهج على طريق بناء مجتمعاتها المعرفية لتضييق ما يسمى الفجوة الرقمية بينها وبين الدول التي وصل فيها مجتمع المعرفة إلى مستويات متقدمة جدا.
المملكة العربية السعودية -مع الأسف الشديد- حتى الآن مجتمعها مجتمع استهلاكي بعيد كل البعد عن مجتمع المعرفة، ويوم أن نغادر محطة المجتمع الاستهلاكي ونشتبك مع مجتمع المعرفة نكون قد وضعنا أقدامنا على أرض صلبة تأخذنا إلى عالم التقدم والنمو.
وأغتنمها فرصة لأشيد بالأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم، الذي أخذ على كاهله مسؤولية تصميم استراتيجية مجتمع المعرفة في المملكة العربية السعودية، وخيرا عمل الأمير الوزير الناجح، إذ إن التعليم والبحث العلمي هما حجر الزاوية والأساس في بناء مجتمع المعرفة.
ومن مكتب الأمير خرجت الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعرفة، وتستهدف استراتيجية مجتمع المعرفة أنه بحلول عام 2022 فإن المملكة ستصل إلى تشكيل راسخ لمجتمع المعرفة الذي نتطلع إليه، وعند ذاك سننضم إلى سرب دول النمور الآسيوية.
وكمواطن يتطلع بحماس إلى وصول المجتمع السعودي إلى المستويات الرفيعة لمجتمع المعرفة، فإنني أتمنى من كل السعوديين في شتى مواقعهم أن يكونوا فاعلين في رحلة الوصول إلى موانئ مجتمع المعرفة، وأتمنى أن يكونوا قلبا وقالبا مع هذه الاستراتيجية التي ستحمي هذا الجيل من براثن التخلف، وتضع الأجيال القادمة على مرافئ التنمية المستدامة.
إن القدرة على مواكبة العلوم والتقنيات الحديثة وتطويرها وتجديدها والإبداع فيها تعني أننا مجتمع نجح في استيعاب العصر الذي يعيش فيه، أمّا إذا أخفق المجتمع في استيعاب أدوات العصر الذي يعيش فيه، فإن التخلف ينتظره بالمرصاد، ونحن حكومة وشعبا نكره التخلف والتقهقر، بل نحن أمة مسلمة مردت على صنع التقدم والتنوير طوال ما ينوف على الألف عام.
وإذا كانت العدالة الاجتماعية مطلوبة لمجتمعاتنا الإسلامية، فإن العدالة في توزيع المعرفة داخل مجتمعاتنا من أهم أدوات تحقيق مجتمع المعرفة.
وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، لذلك فإن تطوير التعليم مطلب ملحّ على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين.
دعونا نعود مرة أخرى إلى كوريا الجنوبية، لأنها المثل الصارخ لمجتمع معرفي استطاع أن يقفز بكوريا من وحل الانكسار والتخلف ويأخذها إلى مراقي التطور والبناء، كوريا خرجت من الحرب الكونية الثانية وهي محطمة الأوصال ليس لديها ما يمكن أن يساعدها على العودة إلى سواء السبيل.
لكن المجتمع الكوري أخذ يفيق من كبوته ويتدافع بكل إخلاص نحو المعرفة ويواجه التحديات من أجل أن يبني مجتمعا معرفيا ينقذ كوريا من مرحلة الحرب المدمرة التي لم تبق ولم تذر.. إلى مرحلة التنمية المستدامة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن كوريا الجنوبية فقيرة جدا في مواردها الطبيعية، ليس لديها بترول ولا فحم ولا ذهب ولا فضة ولا نحاس، لكن لديها مجتمع معرفي، وموردها الوحيد هو هذا المجتمع المعرفي الذي نشر المعرفة ووظفها في ربوع المجتمع الكوري حتى استطاع أن يحول كوريا الجنوبية إلى دولة تقف جنبا إلى جنب مع كبريات الدول المتقدمة ذات المجتمعات المعرفية الزاخرة.
نحن في المملكة العربية السعودية نضع كوريا الجنوبية دائما النموذج والقدوة!