الألقاب حين ترخص !!

عزيزة المانع
ينتقد الأستاذ محمد الأحيدب في مقاله في «عكاظ» يوم الثلاثاء الماضي وسائل الإعلام التي تطلق لقب داعية على والد الطفلة لمى التي قتلت بيده، فذلك في رأيه «أمر قد يسيء للدعاة الحقيقيين المؤهلين علما وخلقا وعقلا»، ويتساءل مستغربا: «على أي أساس صنف القاتل على أنه داعية، حتى وإن وعظ مرة أو عشرا في برامج تلفزيونية»؟
ما يلحظ هنا هو أن مسألة إضفاء لقب داعية على من لا يستحق لم تثر اهتمام الكاتب أو غيره إلا بعد أن اقترن اللقب بمرتكب كبيرة، في حين أن إطلاق لقب داعية على هذا الرجل لقيامه بالوعظ العام لجماهير الناس أو لظهوره أمامهم ساعيا في أعمال البر لا يمثل حالة خاصة، فغالبية الملقبين بالدعاة حصلوا على اللقب لقيامهم بمثل تلك النشاطات ليس إلا، وقد ألمح الكاتب نفسه إلى هذا حين علق على تلقيب المتهم بالداعية بقوله: «وهذه قضية أزلية عندنا فالبعض يطلق اللقب (شيخ، داعية، راق، عالم شرع)، متى شاء ويحجبه عمن شاء»!!
ما يثيره الأستاذ الأحيدب في المقال حول سهولة إضفاء الألقاب ذات المكانة العلمية الدينية جدير بالتوقف عنده، فحمل الألقاب الدينية أمر خطير؛ لأن تلك الألقاب تعطي حاملها مهابة وتقديرا فتسهل عليه التأثير المباشر في الناس وتمكنه من استلام قيادة أفكارهم وتوجيه سلوكهم بلا عناء، لهذا نحن في حاجة إلى وقفة حازمة تتخذها الجهات المعنية بهذا الشأن كوزارة الشؤون الإسلامية مثلا، وذلك لضبط التسيب القائم في منح الألقاب، بحيث لا ينال اللقب إلا من يحمل رخصة تجيز له ذلك.
من المسلم به أن التسيب في إطلاق الألقاب حالة شائعة في المجتمع تمتد لمجالات عدة غير المجال المتعلق بالدين، فالألقاب لا حراسة عليها حتى باتت مرعى مستباحا لكل من رغب، وكثيرا ما يتكرر أمام أعيننا وتتدفق على أسماعنا ألقاب ضخمة مثل (عالم، كاتب، أديب، مفكر، شاعر، ناقد، مؤرخ، ناشط إجتماعي، حقوقي)، أو غيرها من الألقاب الكبيرة الحجم التي تعلق على كاهل كل من قال كلمة أو خط حرفا، سواء أكان قادرا على حملها أو ناء بها كاهله. إلا أنها تظل ألقابا سلبية التأثير مقارنة بالألقاب الدينية، فهي لا تضفي على صاحبها الهيبة والتقدير الذي تضفيه تلك الألقاب على صاحبها، ولا تخوله صلاحية التدخل المباشر في توجيه سلوك الناس، كما أن الناس أنفسهم لاينظرون إليه كمنار يهتدون به في حياتهم، ولذلك يمكن التجاوز عن إطلاقها العشوائي والتساهل معه، أما الألقاب الدينية فإن الحال معها يختلف، فمن يحمل لقبا دينيا تظل عيون الناس معلقة به ترقب ما في قبضته من ضوء أخضر أو أحمر للاهتداء به في طريق حياتهم، فما يقوله أو يفعله الداعية أو الشيخ هو عند كثير من الناس حق وصواب، خاصة من كان منهم لا يملك من سبل العلم سوى سبيل ما يقوله ذلك الداعية أو الشيخ.
من هنا تأتي أهمية ضبط منح تلك الألقاب وضرورة عدم تركها توزع مجانا يتجمل بها كل من أراد.