إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (سورة غافر: الآية60)، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ (سورة النمل: الآية62)، وقال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (سورة الأعراف: الآية 55).
وقال صلى الله عليه وسلم في فائدة الدعاء: �لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر�.
الدعاء عبادة:
في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (سورة غافر: الآية60)، أبلغ دلالة على أن الدعاء لا يكون ولا يصرف إلا لله عز وجل.
وقد استدل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على أن الدعاء عبادة لله سبحانه وتعالى، ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) الدعاء هو العبادة (، ثم قرأ الآية. وبهذا يتبين أن من لم يدعُ الله، أو دعا غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو فهو مستكبر عن عبادته.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ) من لم يدْعُ الله غضب الله عليه (.
فضل الدعاء:
تحقيق التوحيد:
من أعظم ما يجلبه الدعاء إلى الداعي أنه سبب في تحقيق التوحيد الذي به نجاة العبد وفلاحه، لأن الداعي الذي صرف دعاءه وسؤاله لله دون غيره وأخلص له فيه، قد حقق جانبًا من جوانب التوحيد وهو أن الدعاء عبادة لله وحده لا تصرف إلا له.
ذوق حلاوة مناجاة الله والتذلل بين يديه:
فإن في الانكسار بين يدي الرب ومناداته ودعائه لذة لا توصف. قال ابن القيم: �قال بعض العارفين: إنه لتكون لي حاجة إلى الله، فأسأله إياها، فيفتح علي من مناجاته ومعرفته، والتذلل له، والتملق بين يديه: ما أحب أن يؤخر عني قضاءها وتدوم لي تلك الحال�.
أنه يرد القدر والقضاء:
لما ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ) لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر (، والمعنى أن الدعاء كان سببًا في رد القضاء، فالمريض قد يدعو ربه فيشفى بسبب دعائه.
وعند النظر والتأمل نجد أن الأمر يعود لقضاء الله وقدره، فهو سبحانه وتعالى الذي قدر أن فلانًا من الناس يمرض، ثم ألهمه ووفقه وقدر أنه يدعوه لرفع البلاء والضر عنه، ثم شفاه. فعاد الأمر لقضاء الله أولا وآخرا، وكانت صورته ظاهرًا أن الدعاء رد القضاء.
من أسباب إجابة الدعاء:
بر الوالدين من أسباب إجابة الدعاء:
بر الوالدين من الأسباب العظيمة التي بها يستجاب الدعاء، وهو من أعظم الأعمال الصالحة التي يفعلها المسلم، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على بيان فضله وآثاره الحميدة. ولذا كان البار بوالديه أو أحدهما موفقًا للخير دائمًا، محبوبًا عند الناس لما وضع الله في قلوب العباد من محبته وهو مع ذلك قريب جدًّا من تحقق إجابة دعائه.
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل (.
وكذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فقال أحدهم: ) اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر فيما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء... الحديث (.
استحباب تقديم الأعمال الصالحة بين يدي الدعاء:
كالصلاة والزكاة والصدقة والصلة ونحوها من القرب التي تجلب محبة الله للعبد وتقربه منه، فمحبة الله للعبد تعني رضاه عنه وتأييده ونصره واستجابة دعائه.
وغضب الله على العبد تعني رد دعائه وخذلانه والسخط عليه. فإذا صلى العبد ثم دعا، أو صام ثم دعا، أو وصل أرحامه ثم دعا، كان ذلك أقرب لاستجابة دعائه وقبوله منه. والله أعلم.
الإكثار من نوافل العبادات بعد الفرائض من أسباب إجابة الدعاء:
كثرة نوافل العبادات بعد الفرائض كصلاة النافلة، وصوم التطوع، والصدقات المستحبة، ونحوها من نوافل العبادات تؤدي إلى إجابة دعاء هذا المتقرب إلى ربه بالنوافل بعد الفرائض.
ومصداق ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته (.
لمتابعة المزيد حمل الملف المرفق...
موقع الإسلام