د. محمود إبراهيم الدوعان
للفساد أوجه عديدة ولا يمكن حصرها في مقال موجز، ولكن كل ما هو مخالف للشرع وللأعراف والتقاليد الإسلامية هو ضرب من الفساد، فالإضرار بالناس من الفساد، وأكل أموال الناس بالباطل من الفساد، وتعطيل مصالح الناس دون قضاء حوائجهم من الفساد، والمشاريع المضروبة التي صرف عليها ملايين الريالات، ولم تقم كما هو مرسوم لها نوع من الفساد، وقس على ذلك الشيء الكثير الذي لا يمكن أن نطرحه في هذه المساحة الضيقه من أنواع الفساد التي لا يعلم مداها إلا الله.
لذا الدور الملقى على عاتق «نزاهة» - هيئة مكافحة الفساد- كبير ويتطلب جهوداً مضاعفة ومصداقية في العمل والتطبيق، وإنزال العقوبة المناسبة للحدث عن كل متهاون بمصالح البلاد والعباد، بشرط أن يكون ميزان العدل قائما بحيث يقتص من كل من يثبت فساده الكبير قبل الصغير ومن الغني قبل الفقير.
ما حدث في مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة من جراء الأمطار ‘ التي وصفتها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بأنها خفيفة ومتوسطة، والتي على إثرها سقطت بعض أسقف مطار المدينة المنورة، والتي لم يمض على استلامها أكثر من ثلاثة أشهر، حيث إنها حديثة الإنشاء والتسليم، ولكن إرادة الله أبت إلا أن تكشف الضلال، والغش، والتدليس، الذي يجتاح معظم شركات ومؤسسات المقاولات، التي لم تراع حرمة المدينة المقدسة، ومثوى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومراقبة الله في العمل، فكانت نتيجة أعمالهم غير الموفقة هو سقوط أسقف المطار، وتسرب مياه الأمطار إلى داخل الصالات، حيث أعاقت المياه الكثير من أجهزة الكمبيوتر، وأغرقت عفش الحجاج، وحولت الصالات إلى بركة عائمة بسبب الإهمال، وغياب المتابعة لهذه الشركات الظالمة. وسؤالنا: كيف تم التسليم والاستلام؟ ومن الذي وافق على سلامة هذه المباني وصلاحيتها؟ وأين ذهبت ملايين الريالات التي أنفقت على هذه المنشآت حديثة البناء؟
نفس الأسلوب من الغش والتدليس أصاب الشركات المنفذة لمشاريع السيول في المدينة المنورة، حيث أظهرت الصور التي نشرتها جريدة المدينة في يوم الأحد 26/12/1433هـ سقوط العديد من العبارات حديثة الإنشاء نتيجة جريان بعض المسيلات المائية، وجرف الطرق المرصوفة حولها، وأظهرت الأمطار عورة هذه المشاريع الزائفة، التي استهلكت الملايين، مقابل أعمال هشة، مغشوشة، وخادعة لا تقاوم سيولا، ولا أمطارا غزيرة، ولا حتى أمطاراً خفيفة أو متوسطة.
إذن أين يكمن الخلل؟ هل هو في الجهات الرقابية القائمة على هذه المشاريع؟ أم في الشركات نفسها التي دأبت على أكل الأموال بالباطل بمساعدة بعض الفاسدين؟ كيف نعالج مثل هذه القضايا إذا لم يكن هناك رادع قوي لكل مستهتر بأرواح العباد؟ ماذا لو سقطت بعض الأسقف فوق رؤوس المتواجدين في المطار، وأحدثت بعض الوفيات أو تركت عدداً من الإصابات؟ بعدها من نحاسب؟ ومن نقاضي.؟ وماذا ينفع البكاء والعويل بعد فقد الأرواح؟!
كلنا أمل في الله ثم في « نزاهة « أن تضع حدا لهذه التجاوزات الخطيرة التي لا يمكن السكوت عليها خاصة في المشاريع الحيوية التي لها علاقة وطيدة بتواجد أعداد كبيرة من البشر مثل: المطارات، والكباري، والمدارس، والمستشفيات، والسدود، لأنها تمثل خطورة بالغة على حياة الإنسان، وإذا لم تضبط هذه الأمور من الآن، وتوضع لها العقوبات الرادعة، والشروط الصارمة، فإننا لا نأمن على حياتنا في ظل غياب الرقابة الذاتية والخوف من الله لكل من يعمل في تنفيذ هذه المشاريع، أو يشارك في متابعتها أو الموافقة عليها، أو تسديد مستخلصاتها، وهو أبعد ما يكون عما يجري في عمليات الإنشاء، والتنفيذ، واستكمال البناء. يقولون وما نزال نقول: من أمن العقاب أساء الأدب. نسأل الله السلامة للجميع.