الدين .. ليس مَطِيّة سياسية !!

عبد القادر مصطفى عبد القادر

بلا تقعر ولا فلسفة.. أفهمُ أن الدين قائدٌ لحياتنا من خلال مبادئه وقيمه ومثله العليا، وأفهم أنه ينقى أفكارنا، ويهذب سلوكنا، ويضبط معاملاتنا، وأفهم أنه يرشدنا إلى الحق والصواب.. هكذا ببساطة شديدة.
لكن عقلي - وقد أكون مخطئاً - لا يستوعب فكرة الزّج بالدين في آتون السياسة، اعتماداً على فراغ ديني أو ثقافي، لإجراء توليفة عجيبة بين المتناقضات في آن واحد، ارتكاناً إلى أن كثرة الأفكار يُنسي بعضها بعضاً، وبالتالي فلا حرج البتة من طرح فكرة وتبريرها باستخدام الدين خدمة لحزمة وقتية من الأهداف السياسية، ثم طرح الفكرة المخالفة بعد حين إذا دعت الضرورة السياسية، يصاحب هذا تبدّي أهل الفصاحة والبلاغة لتبرير هذا وذاك بحجة تغيّر الظروف، وطلباً للمصلحة العامة.
الحقيقة، إنّ فكرة التلون تحت مظلة الدين أضحت لعبة مكشوفة لا تنطلي أهدافها الخفية أو الجلية على أحد، خاصة وقد سقط جانب كبير من قناع أصحاب هذا التوجه عند أول منعطف، فعلم الناس ما لم يعلموه، أو بالأحرى ما كان بعيداً أن يصدقوه، إذا تبين بجلاء مسار الخط المطاطي المتلون، الذي يترنح ويصطبغ حسب طبيعة الأرض الذي يمشى عليها، إما في شكل تحالف، أو مغازلة سياسية، أو مظاهرة استعراضية، تتحرك من تحته معادلة المصالح والمكاسب في منطقة النفوذ والتأثير.
بديهياً، قبل أن تنزل إلى ميدان السياسة لتلعب، يجب أن تكون مؤهلاً.. موهبة، وفكراً، وثقافة، وقبولاً، أما أسلوب التسلق باستخدام الدين فلا أراه إلا شيئاً دميماً، إذ يُتَخذ الدين مطية لتحقيق مآرب سلطوية لما له من تأثير مباشر وقوى على الناس، والدين أعظم وأرفع من أن يختزل في شعار براق يُسود على وجه صحيفة، أو يُنقش على قماش لافتة، أو يُعرض في وسيلة إعلامية، جذباً للأبصار واستحوذاً على البصائر، ثم الدفع بذلك في مجرى المصلحة الضيقة.
من المؤكد، أنه لا يوجد مسلم على ظهر الأرض، لا يتمنى عودة المسلمين إلى سابق قوتهم ومجدهم، ولكن لا يكون ذلك بالدعوة إلى الفرقة، وتقسيم المجتمع إلى فرق وفصائل، تنتصر لنفسها ولمعتقداتها، ولو على حساب مصلحة المجتمع ككل، بل ولو على حساب الدين ذاته، والنتيجة هي أن ينصرف الناس عن الغايات الكبرى لأوطانهم وينشغلوا بل ويتقاتلوا من أجل مقعد أو منصب.
المُقلق في الأمر هو الانفصام الذي يتبدى في سلوك البعض، ومرتكزات قوله وفعله تتبدل بين عشية و ضحاها، مع تفسير ذلك بالنصوص الشرعية استناداً إلى شماعة الضرورات، والعجيب أنهم يملكون لكل طريقة أدوات طيّعة مطيعة تنفذ بلا مناقشة.. فقط أتمنى أن يملك معتنقو هذه الأفكار شجاعة الفكر، وصراحة الطرح، واستقامة الخفي مع المعلن، وتطابق ما يقال داخل الغرف المغلقة مع ما يعلن على الملأ.
مقتنعٌ تماماً بأن مسألة التدين لا تحتاج إلى وصاية من أحد، بل هي حرية واقتناع وخصوصية، ولذلك لا يجب إملاء طقوس معينة على ممارسة الالتزام الديني من قبل هذا أو ذاك، وليس الالتزام بالدين القويم هو تنفيذ لرأي هذا أو ذاك، ذلك لأن أسلوب خلق نماذج متشابهة ونسخ مكررة في الفكر والتصور والأسلوب من الناحية الدينية.. أسلوب مرفوض، كونه يتعارض مع سنة الله في الخلق، خاصة وإن كان يتم الدفع به في طريق الشرذمة والتفرق، إنما الواجب هو التبصير بأمور الدين بشفافية وصدق، دون أن يكون في الحسبان تخطيط ما بغية استغلال هذا التدين سياسياً، أو ما شابه.
أعتقد أن توجيه الدين لبناء القيم والأخلاق، وترسيخ قواعد العلم والبحث، وتمتين أواصر المحبة والمودة بين الناس، وإرساء دعائم التعاون بينهم، مقدم على ما سواه في وقتنا الحاضر، كما أتصور أن الزج بالدين في معترك السياسة هو حط من شأن الدين، ونفخ في نيران الفرقة، وإيقاظ للحزازيات الدينية، وتشتيت لتركيز المجتمع وإلهائه عن قضاياه الأساسية في العيش والأمن والاستقرار.
وأخيراً، فإن الإسلام ليس خطب وشعارات وكلمات تلوكها الألسنة ابتغاء عرض من الدنيا.. الإسلام فكر وضمير وأخلاق وحب للخير وحرص على الصالح العام.

الاقتصادية الإلكترونية