البشري المريض نفسياً يستخدم العدوانية كسلاح وحيد يملكه ليدافع به عن نفسه عن شعوره بالنقص تجاه إنسان آخر يفوقه ثقافة أو أخلاقاً أو سلوكاً وممارسة أو مهنة وعملاً... وهو إن كان لا أخلاقياً تتجلى عدوانيته في درجاته الأولى بالشراسة في استخدام الكلمات المصحوبة بالسخرية والاستهزاء ومروراً بالشتائم والمسبات التي قد تصل أخيراً إلى الضرب والأذى..
هناك أمر يتعلق بمستوى وعي الإنسان الأخلاقي والثقافي وهو عندنا لا ينفصم فلا قيمة للثقافة بدون وجود ممارسة للوعي الأخلاقي، وحتى الأخلاق تحتاج إلى معرفة بها من جانب ومن جانب آخر الإيمان بضرورة ممارستها. ويجب الانتباه إلى أنه لا أهمية وقيمة للأخلاق بعيداً عن الحياة الاجتماعية والأنا مقابل الآخر، فإن كانت هناك حياة مشتركة ولو بالحدود الدنيا للتواصل تصير في مقدمة الأخلاق احترام الآخر والأدب واللباقة في التعامل وما يرتبط بذلك من مصداقية وإخلاص ووفاء..
هذا هو الشرط الإنساني للتعايش مع الآخرين، وهنا يجب أن نفصل المفهوم العام الغامض بين البشر والإنسان، فالبشر هم حلقة التطور من الحيوان إلى الشكل البشري بينما الإنسان هو قمة التطور الأخلاقي للبشر، ولذلك تعريف أرسطو للإنسان خاطئ وهو ينطبق على تعريف البشري بأنه ناطق للتمييز بينه وبين الحيوان في مراحل التطور، بينما الإنسان هو تعريف المتطور من البشر أخلاقياً، وهنا نركز على أن التطور العلمي والتكنولوجي والبناء لا يمنح البشر صفة الإنسان لأن تلك الصفة النوعية مرتبطة بالأخلاق حصراً وإن كان البشري من مجتمعات متخلفة علمياً وتكولوجياً.
من تلك الرؤى نعود للحديث عن العدوانية فهي بين البشري والإنسان لأن صفة العدوانية لا يتصف بها الإنسان مطلقاً بل البشري وحده من يوصف بها فإن وقع نقاش ما بين الاثنين يظهر الفرق أو إن حدث لقاء أو شكل من أشكال العلاقة أو التواصل بين بشري وإنسان فإن شعر البشري بدونيته فأخذ يطور نفسه الوضيعة باتجاه أن يكون إنساناً فذلك رائع ولكن إن غلبت عليه بشريته الوضيعة ولم يفكر بالرقي سيحقد على الإنسان وسيحاول النيل منه بشتى الطرق وكلها ضمن إطار العدوانية والتي هي درجات نسبية بين بشري وآخر.
إن اللاأخلاقي من البشر يضيق ذرعاً ويفقد صوابه عندما يجد نفسه أمام الإنسان الأخلاقي، يتمنى أن يقطعه أن يحذفه من خارطة الوجود، لا يستطيع أن يتحمله لأنه يرى فيه مرآة تضعه أمام حقيقته فهي تعكس سفالته وحقارته. إن مجرد شعور اللاأخلاقي بأنه أمام إنسان أخلاقي متسام مترفع، يتضاءل ويحس بصغره وتفاهته وهذا قتل له، ولا حل عنده إلا بالمواجهة الشرسة ليجره إلى الأسفل، إلى مستنقعه/ ملعبه.
إنه يريد من الإنسان الأخلاقي أن يكون مثله بشري لا أخلاقي يكذب ويشتم ويسرق ويسافل.. أي أن يجره إلى مستنقعه اللاأخلاقي ليشعر بأنه مثله في السفالة ليرتاح نفسياً وإلا فإن الشعور بالنقص والدونية سيدفعان عدوانيته للانطلاق ليضطهده ويحطمه ويذله بأي شكل من الأشكال ومهما كانت الكلمات والتصرفات!
أما إن كان البشري اللاأخلاقي مثقفاً فهو يستخدم ثقافته للنيل من الإنسان الأخلاقي بالمسبات والشتائم وتزييف الحقائق وكل ذلك لينتصر عليه في المواجهة أو الحوار.. فإن كان مختلفاً معه في الفكر والأيدولوجيا فهذا سيسهل عليه مهمته في تحطيم خصمه الإنسان الأخلاقي بنعته بأشنع ما في قاموسه من التحقير والاستهزاء والتسفيه وتسطيح الأمور وقد ينعته بالجهل على الرغم من معرفته بأنه أكثر ثقافة منه..
أما إن كان البشري اللاأخلاقي غير مثقف فهو سيشعر بدونيته أمام الإنسان المثقف الأخلاقي، وبما أنه يعرف أنه لا يمكن جره إلى مستنقع جهله فلا يتبقى أمامه سوى السخرية من موقعه مثل هل ستلقي علي درساً أو محاضرة أو هل تريد أن تجعل نفسك علي حكيماً..
هذه بعض التجليات العدوانية للشعور بالنقص كخط دفاعي لصاحبه لا ليحمي نفسه فقط وإنما ليخلق التعادل أو التوازن النفسي ليستطيع أن يثبت ذاته أمام مرآة تكشف عريه دونما أي غطاء أو رتوش تستر شيئاً من مستنقعه.
ولا تفوتنا هنا ملاحظة صغيرة حول العدوانية التي تتجلى في النقاشات عند أحد الطرفين عندما يعجز عقله وثقافته وأخلاقه عن الرد على الخصم فينفلت من عقاله الضابط له كمظهر يخفي حقيقته العدوانية الشرسة.
كثر هم البشر وقلة هم الإنسان والمهم أن يختار القيمي طريقه مبتعداً عن الصغار والسفلة فعالمه غير عالمهم ومبادؤه وأخلاقه ستبقى الحكم الفيصل.
د. حسام الشلبي
نقلآ عن جريدة البلاد