سعود بن هاشم جليدان
تنتج البطالة بشكل عام عن تراجع النشاط الاقتصادي وانخفاضه تحت مستوياته الكامنة. وقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى ارتفاع معدلات البطالة بنسب مرتفعة بسبب التراجع الكبير في معدلات النمو الاقتصادي بل وحدوث انكماش في معظم الدول المتقدمة. وكلما انخفض الناتج المحلي الإجمالي تحت مستويات التوظيف الكامل للعمالة، ارتفعت نسبة البطالة. وتحاول دول العالم التصدي لتراجع النمو الاقتصادي من خلال سياسات تنشيط الاقتصاد بشتى الطرق وتتبنى سياسات التحفيز المالي والنقدي لتجنب ارتفاع معدلات البطالة.
وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات المتعلقة بالعمالة في المملكة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين منذ بداية الألفية، على الرغم من معدلات النمو الاقتصادي القوي. وتفيد هذه البيانات بأن نسبتي النمو السنوية لقوى العمل الإجمالية والسعودية فاقتا نسبتي النمو السكاني السنوية لجميع السكان ومنهم السكان السعوديون خلال السنوات الماضية. وارتفاع معدل نمو القوى العاملة الإجمالي والسعودية مقارنةً بنمو السكان، جاء نتيجةً إلى ارتفاع نسبة مشاركة السكان السعوديين في قوى العمل، وهذا ناتج بدوره عن ارتفاع عدد الداخلين الجدد وخصوصاً قوى العمل الشبابية والنسائية في سوق العمل مقارنةً بحجم السكان.
واختلاف الاقتصاد السعودي عن كثير من الاقتصادات العالمية في ارتفاع معدلات البطالة حتى في أوقات النمو الاقتصادي القوي، يطرح تساؤلات لدى المختصين عن أسباب عدم فاعلية النمو الاقتصادي القوي خلال السنوات الماضية في خفض معدلات البطالة بين السعوديين. فهل فشل النمو الاقتصادي في المملكة في خفض معدلات البطالة؟ وقبل الحكم على فشل النمو الاقتصادي في خفض البطالة يجب أن نتذكر أن النمو الاقتصادي لا يخفض معدلات البطالة مباشرةً ولكنه يخفضها من خلال زيادة الوظائف في الاقتصاد. من جهةٍ أخرى قد تكون معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة ناتجة في معظمها عن النمو في قطاعات توظف أعدادا قليلة من العمالة بسبب ارتفاع كثافاتها الرأسمالية، وهذا ما حدث في قطاع البتروكيماويات الذي تضاعفت طاقاته الإنتاجية عدة مرات ولكنه وظف أعداداً إضافية قليلة من العمالة.
وعند النظر بتعمق إلى بيانات التوظيف يتبين نجاح نمو المملكة الاقتصادي في توليد ملايين فرص عمل إضافية منذ بداية الألفية على الرغم من قصور النمو الاقتصادي في خفض معدلات البطالة بين المواطنين. وإضافة إلى ذلك تظهر بيانات النمو والتوظيف وجود علاقة إيجابية متقاربة بين النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي ومستويات التوظيف بشكل عام، وهذا مؤشر غير جيد على جمود معدلات إنتاجية العمالة بشكل عام. أما معدلات نمو القطاع النفطي القوية خلال السنوات القليلة الماضية فكان تأثيرها محدوداً في التوظيف بسبب اعتماد هذا القطاع على رأس المال، حيث يوظف القطاع النفطي أعداداً محدودة تقل عن 1 في المائة من إجمالي حجم العمالة في المملكة.
ويلاحظ من بيانات العمالة أن نسبة السعوديين إلى إجمالي قوة العمل ظلت شبه ثابتة خلال الفترة، كما أن معدلات البطالة الوطنية ظلت مرتفعة خلال الفترة على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، بل إن معدلات البطالة ارتفعت بعض الشيء في السنوات القليلة الماضية. وتشير هذه البيانات أيضاً إلى وجود علاقة إيجابية بين النمو الاقتصادي ومستويات توظيف السعوديين والأجانب في نفس الوقت. وأثر النمو الاقتصادي إيجابياً وبقوة على بطالة العمالة المقيمة، حيث تراجعت معدلات البطالة في قوى العمل الأجنبية من نحو 1 في المائة قبل أكثر من عشر سنوات إلى أقل من 0.5 في المائة خلال الوقت الحالي. وتشير نسب البطالة المتدنية بين العمالة الأجنبية إلى ارتفاع الطلب عليها ووجود عجز في المعروض منها محلياً. وهذا ناتج عن خصائص وهياكل النمو في اقتصادات المملكة ودول الخليج، حيث يتركز النمو في القطاعات الاقتصادية التي تنخفض فيها الأجور وتوظف العمالة الأجنبية بصورة رئيسة. وشهدت الفترة الماضية نمواً قوياً في قطاعات الإنشاءات وبعض الخدمات التي تعتمد بشكل شبه كلي على العمالة الأجنبية، ولهذا فإن استفادة العمالة الوطنية من التوظيف في هذه القطاعات محدودة. وتسهم معدلات النمو الاقتصادي القوية في المملكة في توظيف العمالة من دول كثيرة، ما يثبت التأثير الإيجابي للنمو الاقتصادي في المملكة على النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً الدول المجاورة والدول التي توفد أعدادا كبيرة من عمالتها إلى المملكة. وتيسر أنظمة العمل المرنة من استمرار توظيف واستقدام العمالة الأجنبية. وتشير بيانات العمل إلى جمود نسب توظيف السعوديين في القطاع الخاص وانخفاض فاعلية سياسات السعودة في رفع نسب توظيف السعوديين في هذا القطاع، وانخفاض قدرة هذه السياسات على إحداث تغيرات هيكلية في أسواق العمل.
وعموماً تظهر بيانات النمو والتوظيف والبطالة المتوافرة عن المملكة منذ بداية الألفية، نجاح النمو الاقتصادي المطرد في توفير عدد كبير من فرص العمل للعمالة السعودية والأجنبية في الوقت نفسه، ولكن هذا النمو لم يكن كافياً لخفض معدلات البطالة بين السعوديين. ونتيجةً لذلك، فإن العلاقة العكسية بين معدلات البطالة والنمو لا تعمل كما ينبغي في الاقتصاد السعودي وهذا راجع إلى تركز النمو في القطاعات قليلة التوظيف للعمالة، وفي القطاعات منخفضة الأجور، وإلى ارتفاع معدلات النمو في حجم العمالة الوطنية وخصوصاً الشبابية والنسائية، وإلى انفتاح سوق العمل الوطني على استقدام العمالة الأجنبية، وكذلك وجود أسواق عمل مختلفة ومفصولة للعمالة الوطنية والأجنبية، ما يعقد ويصعب من بناء علاقات تشمل جميع أسواق العمل في المملكة.
موضوع: نشيد // جمر المخاطر 
الإثنين مارس 08, 2010 9:48 am
