احترام الأنظمة ودوره في تحقيق المصالح ودفع المفاسد
كاتب الموضوع
رسالة
ساعد وطني
المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 26/09/2012 الموقع : K.S.A
موضوع: احترام الأنظمة ودوره في تحقيق المصالح ودفع المفاسد الإثنين أكتوبر 29, 2012 3:33 am
عبد الله بن عبد الرحمن الشثري المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام ، وهدانا للإيمان ، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مَنَّ فَأَفْضَلَ ، وأعطى فأجزل ، وأنعم فتكرّم ، له المنة على مَن هداه ، ولا إله لنا سواه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، نوّر الله بشريعته مشارق الأرض ومغاربها ، ونكّس به رايات الشرك والضلال ، وأخرج الله به العباد من الظلمات إلى النور ، وهداهم إلى الصراط المستقيم ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن اتبع سنته ، واهتدى بهداه ، أما بعد :
فمن رحمة الله - تعالى - بعباده أن بعث فيهم نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه كتابه المبين ، وجعل هذا القرآن هاديا لهم إلى الصراط المستقيم ، فقال - تعالى - ﴿ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [سورة الإسراء : الآية 9] ، وقال - سبحانه - ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ﴾ [سورة المائدة : الآية 15-16] .
ووعد - سبحانه - من اتبع هذا القرآن ، وسار على نهجه ، بالسعادة في دنياه وفي آخرته قال - تعالى - ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [سورة طه : الآية 123] ، أما من أعرض عن هذا القرآن ، وسلك طريقا غيره ، فقد وقع في الضلال والهلاك المحقق ، ولا يمكن للإنسان أن يستقل برأيه في الحياة ، وتنظيم أموره ، وشئون حياته ، إلا بوحي الله - تعالى - الذي جاء على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - مهما بلغ الإنسان من الكمال البشري ، ومهما بلغ غاية الكمال العقلي ، فإنه بحاجة ماسة إلى وحي الله - جل وعلا - في هذه الحياة الدنيا ، لعيش سعيدا مطمئنا مستقرا فيها .
النظام في الكون
والله - جل وعلا - حينما خلق هذا الكون العظيم ، أبدع خلقه ، وأحسن صنعه ، وقدره تقديرا بليغا ، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن ، تبين عظيم صنع الله - تعالى - في هذا الكون ، قال - سبحانه - ﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 96-97 ] وهذا يدل على كمال الله - جل وعلا - واستحقاقه للعبودية ، حيث قال بعدها بآيات ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 102-103] .
وجعل هذه الشمس تشرق في وقت محدد ، وتغرب في وقت مقرر ، قال - تعالى - ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 54] وقال أيضا في آية أخرى ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [سورة يس : الآية 39-40] بتقدير حكيم ، من رب عظيم ، جعل هذه الأكوان ، وهذه الأفلاك ، من ليل ونهار ، وشمس وقمر ونجوم ، تسير وفق تقدير حكيم ، من عند الله - جل وعلا - لا تتقدم ولا تتأخر ، يكور الليل على النهار ، ويكور النهار على الليل ، وكذلك جعل هذه الأرض مستقرة لا تتزعزع بأهلها ، ولا تميد بهم ، وجعل لها رواسي لتثبتها ، حتى لا تتعطل مصالح العباد ، وهذا من حكمة الله - تعالى - في هذا الخلق ، وصنعه الحكيم ، وتسخيره العجيب لعباده .
ومن تأمل آيات كثيرة في القرآن الكريم ، من خلق النجوم والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبحر واليابس ، علم قدرة الله - جل وعلا - وأنه عليم حكيم قادر عظيم ، جعل للعباد منهجا اعتقاديا ، يسيرون عليه في حياتهم ، وهو توحيد الله - جل وعلا - ولهذا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، يدعون الناس إلى عبادة الله وتوحيده ، وهذا هو أعظم مأمور ، وأعظم شيء ينظم حياة الناس ، ويصلح أحوالهم ، قال - تعالى - ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل : الآية 36] .
فهذه هي قواعد الدين ، وأسس الإسلام التي جعلها الله - تعالى - لتنظيم حياة البشر ، وعبادة ربهم عبادة صحيحة مستقيمة .
أثر العقيدة والعبادات في تعليم النظام
ومن ذلك أيضا في هذا المقام العظيم - وهو التوحيد - أن الله حرم الشرك ، وحرم عبادة غيره ، من الأوثان والأصنام ، لتنتظم حياة الناس ، وليسعدوا في هذه الدنيا ، ويفوزوا في الآخرة بالنعيم المقيم .
وتنتظم حياة الناس كذلك بهذه العبادات التي شرعها الله - تعالى - للناس في أحكام ، ومسائل شرعية ، من حلال وحرام ، وقد بينه لهم ربهم - جل وعلا - في القرآن العظيم ، وفي سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجعل لهم فرائض يتقربون بها إلى الله - تعالى - ومن أعظمها وأجلها هذه الصلاة التي افترضها الله - تعالى - على عباده في اليوم خمس مرات ، يتوجهون فيها إلى ربهم ، ويتقربون فيها إليه بالطاعة .
وجعل الله - تعالى - لها نظاما دقيقا في هيئتها ، وفي عدد ركعاتها وأوقاتها وأقوالها وأفعالها ، فلم يترك لهم الأمر ، يقولون فيه ويفعلون ما يريدون ، بل شرع لهم ذلك على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - .
والصلاة من أعظم شعائر الإسلام ، التي تحث الناس على الالتزام بالنظام والأنظمة ، فهي عبادة لا تؤدَّى إلا في وقت معلوم ، وبطريقة خاصة ، وصفة خاصة ، وأقوال خاصة ، وغير ذلك ، ولهذا جاء في الحديث : « إنما جُعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا » (1 ) . إلى آخر الحديث ، فلا يسوغ للمأموم أن يتقدم أو تأخر على إمامه ، بل عليه أن ينتظم وينظم وقفته في الصلاة ، ويقتدي بإمامه في كل أفعال الصلاة ، وهذه تربية على النظام .
وكذلك إذا صف المصلي في الصلاة ، فعليه أن يقيم هذا الصف ، ولا يتقدم على إخوانه ، ولا يتأخر ، ولا يترك فراغا بينه وبين إخوانه في الصلاة ، بل على المصلين جميعا أن يسووا الصفوف كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : « لتُسَوُّنّ صفوفكم ، أو ليخالِفَنّ الله بين وجوهكم » ( 2) .
وقد كان - عليه الصلاة والسلام - يتتبع المصلين ، ويحثهم على تسوية الصف ، بل يأمرهم بإتمام الصف الأول فالأول ، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - : « خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها » ( 3) .
وقال في الحديث الآخر : « استووا ، ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم ، ولْيَلِنِي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » ( 4) . وهذا يدل على أفضلية الصف الأول ، وعلى وجوب التراص والاعتدال فيه لينال المصلي الأجر المترتب على هذه الصلاة .
ففي هذه الصلاة العظيمة تربية للمؤمن على النظام ، وعلى الانتظام في حياته ، فهو لا يتقدم ، ولا يتأخر ، سواء في أدائها ، أو في صفتها ، ولا يزيد في أقوالها ، ولا أفعالها ، وكذلك الحال في بقية أركان الإسلام الأخرى ، كالزكاة ، فقد بيّن الله فيها الحدود والأنصبة والضوابط ، وأن الإنسان لا يزكي المال إلا إذا حال عليه الحول ، وإذا اكتمل النصاب ، إلى آخر هذا التفصيل الدقيق البديع .
وكذلك الحال في الصيام ، فإن الصيام شهر في السنة ، يصوم الناس حينما يرون الهلال ، ويبقون صائمين مدة شهر ، حتى يروا الهلال ، ثم يفطرون ، وهذا نظام أيضا ، وتوجيه وإرشاد نابع من هذا التشريع الحيكم ، .
وكذلك الحال في الحج ، فإن الله - تعالى - فرض الحج في العُمر مرة واحدة على المستطيع القادر ، وجعل لذلك وقتا محددا ، كما أخبر ربنا - جل وعلا - بقوله ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾ [سورة البقرة : الآية 197] ، وكما يقول أهل التفسير : هي شهر شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، أو شهر ذي الحجة - على قول - .
فالمقصود أن هذه العبادات والفرائض منظَّمة ومرتبة من لدن حكيم خبير ، وعلى لسان نبي كريم ، إذا علمها العبد ، وحافظ على أدائها ، فإنها تربي في نفسه حب الانتظام والترتيب ، فلا يكون مبعثرا في حياته ، لأنه كما قيل :
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَراة لَهُمْ ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سادوا
فأعظم شيء يدلك على النظام والتنظيم ، واحترام الأنظمة ، هذه الشعائر التعبدية ، التي أمرك الله - تعالى - بأن تتعبده بها .
وكذلك الحال في مجالات الدعوة ، فإن الداعي لا يدعو بما تهواه نفسه ، ولكنه يسير وفق هدي صحيح ، وهذا الهدي هو الذي رسمه النبي - عليه الصلاة والسلام – ووضحه ، كما جاء في حديث ابن عباس المتفق عليه في الصحيحين ، لما بعث معاذا إلى اليمن ، حيث بيّن له ماذا يقول ، وما يفعل ، وأرشده إلى الطريق الصحيح السليم في دعوته ، فقال : « إنك ستأتي قوما أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فإياك وكَرَائِم ( 5) أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب » ( 6) . .
فقد بين له النبي - عليه الصلاة والسلام - كيف يدعو ، وبما يدعو ، وبأي شيء يبدأ في الدعوة ، فبين له أن أول أمر يدعو إليه هو التوحيد الذي هو أهم الأشياء ، فمن جاء بالتوحيد ، فإن بقية العبادات تسهل عليه ، بل إنه سوف يبادر إلى أدائها ، ثم تأتي العبادات الأخرى ، التي هي ثمرة الاعتقاد ، ثم تأتي الأخلاق التي هي ثمرة العبادات ، كما قال الله - تعالى - ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ [سورة العنكبوت : الآية 45] ، وقال في شأن الزكاة ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [سورة التوبة : الآية 103] .
فهذه الأخلاق هي من ثمرات الاعتقاد ، وثمرات العبادات ، التي تأتي من هذا التنظيم البديع للدعوة إلى الله - جل وعلا - .
ومن التنظيم الدقيق لهذه الدعوة الذي رسمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لهذه الأمة أنها يجب أن تكون مصحوبة بالحكمة والموعظة والرفق واللين ، وتنزيل الأمر في الأحوال المناسبة ، ومعرفة ما يناسب أحوال الناس ، من الدعوة والأساليب والألفاظ والأوقات والأزمنة ، فالله - تعالى - يقول ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾ [سورة النحل : الآية 125] .
فإذا التزم المسلم بهذه الضوابط العظيمة ، وهذا التنظيم الدقيق في الدعوة إلى الله ، كان ما يقوله حسنا ، مصداقا لقوله - تعالى - ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ [سورة فصلت : الآية 33] ، فهذا ما يتعلق في جانب الدعوة .
التنظيم في الحياة الاجتماعية
أما في جانب الحياة الزوجية ، أو الحياة الاجتماعية ، فإن الإسلام أيضا قد اهتم بالنظام والتنظيم في حياة المجتمع ، وفي حياة الأسرة ، وفي حياة الأفراد ، فجاء الحث من الإسلام أن يكون مجتمع المسلمين مجتمعا منظما مرتبا ، قائما على التعاون ، فلا يستقل أحد بقوله ورأيه ، فالتعاون يثمر الألفة بين القلوب ، ويحقق المصالح للناس ، قال - تعالى - ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة : الآية 2 ] وقال - سبحانه - ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [سورة وَالعصر : الآية 3] ، وبين لنا ربنا - جل وعلا - أن من صفات أهل الإيمان أنهم أولياء بعضهم لبعض ، يتناصحون ويتآمرون ويتعاونون ، فقال ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ﴾ [سورة التوبة : الآية 71] وقال - تعالى - ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 10] .
فقد نظم الإسلام حياة المجتمع تنظيما دقيقا ، فالأمة إذا اجتمعت على أمر ، كان صوابا ، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وكذلك نُظمها في الأسرة التي هي جزء من المجتمع ، فقد بين الشرع ما لهذه الأسرة من حقوق ، وما عليها من واجبات ، ونظم هذه العلاقة من بدايتها ، عندما يتقدم الرجل في طلب الزوجة ، وكيف يعمر حياته وحياة زوجه بالطاعة والمحبة والألفة والرحمة والخشية والرهبة وتربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصالحة ، وكيف يعيشون حياة سعيدة في ظل توجيهات الإسلام ، ولهذا أخبر الله - تعالى - عن أحد أنبيائه - وهو زكريا عليه السلام - لما أصلح الله له زوجته ، قال الله - تعالى - عنهم ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [سورة الأنبياء : الآية 90] .
ثم إن على الأسرة أيضا مسئولية كبيرة في تربية مَن تحت يدها من الأبناء والبنات ، فعليها أن تربيهم التربية الصحيحة الصالحة ، التي تُسعدهم في حياتهم ، فيكونوا خيرا لهم في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة ، وقد بشر الله – تعالى - عباده المؤمنين ، الذين يسعون في تربية أولادهم تربية صحيحة ، على الدين والإيمان والعبادة والأخلاق ، فقال ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [سورة الطور : الآية 21] . فهذه ثمرة التربية واحترام الأنظمة التي في الإسلام .
فقد اهتم الشرع اهتماما بالغا بتوجيه الوالدين بخصوص تربية الأولاد والبنات ، فلا يصح أن يتركوا أولادهم ليتلقوا التربية من غيرهم ، بل عليهم أن يتولوا تربيتهم وتوجيههم ، ليكون في ذلك وقاية لأبنائهم من الفساد ، ووقاية لهم من العذاب والهلاك ، قال - سبحانه - ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [سورة التحريم : الآية 6] ، وقال في شأن الصلاة ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [سورة طه : الآية 132] ، لأن من تربى على المحافظة على الصلاة ، كانت له نورا وبرهانا في الدنيا والآخرة ، ولهذا جاء حث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للوالدين بأن يعلموا أولادهم الصلاة منذ الصغر ، حتى يتعودا على هذه العبادة ، فيألفوها ويحبوها ، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع » ( 7) .
هذا هو التنظيم النبوي لهذه الأمة ، وهو توجيه عظيم ، لكي يسعد الناس في هذه الدنيا .
الكليات الخمس
من خلال هذا العرض الموجز لتشريعات الإسلام ، في مجال العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات في المجتمع ، نجد أن الإسلام أيضا قد اهتم بالكليات الخمس ، أو ما يسمى بالضرورات الخمس : النفس والدين والمال والعرض والعقل .
فمن حيث الحفاظ على النفس ، فقد وجدنا أن الشرع قد حرم الاعتداء عليها ، وشرع القصاص لمن يعتدي على غيره .
ومن حيث الحفاظ على الدين ، فقد أمر الله - تعالى - أنبياءه ، وأمر أتباعهم من بعدهم أن يدعوا الناس إلى عبادة الله ، حتى لا يزيغوا ، ولا يضلوا الطريق ، فأمر بالدعوة ، وأمر بالعبادة ، وكل نبي دعا قومه ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - مكث يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاما يقرر فيها التوحيد ، ثم عشر سنين يقرر فيها ما بعد التوحيد من العبادات والمعاملات .
وهذه الدعوة كانت من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – بغرض حفظ الدين وتسيير الناس على هذا الدين ، جيلا بعد جيل ، وقوما بعد قوم ، وأمة بعد أمة .
وأما حفظ العقل ، فقد حرم الإسلام الخمر ، وحرم المخدرات ، وحرم كل ما كان من شأنه أن يُذْهب عقول الناس ، وحد لذلك حدا .
وفي الحفاظ على المال ، شرع الله - تعالى - حد السرقة ، حفظا للمال من أن يعتدي عليه أحد ، وحتى يرتدع الفساق والسراق عن التعرض لأموال الناس .
كما أمر الشرع بحفظ العرض ، وشرع لذلك عقوبات محددة ، شرع عقوبة القذف ، وعقوبة الزنا ، وما ذلك إلا لأجل أن تنتظم حياة الناس ، ويمتنعوا عن هذه المعاصي والذنوب والاعتداءات ، التي تكون في المجتمعات .
وهذه من المعالم العظيمة ، والبراهين الصادقة التي جاءت في كتاب الله - تعالى - وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - .
ويُستنبط مما سبق أهمية النظام ، وأنه فيه الخير العظيم ، والفائدة الكبرى للعباد ، ولهذا جاء تعريف النظام عند أهل اللغة - كما في المعاجم - أنه يدل على تأليف الشيء وتجميعه ، أو ضم شيء إلى شيء ، فيقال : نظمت الشعر وغيره ، ويقال : نظم اللؤلؤ ينظمه نظاما ، إذا ألفه وجمعه في سلك فانتظم ، فالكلمة إذن في أصل اللغة تطلق على الشيء الذي يراعى فيه التنظيم والترتيب والانسجام والتنسيق والارتباط ، وجمعه أنظمة .
وأما الأنظمة فهي القواعد والمبادئ والعادات والأعراف التي تقوم عليها حياة المجتمع ، وحياة الدول ، في ظل الإسلام عقيدة وشريعة ، وبها تنتظم أمور الناس ، وتتحقق مصالحهم ، في كل المجالات .
اهتمام العلماء بالتأليف في النظام
هذه هي الأنظمة بهذا التعريف الشامل العام ، وإذا علمنا هذه التوجيهات التي جاءت في الإسلام ، تبين لنا بشكل قاطع أنه لا يمكن لأي دولة من الدول أن تنهض ، أو يكون لها كيان ، إلا بترتيب ، وتنظيم دقيق ، ولأجل هذا فإن العلماء المتقدمين من أهل الإسلام اهتموا بهذا الجانب الذي يقيم شأن الدول ، ويرتب أوضاعها وأحوالها ، في ظل الإسلام وتوجيهاته وشريعة وعقيدة ، فقد ألّف أهل الإسلام فيما يَضْبط أحوال الدول الإسلامية ، حتى تسير على وفق منهج الله - تعالى - فألف الماوردي – رحمه الله - في ذلك كتابا ، سماه الأحكام السلطانية ، كما ألف في ذلك أيضا القاضي أبو يعلى كتابا ، سماه أيضا الأحكام السلطانية ، وذكر كل منهما ما ينبغي على أهل الولاية أن يفعلوه في دولهم ، وبماذا يبدءون ، وما الحقوق الواجبة عليهم تجاه الرعية .
كما ألف في هذا الباب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - كتابه العظيم الذي سماه السياسة الشرعية ( ، تعرض فيه لما يضبط حياة ولاة الأمور ، وتنظيماتهم مع رعيتهم ، فيما يقيم الحياة الإدارية ، الحياة الاجتماعية والسياسية ، وما إلى ذلك .
ولا ريب أن هذا التنظيم ، وهذا الترتيب لأي دولة في الإسلام ، منطلق من مقاصد شرعية عظيمة ، منها المصالح المرسلة التي تكلم عليها أهل العلم ، وخاصة علماء الأصول ، وهي كل أصل شرعي ، لم يشهد له نص معين ، وكان ملائما لتصرفات الشرع ، ومأخوذا من أدلته .
النظام الإسلامي صالح لكل زمان ومكان
ونعلم بذلك أن أدلة الإسلام جاءت في معظمها عامة ، لتشمل كل جوانب الحياة ، في كل الأزمنة والأمكنة ، فهي ليست قاصرة على أمة ، ولا على زمن محدود ، وهذا من حكمة الله - تعالى - في التشريع ، وحكمته في هذا الخلق العظيم ، لأن البيئات تختلف ، والمجتمعات تتفاوت ، وقد يكون هناك نظام يصلح لزمن ، ويأتي زمن آخر ، لا يصلح له هذا النظام ، كما نشاهد في هذا الزمن من التطور العجيب في الأنظمة ، حتى في أنظمة القضاء والمحاكم ، فيها تطور عجيب ، لكنه يحقق المصلحة ، ولهذا لم يأتِ نظام محدد من الشارع الحكيم ، حتى يسير عليه الناس في كل زمان ومكان ، إنما جاءت أدلة عامة .
والمصالح المرسلة التي تأتي بمصلحة عامة ، وليس بمصلحة شرعية ، وبحقيقة راجحة ، وليس حقيقة وهمية ، لا تُعارض نصا ، ولا دليلا من كتاب الله - تعالى - فهذه يجب الأخذ بها ، وتطبيقها ، وتنظيمها في واقع الناس ، لأن فيها مصلحة راجحة لهم في حياتهم .
النظام في عهد الصحابة
والصحابة - رضوان الله عليهم - قد سعوا في هذا الجانب العظيم ، وطبقوه في حياتهم ، لأنهم يعلمون ما يُصلح أحوال الناس ، ويقيم حياتهم ، فقد حصل في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - بعض الأمور ، التي ليس فيها دليل شرعي ، فأجمع الصحابة عليها ، كجمع القرآن ، وهذا داخل في عموم قوله - تعالى - ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [سورة الحجر : الآية 9] .
فجمع القرآن كان في عهد أبي بكر ، أجمع الصحابة عليه وأقروه ، خشية أن يضيع في هذه الصحف المتفرقة .
وكذلك اتُّخذت السجون لأصحاب الجنايات ، ردعا لهم ، وكذلك قام أبو بكر - رضي الله عنه - بمحاربة المرتدين ، الذين منعوا الزكاة ، وقال : والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه للنبي - عليه الصلاة والسلام - لقاتلتهم عليه .
وسنّوا كذلك أحكاما كثيرة ، وتشريعات عديدة ، تحقق المصلحة للمسلمين .
وكذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دوّن الدواوين ، واتخذ السجون ، كما تذكر كتب السير ، ووصل الأمر إلى أنه أوقف حد السرقة في زمن سُمي بزمن المجاعة .
وعمر – رضي الله عنه - هو الذي وضع للدولة نظاما ، فيما يختص بالجيش ، ويختص ببيت المال ، فاتخذ ديوانا للجند ، وديوانا للخراج ، وديونا للرسائل ، وغير ذلك مما استجد في عصره ، لأن هذه مصالح عظيمة اقتضتها الأحوال والأزمنة ، بعد انقطاع الوحي ، ولم يشرع الشارع أحكاما لتحقيقها ، ولكنها داخلة في نصوص عامة ، وفي مصالح راجحة للعباد ، وفي هذا الجانب يقول القرافي : إن الصحابة - رضوان الله عليهم - عملوا أعمالا لمطلق المصلحة ، لا لتقدم شاهد بالاعتبار .
وقال ابن عَقيل : السياسة فعل ما تكون معه الناس أقرب إلى الإصلاح ، وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نزل به وحي ، ومن قال : لا سياسة إلا بما نطق به الشرع . فقد غلط ، وغلّط الصحابة في شريعتهم .
هكذا يرى علماء الإسلام ، فيما يستجد للناس من الأحوال التي لم يأتِ الدليل بإلغائها ، ولا باعتبارها ، ولا تصادم هذه المصلحة التي تكون في الأنظمة .
والنظام الذي يوضع ، يجب ألا يكون فيه مصادمة لنص شرعي ، من كتاب الله ، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحينئذ يجب الأخذ به ، لما فيه من المصالح العظيمة للعباد ، ونحن في هذه البلاد ، قد أنعم الله - تعالى - علينا فيها بنعم عظيمة ، من أجَلّها وأعظمها وأفضلها نعمة الإسلام ، التي فيها عِزّنا وشرفنا ، فقد أُسست هذه الدولة المباركة ، المملكة العربية السعودية ، على الإسلام الصحيح ، وعلى العقيدة الصحيحة التي سار عليها سلف هذه الأمة ، من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وهذه الدولة تعتز بهذا الدين ، وتفتخر بهذه العقيدة الصحيحة امتثالا لقول الله - تعالى - ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ [سورة فصلت : الآية 33] ، فقد قام نظامها ، وأساس الحكم فيها على الإسلام الصحيح ، وعلى العقيدة الصحيحة ، وقد جاء في المادة السابعة من نظام الحكم ما نصه : يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهما الحاكمان على هذا النظام ، وجميع أنظمة الدولة .
كما أن هذه الدولة أيضا قامت على حماية العقيدة الصحيحة ونشرها ، والدعوة إليها ، بعد أن تعاضد الإمامان : محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، على نصرة هذا الدين ، ونشر هذه العقيدة الصحيحة ، فكتب الله لهما القبول ، وانتشرت هذه العقيدة الصحيحة ، التي هي على منهج السلف في هذه البلاد إلى وقتنا هذا ونحن نتفيأ ظلالها ، ولله الحمد ، ويستفيد منها المسلمون في جميع بقاع الأرض .
قامت هذه الدولة على نصرة العقيدة الصحيحة ، التي كان عليها الصحابة والتابعون من بعدهم ، وقد جاء أيضا في نظام الحكم ، من المادة السادسة والعشرين ما نصه : تحمي الدولة عقيدة الإسلام ، وتطبيق شريعته بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله - تعالى - فجندت هذه الدولة جميع أجهزتها ورجالها وعلمائها ، لنصرة هذا الدين ، ونشر عقيدة السلف على وفق ما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - .
فإذا كان الحال كذلك ، فقد وجب على المجتمع بأسره ، من العلماء وغيرهم أن يناصروا هذه الدولة ، وأن يقفوا معها ، وأن يحترموا الأنظمة التي تسنها للمجتمع ، لأن فيها مصلحة راجحة لهم ، والكمال متعذر في البشر ، ولكنه لا يسوغ لمسلم أن يتتبع السقطات والزلات والعثرات ، التي لا يخلوا منها بشر ، ثم يذيع هذه الهنات ، ويترك الحسنات ، وما قاموا به من خير للعباد ، قال – تعالى - ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [سورة الأنعام : الآية 152] ويقول - تعالى - ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة : الآية 8] .
فكيف إذا كان ولي الأمر يدعو الناس إلى العقيدة ، وإلى الدين ، وإلى الالتزام بهذا المنهج ، واحترام هذه الأنظمة التي توافق شرع الله ، وتحقق المصلحة للعباد . إذن وجب على العباد أن يناصروا هذه المنهج ، وأن يحترموا هذه الأنظمة ، سواء كانت في التعليم ، أو في القضاء ، أو في السياسة ، أو في الاجتماع ، أو في المرور ، أو غير ذلك من الأنظمة ، فاحترامها ، والعمل بها ، وعدم مخالفتها ، هو طاعة لولاة الأمر الذين أمرنا الله - تعالى - بطاعتهم .
وقد جندت هذه الدولة كما تقدم حياتها وأموالها وأعمالها ، لخدمة الإسلام والمسلمين ، فقامت بتأمين كل ما يحتاجه الناس ، سواء كان ذلك في مد الطرق ، أو إنشاء المستشفيات ، أو إقامة دور التعليم ، أو إنشاء المحاكم ، أو الشرط ، أو الجيوش ، أو ما إلى ذلك ، وهو كثير لأنها ترى أن هذا من الواجب الشرعي الذي حملها الله - تعالى - إياه ، فالتعاون في مثل هذه الأمور مطلب شرعي ، وهو طاعة لله ولرسوله ، والأدلة كثيرة على هذا الموضوع ، وعلى هذا الأمر العظيم ، ولكن هناك أدلة عامة جاءت في القرآن ، وفي السنة ، تدعوا الناس إلى الاجتماع ، وإلى ائتلاف القلوب ، وعدم التفرق والاختلاف ، قال – تعالى - ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [سورة آل عمران : الآية 103] ، ونهى - سبحانه وتعالى - عن التفرق ، وبين أنه مسلك المشركين ، ومسلك الذين ضلوا سواء السبيل ، قال - سبحانه - ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة الروم : الآية 31-32] ، وقال - سبحانه - ﴿ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ﴾ [سورة آل عمران : الآية 105] ، وقال - تعالى - ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال : الآية 46] .
احترام الأنظمة وعدم مخالفتها دليل على الاجتماع
فاحترام الأنظمة وتطبيقها ، وعدم مخالفتها ، دليل على الاجتماع والائتلاف والحرص على المصلحة للناس ، فلا يريد الإنسان تحقيق الخير والمصلحة لنفسه ، ويترك إخوانه ، لأن تحقيق المصلحة الشخصية على حساب الجماعة مخالف لأمر الله - جل وعلا - الذي أمر بالتعاون ، وأمر بالمحبة بين المسلمين ، فقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - : « لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ( 9) ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام » ( 10) .
ففي ظل هذا النظام ، لا ظلم ، ولا غش ، ولا خداع ، ولا خيانة .
على الولاة أن يحترموا الأنظمة
ومن ولاه الله - تعالى - ولاية وعملا ، فعليه أن يحترم هذه الأنظمة ، التي بين يديه ، وأن يتقي الله - تعالى - في تطبيقها بين الموظفين والعمال ، فلا يقدم أحدا على أحد ، ولا يُظلم أحد على يديه ، فهذه الأنظمة التي وُضعت في كل مجالات الحياة ، وفي كل قطاعات الدولة ومرافقها ، ما وُضعت إلا لإيصال الحق إلى الناس ، ونصرة المظلوم ، وردع الظالم ، والابتعاد عن الفوضى ، فمن تولى ولاية فهو مسئول أمام الله - تعالى - عن هذه الولاية ، وعن هذه الأنظمة التي بين يديه ، فلا يحل له أن يتصرف فيها ، إلا بما أمره الله – جل وعلا - وإن أشكل عليه شيء من ذلك ، فليسأل من عنده خبرة بذلك .
والحفاظ على هذه النظم من جهة الراعي والرعية ، من أهم وسائل الاستقرار ، وأدعى إلى الاجتماع والتآلف ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : « ثلاث لا يغل ( 11) عليهن قلب مسلم : إخلاص العلم لله ، ومناصحة أئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن الدعوة تحيط من ورائهم » ( 12) . فبدأ بالإخلاص الذي يكون بين العبد وربه ، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، تعليقا على هذا الحديث : لم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث ، أو بعضها ، الذي هو عدم الاخلاص ، أو الخروج على أئمة المسلمين ، أو مخالفة أنظمتهم ، أو مفارقة جماعة المسلمين .
فضل لزوم الجماعة
ومما يدل على فضل لزوم الجماعة أيضا ، ما ورد في الحديث : « عليكم بالجماعة ، وإياكم والفُرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة ، فيلزم الجماعة » ( 13) . والمراد بالجماعة في الأحاديث المتقدمة ، الجماعة المنتظمة تحت إمام واحد ظاهر ، له قوة وقدرة على سياسة الناس .
والأحاديث في هذا المجال كثيرة ومتعددة ، منها أيضا : « من فارق الجماعة شبرا ، فقد خلع ربقة (14 ) الإسلام من عنقه » ( 15) . وفي الحديث المتفق على صحته : « من كره من أميره شيئا فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية » ( 16) .
فالجماعة هي جماعة المسلمين ، التي تكون تحت إمام واحد ، وولاية واحدة ، فيجب أن نستجيب لهذه الأنظمة التي سنها ولي الأمر ، وجعَلَها ظاهرة بين العباد ، لتحقق لهم المصالح ، التي تنظم حياة الناس ، وتحفظ أرواحهم ، سواء كان ذلك في أنظمة القضاء ، أو أنظمة المرور والمواصلات ، أو الجوازات ، أو التعليم ، أو الجمارك ، أو ما إلى ذلك ، لأن طاعتهم من طاعة الله ، والله - تعالى - قد قال في كتابه ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 59] ، فإذا أمر ولاة الأمور بشيء يوافق شرع الله ، ويحقق المصلحة ، فقد وجبت طاعتهم ، لأنهم يأمرون بما أمر الله - تعالى - به ، أما إذا أمروا بشيء يخالف الشرع ، فإنه لا طاعة لهم ، فإن طاعتهم متوقفة على طاعة الله ، وطاعة رسوله ، ولهذا قال العلماء : إنه لم يُعِد العامل في قوله ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 59] ، يعني لم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم . لأن ولاة الأمر ليس لهم طاعة استقلالية ، وإنما طاعتهم مرتبطة بطاعة الله – عز وجل - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإذا أمروا بشيء فيه طاعة لله استجبنا ، وإلا فلا طاعة لأحد في معصية الله – جل وعلا - .
وقد سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - سؤالا هذا نصه : قال السائل : هناك من يرى أن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة ، التي يضعها ولي الأمر ، كالمرور والجمارك والجوازات ، وما أشبه ذلك ، باعتبار أنها ليست مبنية على الشرع . هكذا جاء السؤال ، فأجاب - رحمه الله – بقوله : هذا باطل ومنكر ، ولا يجوز الخروج ، ولا التغيير باليد ، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور ، التي ليس فيها منكر ، بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين ، مثل إشارات المرور ، ونحو ذلك ، يجب الخضوع لذلك ، والسمع والطاعة ، لأن في هذا نفعا للمسلمين .
ومستنده في قوله هذا ما تقدم من قوله - تعالى - ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 59] .
ويقول أهل العلم : إذا جاء الأمر عن ولي الأمر ، فإن له ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون هذا الأمر الصادر من ولي الأمر ، هو عين ما أمر الله - تعالى - به ، وأمر به رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحينئذ يتأكد فعله ، لأنه أمر الله - تعالى - وأمر رسوله ، وقد قال الله - تعالى - في آية أخرى ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [سورة الأنفال : الآية 24] ، فوجب الأخذ بذلك ، لأن الله قد أمر بذلك أمرا بينا واضحا ، وبدليل ظاهر .
والحالة الثانية : أن يأمر ولي الأمر بشيء محرم ، فهذا لا تجوز فيه الطاعة ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ( 17) .
والحالة الثالثة : ما أمر به ولاة الأمر ، مما لم يأمر به الشارع ، ولم ينهَ عنه ، ولكن تَبيّن أن فيه مصلحة راجحة وظاهرة للعباد ، فحينئذ يجب الأخذ بهذا ، لما فيه من المصلحة ، والمنفعة للعباد ، وهذا الذي أُمرنا بطاعتهم فيه ، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يُطِع الأمير فقد أطاعني ، ومن يَعْص الأمير فقد عصاني ، وإنما الإمام جُنّة يقاتَل مِن ورائه ، ويُتَّقى به ، فإن أمر بتقوى الله وعدل ، فإن له بذلك أجرا ، وإن قال بغيره ، فإن عليه منه » ( 18) .
وهذه المصلحة التي نحن نتحدث عنها مما يختلف فيها أفهام الناس ، كل بحسب تقديره ، لكن ولي الأمر في مثل هذا هو الأدرى ، لأنه بين أهل حل وعقد ، يعرض عليهم ما يصلح للرعية ، وما يناسبهم ، وما يدرأ الفساد عنهم ، وما ينظم أحوالهم ، في الدوائر الحكومية ، والمرافق التي في البلاد .
فإذا استشار ولي الأمر أهل الحل والعقد ، في أمر معين ، وتبين أن المصلحة في تنفيذ هذا الأمر بين الناس ، وجب الأخذ به ، لأن المصلحة فيه راجحة ، فإذا لم نأخذ بهذه الأنظمة ، وقعت المخالفة ، وأصبح الناس في فوضى .
فإذا جاء الأمر من ولي الأمر ، على حالة توافق القواعد العامة للشرع ، فإنه يجب الأخذ به ، لما فيه من المصالح العظيمة المترتبة على الأخذ بها ، ويمكن أن نأخذ مثالا على ذلك فيما يتعلق بأنظمة المرور ، فالناس في هذا الزمن يركبون هذه والسيارات ، وهي من الأمور الضرورية ، يقضون بها مصالحهم ، ولهذا وضع ولي الأمر أنظمة دقيقة ، للسير وللمرور وللمواصلات ، أمر بتنفيذها ، ووضع لذلك إشارات وعلامات ، كما مر بنا من كلام الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - يجب الأخذ بهذه الأنظمة ، وأن الأخذ بها طاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأن فيها تسييرا لأحوال الناس ، وتنظيما لأمورهم ، وترتيبا لشئونهم .
أما إذا صارت فوضى ، كل يسير وفق ما يريد ، وكل يريد أن يسبق الآخر ، حصلت الفوضى ، والاختلال ، والترويع ، والقتل ، وما نراه اليوم من بعض الناس في المخالفات الواضحة في إشارات المرور ، أو في أنظمته ، وقع بسببها فساد عظيم ، واعتداءات عظيمة ، من القتل والترويع ، حتى حصل بذلك وفاة أسر كاملة ، ولهذا أصل في الشريعة ، فالله - تعالى - يقول ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء : الآية 29] ويقول ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [سورة البقرة : الآية 195] .
والذي لا يبالي بهذه الأنظمة ، ويستخف بها ، ولا يحترمها ، فإنه قد سعى في الأرض بالفساد ، والله - تعالى - لا يحب المفسدين ، وقد قال - سبحانه - ﴿ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾ [سورة الأعراف : الآية 56 ] .
ونهى أيضا - جل وعلا - أن يعتدي إنسان على إنسان ، أو أن يستخف بإخوانه المسلمين ، أو ألا يحترم مشاعرهم ، ولا دمائهم ، ولا أبدانهم ، فيسير في فوضى في الشارع بقيادة هذه السيارة ، وهذا من الاعتداء الذي نهى الله - تعالى - عنه ، وقد قال - سبحانه وتعالى - ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 190] .
نحن نرى ، ويرى غيرنا من الناس ، ما يحصل لكثير من الناس من المصائب العظيمة ، بسبب قيادة هذه المراكب ، والسير بها ، وإعطائها صغارا أحداث الأسنان ، لا يراعون حرمة لأنظمة ، ولا احتراما لدماء المسلمين ، ولا لمصالحهم ، فإن الآباء أيضا مسئولون مسئولية تامة أمام الله - جل وعلا - عن أعطائها هؤلاء الأولاد ، دون قيد ، ولا ضابط .
ومن أبرز المخالفات التي تقع في المرور ، قطع الإشارات ، والسرعة الشديدة في الطرقات ، التي حصل بسببها حوادث عظيمة تسببت في الوفيات ، إهلاك أسر بأكملها ، أو تركت من ورائها إصابات بليغة ، أو إعاقات دائمة ، تكون وبالا على الأسر في بيوتهم ، وعلى المجتمع ، وعلى الدولة أيضا .
فما أحوجنا في هذا الزمن إلى أن نتعاون جميعا فيما بيننا ، خاصة في هذه المراكب التي هي من نعم الله على العباد ، أن نحافظ عليها ، وأن نقودها بعقل وروية ، لأنها تقضي مصالحنا ، وتيسر أمورنا ، فالعمل بها والأخذ بها طاعة لله ولرسوله ، فإذا أمر ولي الأمر بذلك ، فقد وجب الأخذ به .
ولو قيل : لا يطاع ولي الأمر إلا فيما أمر به الله - تعالى - وأمر به نصًّا فقط . لكان ولي الأمر ، وبقية الناس سواء في هذا ، فالله - جل وعلا - حدد في كتابه طاعة ولاة الأمر ، فيما يحقق المصلحة .
وأولوا الأمر - كما فسرها أهل العلم - شاملة للعلماء والأمراء ، فالعلماء يدعون الناس ويبلغونهم شرع الله ، والأمراء هم الذين ينفذون ، ويُلزمون الناس ، هذا هو التفسير المختار في معنى الآية في قوله - تعالى - ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 59] .
إذن الواجب علينا أن نكون أمة واحدة ، فلا ننازع الأمر أهله ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث عبادة بن الصامت المخرج في الصحيحين : « بايعنا على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بَواحا ، عندكم من الله فيه برهان » ( 19) . فلا ننازع ولاة الأمر فيما يقولون مما جعله الله - تعالى - لهم ، وأن نتمشى مع الأنظمة والقوانين والضوابط والترتيبات ، التي يسنها ولي الأمر ، والتي يضعها للعباد ، إذا لم تخالف شرع الله - تعالى - .
فإذا علمنا أن هذه الأنظمة تحقق المصالح للعباد ، علمنا أن بتطبيقها ، والعمل على تنفيذها تندفع مفاسد كثيرة عن العباد .
فوائد هذه الأنظمة
ومما تحققه هذه الأنظمة أنها تحفظ أمن البلاد من العبث ، والأمن مطلب لكل إنسان ، فإذا عمل العبد على تطبيق هذه الأنظمة ، ساد الأمن في البلاد ، وابتعد الناس عن الفوضى والاعتداء ، والأمن لا يحصل إلا بوجود الإيمان في قلب العبد ، فإذا وجد الإيمان في قلبه ، تحقق له الأمن والهداية كما قال - تعالى - ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 82] .
ومن المصالح التي تحققها هذه الأنظمة ، أنها تحقن الدماء ، فلا يكون هناك فتن ، فالذي يخرج على ولي الأمر ، ويقرر أنظمة عامة ، خلاف ما يقرره ولي الأمر ، فإن هذا يُعَد خروجا ، وفتنة عظيمة للعباد تحصل به أضرار عظيمة ، سواء كان ذلك في الدماء ، أو في الأموال ، أو في الأعراض .
وبتطبيق هذه الأنظمة يحصل العدل والإنصاف ، وإظهار الحق للناس جميعا ، ولا يبقى مظلوم هضم حقه في قضية من القضايا ، كما أنها إذا طبقت في واقع المسلمين ، أظهرت قوة المسلمين ، وأرهبت عدوهم ، لأنها تظهر القوة ، والله - تعالى - قد أمر عباده أن يظهروا قوتهم لأعدائهم ، قال - تعالى - ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [سورة الأنفال : الآية 60] ، والقوة عامة وشاملة ، يدخل فيها كل هذا .
ومنها أن ولي الأمر يكون مستعدا بالقوة ، فهو الذي يقوم بها ، وليس عامة الناس ، فهذا الأمر موكل إلى ولي الأمر ، سواء في إعداد الجيوش ، أو أمور السياسة ، أو الاقتصاد ، أو الاجتماع ، ونحو ذلك .
أما ما يفعله بعض الأفراد من التدخل في مثل هذه الأشياء ، فإن هذا مخالف ، وهو داخل في الخروج على ما يفعله ولي الأمر ، وهو الذي به تقع الفتنة ، قال - تعالى - ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ﴾ [سورة الأنفال : الآية 25] ، فإذا لم يكن ثمة استجابة لأمر الله ، وأمر رسوله ، وطاعة ولي الأمر ، فيما يأمر الله - تعالى - به ورسوله ، تقع الفتنة بين العباد ، ثم يحل بينهم النزاع والفرقة والخلاف ، الذي يؤدي بهم إلى الهلاك ، نسأل الله السلامة .
فالواجب علينا جميعا أن نتقي الله في هذه الأنظمة ، وأن نراعيها ، وأن نحترمها ، وعلينا أن نلتزم بالصبر والتحمل في هذا الزمن ، فبهذا يسعد المجتمع - إن شاء الله - وتجتمع الكلمة ، ويتوحد الصف ، ويعم الخير ، ويسود الأمن ، ويبتعد الناس عن الفوضى والخوف والاعتداء والفساد ، نسأل الله - تعالى - أن يَمُنّ علينا بالهداية والتوفيق ، وأن يجعلنا من حزبه المفلحين ، وعباده الصالحين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، المفتي العام للمملكة ، ورئيس هيئة كبار العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد جاء الإسلام بالحق والعدل ، كما قال - جل وعلا - ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [سورة الحديد : الآية 25] ، وهذه الأنظمة إنما تشرع للناس لحماية مصالحهم ، وحماية أموالهم ، فالأنظمة المرعية التي يراد بها الخير ، ودفع الضر ، مطلوبة ، فمن القواعد التي جاء بها الإسلام أنه لا ضرر ولا ضرار ، فكل ما يحقق المصلحة للأمة ، أفرادا وجماعة ، فالإسلام لا يعارضه ، إذا كانت تلك الأنظمة لا تتنافى مع الإيمان وثوابته .
وما خالف الشرع من تحليل محرم ، أو تحريم حلال ، أو تعطيل واجب ، فلا شك أن هذا لا يجوز الطاعة فيه ، فلا طاعة إلا في المعروف ، أما ما كان فيه مصلحة للأفراد والجماعة ، ولا يختلف مع تعاليم الإسلام ، فلا شك أن التقيد به ورعايته ، من المصالح العامة .
وعلى المسلم أن يكون منضبطا في أموره كلها ، لأن الشرع جاء بالاعتدال والوسطية في الأمور كلها ، جاء ليقيم للناس مجتمعا سليما متعاونا مترابطا ، بعضه مع بعض ، يحترم بعضه بعضا ، ويكرم بعضه بعضا ، ولهذا جاء أن إزالة الأذي من الطريق شعبة من شعب الإيمان ، وجاء التحذير من إيذاء الناس في طرقاتهم ، كما في الحديث : « من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه لعنتهم » ( 20) .
وقال – صلى الله عليه وسلم - : « من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طَوّقَه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين » ( 21) . وحرم على الإنسان إيذاء الناس في طرقاتهم ، والإساءة إليهم ، بل احترام الطرق ورعايتها ، أمانة في يد الجميع ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « اتقوا اللعانين » . قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : « الذي يتخلى في طريق الناس ، أو في ظلهم » ( 22) .
كل هذه الأنظمة المرعية تخدم مصالح الأمة ، أفرادا وجماعات ، والمسلم المؤمن حقا هو الذي يراعي هذا كله ، ويحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه ، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ، فهو مع الخير ، ومع الحق ، ومع كل دعوة صالحة ، ومع كل نظام صالح خيّر ، يسعى في إصلاح الأمة ، ويسعى في دفع الشر والضرر عنها .
أسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما يرضيه .
الأسئلة
السؤال الأول : يقول السائل : ما نصيحة سماحتكم للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، بخصوص احترام النظام الإسلامي الصحيح ، القائم على الكتاب والسنة ؟
الجواب : لا شك أن نظام الكتاب والسنة هو النظام العدل ، الذي دُعي الناس إليه عموما ، قال – تعالى - ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [سورة البقرة : الآية 208] هذا هو النظام العادل ، لكن الشياطين اجتالت الناس ، وغيرتهم عن فطرتهم ، وغيرتهم عن منهجهم ، وإلا فلا شك أن كتاب الله ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - هما الحق ، وهما الهدى ، وهما النور ، لمن أراد الله هدايته .
السؤال الثاني : سماحة الشيخ إني أحبكم في الله ، هل طاعة رئيسي في العمل ، من طاعة ولاة الأمر ، مع أن هذا المسئول يظهر عليه الفسق ، ولا يحترم الأنظمة ؟
الجواب : عليك أن تطيعه فيما فيه مصلحة ، وفيما هو حق ، فإن كان يأمرك بالنظام الذي لا ظلم ، ولا جور فيه ، فيجب أن تطيعه ، وإن أمرك بخلاف الحق فلا ، وكونه في
احترام الأنظمة ودوره في تحقيق المصالح ودفع المفاسد