لا تُركِّز على سلبيات الآخرين دون حسناتهم
إن الإنسان يميل لمن يحسن إليه، وهذا الأمر مقبول، لكن غير المقبول أن يحب من يحسن إليه حتى إذا بدرت منه أي غلطة تجاهه أهمله، وغض النظر عن حسناته، ومن ذلك ما وصفه النبي صلى الله عليه و سلم في حق النساء بأنهن يكفرن العشير، فالواحدة منهن يحسن إليها زوجها العمر الطويل حتى إذا رأت منه شيئا يسوؤها قال: ما رأيت منك خيرا قط، ولا يخفى ما في ذلك من ظلم وإنكار معروف 0
علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم، والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول صلى الله عليه و سلم: «لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقًا رضي منها آخر».
قال النووي( 1): أي ينبغي أن لا يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك.
وقال صاحب الديباج( 2): المراد الإخبار بأن المؤمنة لا يتصور فيها اجتماع كل القبائح بحيث إن الزوج يبغضها البغض الكلي وبحيث أنه لا يحمد فيها شيئا أصلا هذا هو معنى الفرك ووقوع هذا مستحيل
فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس، يقول سعيد بن المسيب: «ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه» فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديرًا لهم.
وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.
بكيت من عمروٍ فلما تركته
وجربت أقوامًا بكيت على عمرو
ويروى أن أرسطوطاليس قال( 3): اعلم أنه ليس من أحد يخلو من عيب ولا من حسنة فلا يمنعك عيب رجل من الاستعانة به فيما لا نقص به
والرسول صلى الله عليه و سلم يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار، لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قولهصلى الله عليه و سلم: «أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي)، فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة)، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم». إن هذا قمة الإنسانية والعدل .
بل ويعطينا صلى الله عليه و سلم مثلا أوضح من ذلك عند الهجرة حيث استعان بعبد الله بن أريقط كدليل في رحلته من مكة إلى المدينة، وقد كان ابن أريقط كافرا، إلا أنه كان ذا أمانة، وصاحب خبرة جمة في دروب الصحراء، ولا يخالف ذلك عقيدة الولاء والبراء، فالفرق كبير بين الاستفادة واستثمار قدرات الآخرين من جهة وموالاتهم من جهة أخرى.
قال ابن القيم( 4): في استئجار النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أريقط الدؤلي هاديًا في وقت الهجرة وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافرا أن لا يوثق به في شيء أصلا فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة فائدة شهادة التقليد.
* * *
(1 ) شرح النووي على صحيح مسلم ج10 ص58.
(2 ) الديباج على مسلم ج4 ص80.
( 3) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج 1 ص 99.
( 4) بدائع الفوائد ج 3 ص 752.
حملة السكينة