موقفنا بين عذرية البحث والتطوير وخريف عمريهما

محمد الخميس
تعد الأصالة العنصر الأول الذي يميز بحثا معينا عما سبقه من البحوث تأتي بعدها الخطوة الابتكارية ثم تأتي القابلية للتطبيق الصناعي، التي يعد بعدها أي بحث معين صالحا للحصول على براءة اختراع، وتتكرر مثل هذه الأعمال في معامل الدول المتقدمة بشكل يومي لتنتج أرضا بكرا وعذرية في البحث والتطوير عند استغلالها الأمثل تنتج منتجات متقدمة تخدم البشرية وتصعد بمنتجيها سلم الحضارة لتعتلي دولها دائما قمة العلوم وتتشبث بشفا وحافة التقنية ويظل مستهلكو التقنية غير الفاعلين في عمليات تطويرها الأولية في سفوح الهاوية يرزحون تحت وطأة أقدام من هم في مراتب أعلى منهم.

ولعلنا نورد مثالا للعذرية والأصالة التي بدأت بالنشء في الدول المتقدمة التي لم تعط اسما بعد لكي نتعرف عليها كما تعرفنا على تقنيات الليزر في خريفها وتطبيقات تقنية النانو في ربيعها حيث جمع العلماء في محاولة لفهم بروتينات بعض الفيروسات، التي منها فيروس نقص المناعة الإيدز بين أفكار العلماء والحاسبات المتقدمة الفائقة السرعة، وهذا أمر طبيعي، لكن ما استجد هو الاستعانة بمبرمجي ألعاب الكمبيوتر ومهرة اللاعبين المتمرسين في اللعب وذلك لمحاولة كشف أسرار هذه الفيروسات المتناهية الصغر، وهذا البعد الثالث أدخل الخيال البشري في أفق رحب لتصور احتمالات لا يستطيع العلماء أو الحاسبات العملاقة تقديرها أو تخيلها.

حيث قسم العلماء اللاعبين إلى مجموعات وربطوهم عن بعد عبر الشبكة العنكبوتية وطلبوا منهم التنافس على لعبة صممت خصيصا بناء على سلوكيات الفيروس والمضادات الحيوية داخل جسم الإنسان والأدوية المستخدمة وطبيعة البروتين الذي يكون معظم أجزاء الفيروس، والذي يمتاز بقدرته على التخفي وتغيير سلوكه حسب ردة فعل المضادات الحيوية والأدوية وبعد عدة أسابيع حصلت المجموعة على اختراق علمي بوجهين مختلفين الأول هو نجاح هذا الأسلوب في كشف أغوار هذه الفيروسات المتناهية الصغر، وذلك بعد أن استطاع اللاعبون رسم صورة ثلاثية الأبعاد ظهر فيها البروتين واضح المعالم، وهذا أوصلنا إلى الاختراق الثاني وهو تسهيل عملية إنتاج مضاد حيوي لهذا النوع من الفيروسات والقضاء - بمشيئة الله - على الأمراض التي يسببها، ولا تسألني عن الرقم الخيالي للأموال التي صرفت على البحث والتطوير فإن المردود المتوقع أكبر بكثير من ميزانيات دول الخليج مجتمعة.

وعند نشر نتائج البحث في ''مجلةNature Structural & Molecular Biology علوم البناء الطبيعي للخلايا البيولوجية'' تمت إضافة أسماء اللاعبين المهرة كباحثين مشاركين ولتبدأ مسيرة جديدة دخل فيها عامل التحدي بين براعة عقل الإنسان العادي وخياله القادر على تخطي حدود خيال العلماء في وجود بيئة نظرية بحتة وغباء الحاسبات العملاقة إلى مجال جديد لن نستطيع أن نسميه هنا من معاملنا التي تقبع فيها فرق الباحثين لدينا غير المطورين وسننتظر التسمية لتأتينا من هناك ونظل نحلم أحلاما بأطياف الليزر ونكهة ورائحة النانو التي طالما أزكمت أنوفنا شعارات مراكز النانو لدينا في الجامعات وبقيادة جامعة الملك سعود وكذلك المراكز البحثية التي تقودها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، حيث عندما تزورها تجد أن معاهدها محدودة فقط في مجال البحث، أما التطوير فكلمة سقطت سهوا ولا ندري من الهمام الذي سيعيدها لنسعد برؤية لوحة معهد بحوث الطاقة مثلا مضافا إليها كلمة التطوير بحيث تكون معهد بحوث وتطوير الطاقة.

ولا عذر للباحثين والمطورين لدينا، فالخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله - ترنو إلى صرف أكثر من 14 مليارا، وهي في الحفظ والصون لدى وزارة المالية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تراكمت بمعدل مليارين سنويا وكذلك بنك التسليف لديه رقم ربما يكون أكبر من ذلك الرقم حسب بعض التصريحات تراكم دونما وجود قنوات سليمة وسهلة للصرف على عمليات التطوير المأمولة بواسطة الجامعات والمدينة وتطوير بيئة ريادة الأعمال المأمولة من بنك التسليف.

والمدينة والبنك يعدان المحركين الرئيسين لسفينة الإبحار في العلوم والتقنية بما فيها من ليزر ونانو وقادم جديد لم يسمه أبوه بعد، ولن نلوم متخذ القرار إذا تصرف ووجه هذه الأموال إلى جهات تنموية أخرى، وذلك لعدم كفاءة وقدرة القائمين على الأجهزة المنوط بها تنفيذ مثل هذه الأعمال، فالخطة الوطنية ولدت خطة وماتت خطة ولم تتخللها برامج مؤسسية لتنفيذها.. وإن غدا لناظره قريب.

» البحث والتحري