الموقع :
المدلول الجغرافي لأرمينيا ، يقصد به المنطقة الأكثر ارتفاعاً في غربي قارة آسيا تحدها آسيا الصغرى من الغرب ، وهضبة أذربيجان من الشرق والجنوب الشرقي ، وجبال القفقاس من الشمال ، وبلاد حانيق ولازستان الواقعة على البحر الأسود من الشمال الغربي ، وأرض الجزيرة بين دجلة والفرات من الجنوب ، وتنحصر بين دائرتي عرض 30 – 37 ْ شمالاً ، و 30 ْ – 41 ْ شمالاً وبين خطي طول 40 ْ شرقاً و 47 ْ شرقاً .
وأرمينيا مقسمة بين ثلاث دول ، قسم يتبع تركيا ، والقسم الثاني يتبع إيران ، أما القسم الثالث فيتبع الاتحاد السوفيتي سابقاً والقسم التركي هو الأكبر مساحة .
الأحوال الطبيعية :
تبلغ مساحة جمهورية أرمينيا 29800 كيلو متر مربع ، وعدد سكانها في سنة 1989م ( 3,459,000 نسمة ) منهم حوالي 356 ألف مسلم . وتحد أرمينيا من الشرق والشمال الشرقي جمهورية أذربيجان ، ومن الشمال جمهورية جورجيا ، ومن الجنوب إيران ، ومن الغرب تركيا.
وأرض أرمينيا جبلية في جملتها ، يفصلها نهر كورا في الشمال عن جبال القفقاس ونهر رأس يفصلها من ناحية الجنوب عن إيران وتركيا ، وأعلى جبال أرمينيا جبل أرارات ، وارتفاعه 4090 م ، وعرف عند الجغرافيين العرب باسم الحارث ، وتغطي الثلوج قمته بصفة دائمة ، وتنحدر أرض أرمينيا نحو الشمال إلى حوض نهر كورا وتتوسط بحيرة سفان المنطقة الجبلية بجمهورية أرمينيا ومناخها بارد في الشتاء ، وتعتدل حرارتها في الصيف .
السكان :
سكان جمهورية أرمينيا في حدود ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة ، وينتمي السكان الأصليون إلى الجنس الآرى ، الذي وصل هذه المنطقة في القرن السادس قبل الميلاد ، وعرفوا بالأرمن ، واشتق من هذا الاسم أرمينيا وهاجر إليها العديد من الفرس والروم فيما بعد ، ثم وصلتها هجرات حديثة من السوفييت .
ولم يتحد سكان أرمينيا في دولة إلا في عهد تكراتوس الأكبر في القرن الأول قبل الميلاد ، وأجبرتها الظروف على أن تكون دولة محايدة بين الروم والفرس ، ولكن تدخل الدولتين في شئونها أدى إلى اقتسامها بينهما في نهاية القرن الرابع الميلادي ، فأخذ الروم القسم الغربي بينما استولى الفرس على القسم الشرقي ، ودخلتها المسيحية في القرن الثالث الميلادي ، وكانت الديانات بأرمينيا قبل دخول الإسلام إليها تتمثل في المجوسية والمسيحية وأقلية يهودية ، ويشتغل أهلها بالزراعة والرعي ، وبدأت في إنتاج المعادن من جبالها .
كيف وصل الإسلام إلى أرمينيا ؟
بعد أن فتح العرب أرض الجزيرة بين الفرات ودجلة ، توجه الصحابي عياض بن غنم رضي الله عنه إلى أرمينيا ، لتأمين الحدود السياسية للإسلام بأرض الشام والجزيرة ، كان هذا في خلافة عمر بن الخطاب عليه رضوان الله ، وواصل الجيش الإسلامي تقدمه إلى بدليس ، ثم مدينة خلاط في قلب أرمينيا ، وعقد صلحاً مع بطريرك مدينة خلاط ، كان هذا في المحرم من سنة عشرين هجرية ، وفي عهد عثمان بن عفان رضي ، عهد إلى حبيب بن مسلمة الفهري بمهمة إعادة فتح أرمينيا بعد تمرد أهلها ، فوصل إلى مدينة قالقليا في أقصى شمال أرمينيا على حدود الروم ، فتجمع ضده جيش من الروم والخزر فهزمهم.
وعلى أثر ذلك أرسل حبيب إلى الخليفة عثمان بن عفان عليه رضوان الله بأن يبعث إليه جماعة من أهل الشام وجزيرة الفرات ، فبعث إليه معاوية ابن أبي سفيان بألفي رجل ، فأسكنهم حبيب قالقيليا ، وجعلهم مرابطة بها ، ثم فتح مدينة شمشاط وصالح أهلها ، واستقر بها القائد المسلم صفوان بن معطل السلمي ، وبعد فتح شمشاط توجه الجيش الإسلامي إلى بحيرة أرجيش ( وان ) – وأتاه بطريرك خلاط ومعه كتاب الأمان الذي أعطاء الصحابي عياض رضي الله عنه في سنة عشرين هجرية ، وواصل الجيش الإسلامي تقدمه إلى دبيل ، فطلب أهلها الصلح والأمان ، فاستجاب لهم حبيب بن مسلمة ، ثم فتح المسلمون مدينة تفليس ومنطقة أران ، وهكذا شهدت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه تثبيت الإسلام بأرمينيا ، وأعتنق الإسلام العديد من الأرمن .
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان تولى حكم أرمينيا عبد العزيز بن حاتم بن النعمان وأعاد بناء مدينة دبيل وحصنها ووسع مسجدها ورمم مدينة برذغة ومدينة البيلقان ، غير أن أهل أرمينيا عادوا إلى التمرد في الفترة الواقعة بين سنتي ثلاث وستين وثلاث وسبعين هجرية ، ونقضوا العهود ، فأرسل إليهم عبد الملك بن مروان أخاه محمد في سنة اثنتين وثمانين ، فغزاهم مرتين ، وتولى محمد بن مروان حكم أرمينيا مدة طويلة ، واتخذ دبيل عاصمة لولايته ، وتحرك منها لغزو الخزر والروم .
وأثناء العصر العباسي الأول ، أرسل إليها المتوكل حملة في سنة مائتين وسبع وثلاثين هجرية ، ونصب عليها أشوط البكراطي وهو أرمني ، واستمرت أسرة البكارطة تحكم أرمينيا ففي عهد المعتمد العباسي منح أشوط لقب ملك أرمينيا ، وهكذا ظهر من الأرمن حكام وطنيون مسلمون ، وزار أرمينيا عدد من الجغرافيين المسلمين منهم الاصطخري فوصف مدنها وزارها ابن حوقل ، وكذلك زارها المقدسي .
وفي منتصف القرن الخامس الهجري غزاها الأتراك السلاجقة في سنة أربعمائة وست وخمسين هجرية ، فاستولوا عليها ، وهاجر العديد من الأرمن إلى البلاد الإسلامية قبل غزو السلاجقة وبعده ، وبالمقابل استوطن عدد كبير من الأتراك السلاجقة أرمينيا وزاد عدد المسلمين ، وبعد السلاجقة سيطر الأيوبيون على أرمينيا فترة من الزمن ، وهكذا انتشر الإسلام بأرمينيا ، ولقد استولى المغول عليها ، وبعد إسلامهم زادت قوة الإسلام بأرمينيا وظل الفرس والأتراك يتقاسمون السيطرة عليها .
وفي بداية هذا القرن في أعقاب الحرب العالمية الأولى استولى السوفيت على أرمينيا في ديسمبر 1922م وانضمت إلى اتحادهم في سنة ألف وثمانية وإحدى وأربعين هجرية مارس 1923م .
حالة المسلمين الآن :
كانت نسبة المسلمين بأرمينيا في سنة 1358هـ تزيد على خمس عشرة بالمائة ، وانخفضت هذه النسبة في سنة 1391هـ إلى عشرة بالمائة على أساس هذا التقدير يصل عدد المسلمين بجمهورية أرمينيا إلى 356,000 نسمة ، ويرجع هذا الانخفاض إلى سياسة التهجير التي اتبعها السوفيت ، فلقد زاد عدد المهاجرين الروس إلى أرمينيا وزاد عدد المهاجرين من أرمينيا إلى خارجها ، وينال المسلمين بأرمينيا من المعاملات مثلما ينال إخوانهم في باقي الجمهوريات من الاضطهاد وفتنتهم في دينهم ، وتحديات الأرمن التي تجبرهم على الهجرة .
إقليم ناغورنو .. قره باغ :
اقتطع هذا الإقليم من أذربيجان في 24/7/1923م بقرار من الحزب الشيوعي ، أصبح إقليماً ذاتي الحكم يخضع لإشراف أذربيجان ، ويحاول الأرمن ضمه إلى أرمينيا ، وبذلت محاولات عديدة من جانب الأرمن مما أدى إلى اضطرابات واشتباكات مسلحة بين الأذرى والأرمن . فأحرق الأرمن بيوت المسلمين في الإقليم وأجبروهم على مغادرة قرة باغ ، وزادت حدة الاضطرابات عندما قرر مجلس نواب الإقليم الإنضمام إلى أرمينيا في 20/2/1988م ، وصوت برلمان أرمينيا بضم الإقليم إليها في 15/6/1988م ، وفي نفس الظروف المضطربة قرر برلمان أذربيجان بالأغلبية الساحقة عدم ضم الإقليم إلى أرمينيا وذلك في 17/6/1988م وأدت الاضطرابات إلى حوادث القتل والعنف في جمهوريتين . وقد أدى هذا إلى وصول 130 ألف لاجئ أذاري إلى أذربيجان وأدت هذه الأحداث إلى وضع الإقليم تحت إشراف المجلس الأعلى للاتحاد السوفيتي وذلك بقرار في 15/1/1989م .
وتبلغ مساحة الإقليم 4400 كيلو متر وكان الأذاريون يمثلون 64% من جملة السكان في الإقليم وأمام الأحداث والاضطرابات أصبحوا 30% ، ولقد نتج عن تفكك الاتحاد السوفيتي إعلان استقلال أرمينيا .
حملة السكينة