كلمة الاقتصادية
واضح أن التقدم الذي حققته المملكة على صعيد توفير خدمات الإنترنت (إلى جانب تصاعد انتشار الشبكة الدولية في البلاد) يدعم الأرضية أكثر للوصول لتوسيع نطاق الخدمات ولرفع مستوى الانتشار. فعندما تحولت الإنترنت إلى ضرورة حتمية قبل سنوات، بات وجودها وانتشارها وتنوع خدماتها وتطوير أدائها وتسريع محركاتها وسهولة الوصول إليها، واجباً حكومياً ومجتمعياً. ويكون الواجب أكبر على الحكومة، ولا سيما في قطاعاتها الخدمية والإجرائية. ليس فقط من أجل توفير الخدمات الأسرع والأكثر جودة والأقل معاناة في ''التوصيل''، بل أيضاً للإسهام في نشر ''ثقافة الإنترنت''، في أوساط الشرائح التي لا تزال تنظر إليها كـ ''مخلوق فضائي'' لا أحد يعرف كيف يتعامل معه. ومن هنا، يمكن النظر بإيجابية إلى التقدم ''الإنترنتي'' - إن جاز التعبير - الذي تحقق في المملكة، الذي وضعها في مراكز ليست بعيدة عن جيرانها، الذين بدورهم حققوا منجزات سريعة وكبيرة ومتماسكة في هذا المجال.
تقرير ''المنظمة العالمية للبرودباند'' التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، جاء مبشراً بتطور متلاحق على صعيد الإنترنت في المملكة. فعندما تحتل المركز الـ 24 في خدمات الإنترنت المتحرك، متجاوزة في ذلك الإمارات، التي تعتبر من الدول السباقة في هذا المجال، فذلك يدعم الخطوات الأخرى ضمن هذا النطاق. لكن في المقابل، لا يزال انتشار الشبكة الدولية في المملكة، الذي بلغت نسبته 47 في المائة، دون المستوى المتوقع في دولة متمكنة وقادرة اقتصادياً على التحدي والتوسع.. وأن تتفوق المملكة على قرابة 100 دولة (حسب التقرير) في نشر خدمات الإنترنت الأخرى (المنازل)، هو أيضاً أمر إيجابي آخر، لكنها لا تزال في المركز الرابع في هذا المجال على الصعيد الخليجي. ومع ذلك فإن الحراك ''الإنترنتي''، يسير بخطوات مطلوبة جداً، على طريق تحقيق قفزات نوعية وكمية في المستقبل القريب، خصوصاً إذا ما نظرنا بعين الاهتمام إلى معدلات انتشار الإنترنت المنخفضة في بعض مناطق العالم.
ففي الشرق الأوسط بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت، مقارنة بعدد السكان 35.6 في المائة، بينما لا تصل في إفريقيا إلى أكثر من 13.5 في المائة، وفي آسيا تبلغ 26.2 في المائة. وتتقدم أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في هذا المجال على كل هذه المناطق، لتصل نسبة مستخدمي الشبكة الدولية فيها إلى 39.5 في المائة. غير أن هذا الانخفاض لن يطول كثيراً، مع تحرك دول كبرى في المناطق المذكورة (ولا سيما الصين) باتجاه تفعيل وتكريس أكبر لنشر الإنترنت فيها. ففي التقرير المذكور نفسه، يتوقع أن يفوق عدد مستخدمي الإنترنت المتحدثين باللغة الصينية، عدد أولئك المتحدثين باللغة الإنجليزية بحلول عام 2015.
النسب التي توصل إليها التقرير فيما يختص بالمملكة، تتضمن تأخراً في الاستخدام الفردي للإنترنت، مقارنة بالنمو المتصاعد في الاستخدام المنزلي. وهذه النقطة لا يمكن عزلها عن التكاليف المالية للحصول على الخدمات بهدف الاستخدام الفردي. فعلى الصعيد المالي، تفضل نسبة كبيرة من المستخدمين الحصول على الخدمات المنزلية، على اعتبار أنها ستكون متاحة لكل أفراد الأسرة. وهذا ينبغي أن يدفع شركات الاتصالات إلى إعادة النظر دائماً في خدماتها للأفراد، ليس فقط بتقديم عروض جديدة، بل أيضاً بالأخذ في الاعتبار والأهمية القدرة الشرائية للمستهلك، عندما تقوم بتحديد رسوم الخدمات.
وفي كل الأحوال، يمكن للمملكة أن تواصل التقدم بصورة متسارعة على ساحة الإنترنت، بكل خدماتها، دون التقليل من أهمية التركيز على الخدمات الحكومية الإلكترونية، التي ستشكل في النهاية الحافز الأكبر للمزيد من ''المنضمين'' إلى الشبكة الدولية. إنها ''ثقافة'' بدأت نخبوية – كغيرها من الثقافات الحية - لتصبح شعبية، بل هي الثقافة الوحيدة – ربما - التي لا تستمر نخبوياً.
موضوع: الإنترنت.. ثقافة ورسوم وانتشار 
الإثنين نوفمبر 05, 2012 10:23 am
