عثمان الخويطر
لكل زمان حدَث مُعين ومتميز يشعُر الناس بوجوده ويتحدثون عن إيجابياته، وأحياناً عن سلبياته من وجهة نظر البعض. وحدَث هذه الأيام هو ما يُسمى غاز السجيل، أو فقاعة غاز السجيل. وهو لا يختلف جوهريا من حيث المكونات عن الغاز الطبيعي الذي نستخرجه مع النفط أو من مكامن مستقلة، تحت اسم الغاز غير المصاحب. والفارق بينهما هو أن غاز السجيل يوجد داخل مسام مركبات صخرية شديدة الصلابة وضعيفة أو عديمة النفاذية. لذلك فإن إنتاجه يحتاج إلى خلخلة صخور المكامن من أجل توسعة المسام الصخرية وإحداث ممرات ميكروسكوبية تسمح لمرور كميات أكبر من الغاز. وهذه العملية تسمى التكسير الهيدرولوكي، وهي عملية مُكلّفة وتستهلك كميات كبيرة من الماء الممزوج ببعض المواد الكيماوية والحبيبات الرملية الذي يتم ضخه داخل البئر تحت ضغط كبير. ولهذه العملية تأثير سلبي في البيئة، سواء في محيط الطبقات الحاملة للغاز تحت سطح الأرض أو فوق سطح الأرض. وما يزيد من تكلفة استخراج غاز السجيل ضرورة تكرار العملية أكثر من مرة خلال عمر البئر الواحدة أو اللجوء إلى حفر آبار مجاورة جديدة من أجل الحفاظ على مستوى كمية الإنتاج. ووجود غاز السجيل معروف لدى الجيولوجيين ومهندسي البترول منذ أمد بعيد، لكن لم تكن هناك حاجة إلى إنتاجه في الوقت الذي كانت فيه المشتقات النفطية تُباع بأسعار بخسة ومُتدنية جداًّ. وعندما وصلت الأسعار إلى المستويات الحالية، وجد المستثمرون أن هناك هامشا من الربح البسيط إذا هم اتجهوا إلى إنتاج غاز السجيل. وليس صحيحاً الظن بأن الدافع إلى إنتاجه كان توافر تكنولوجيا جديدة، فالتكسير الهيدرولوكي كان معروفاً ويمارس منذ زمن طويل. حتى الحفر الأفقي كان قد انتشر منذ ما يزيد على 30 عاماً.
ومن أسباب الاندفاع الشديد إلى الاستثمار في إنتاج غاز السجيل في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وجود عدد كبير من الشركات المتخصصة في الحفر والإنتاج، ما أتاح توافر فرص استثمارية واسعة في مجال حفر وإنتاج آبار الغاز هناك. وعلى الرغم من هبوط أسعار الغاز إلى مستوى أقل من دولارين ونصف ( للمليون وحدة حرارية)، فالمستثمرون يتنافسون على مردود ضئيل على استثماراتهم المالية، لا يتعدى النسب التي ربما يحصلون عليها من أي مشروع تجاري أو صناعي آخر. وبما أن الثروات النفطية والمعدنية، بما فيها الغاز، في بلد مثل أمريكا هي في معظم الحالات ملك لصاحب الأرض، فإن مجال إنتاجها مفتوح للجميع، بموجب عقود بسيطة بين الطرفين، ولا يعتبرونها ثروة قومية كما هي الحال في دول الخليج. ومع استمرار صعود مستوى أسعار مصادر الطاقة في العالم، نرى أن دولاً كثيرة تتجه الآن نحو استغلال مصادر غاز السجيل، لعلها تجد فيه ما يخفف عليها وطأة أزمة الطاقة التي أصبحت تهدّد مسار النمو الاقتصادي في معظم بلدان العالم. لكن على تلك الدول التي يثبت لديها وجود كميات تجارية من الغاز أن تتأكد قبل البدء في عمليات الحفر والإنتاج من قبول التحديات البيئية التي ستنجم عن تأثير ومخلفات التكسير الهيدروليكي في عمق ومحيط منطقة الآبار، وهي مسألة بالغة الحساسية بالنسبة للتجمعات السكانية القريبة من الموقع.
وخصائص إنتاج الغاز من المكامن الصخرية التي تحتوي على الغاز تختلف عن مكامن النفط من حيث طول المدة التي يستغرقها هبوط مستوى الضغط، وهو العامل الرئيس الذي يدفع السائل أو الغاز إلى فوهة البئر. فكلما نزل الضغط مع مرور الوقت تقل كمية الإنتاج. وفي حالة النفط السائل يستغرق نزول الضغط أضعاف الوقت الذي يستغرقه مكمن الغاز. لذلك وصَفنا إنتاج غاز السجيل في الولايات المتحدة بأنه "فقاعة". وهو عكس ما تدعيه بعض الشركات المستثمرة في الغاز هناك، من أن الكميات الموجودة والقابلة للإنتاج ستدوم أكثر من 100 عام، أو كما يظهر في تصريحات إعلانية، مئات السنين، وهي مبالغة فوق التصور. حتى إن من المستثمرين منْ يُخطط لبناء مرافق تسييل الغاز من أجل تصدير الفائض إلى مشترين خارج أمريكا، أو استخدام المرافق التي كانت قد أنشئت منذ سنوات لاستقبال الغاز السائل من الخارج ولم تُستخدم بعدُ نظرا لتوافر كميات كافية محلياً من الغاز الأمريكي عند أسعار مُتدنية. ولو نفذت الشركات الاستثمارية مشروع التصدير فإن ذلك حتما سيتسبب في رفع أسعار الغاز في أمريكا نفسها عن مستوياته الحالية. وعلى وجه العموم، فإن معدل إنتاج آبار غاز السجيل، يقل عن معدل إنتاج آبار الغاز التقليدية بأكثر من 100 ضعف.
وهذا الكلام لا يقلل بأي حال من الأحوال من أهمية غاز السجيل كرافد من روافد مصادر الطاقة واحتلاله مكانة متميزة في السوق الأمريكية. وسيظل لسنوات طويلة يؤمِّن قسطا كبيراً من احتياجات الطاقة هناك. ولو لم يصل إنتاجه إلى المستوى الحالي وقربه من معظم مناطق الاستهلاك لشاهدنا ارتفاعا كبيراً في أسعار الغاز في أمريكا قد تصل إلى عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، مقابل أقل من ثلاثة دولارات حاليا. والشيء نفسه يُقال عن إنتاج واستخدام غاز السجيل في أماكن أخرى من العالم. لكن الذي نود توضيحه هنا هو أن غاز السجيل مهما كانت أهميته فلن يؤثر تأثيراً كبيرا في الطلب العالمي للنفط، وسيظل النفط المصدر الرئيس للطاقة، ما يتطلب منا ومن المجتمع الدولي ألا نستمر في الإسراف الذي يُعجِّل بنضوبه. فعندما يتناقص الإنتاج لقلة في المخزون بسبب الإنتاج الفاحش يصبح الكل ضحية، المُنتِج والمستهلك. وتوافر غاز السجيل في أي مكان في العالم، يجب ألا يحول دون الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
وأثار إنتاج غاز السجيل في أمريكا حماس بعض الدول مثل الصين ودول أوروبية أخرى، لعلها تجد فيه مصدراً ورافداً للمشتقات النفطية المُكلفة، خصوصاً أن التقارير الصادرة عن الشركات المتخصصة تُشير إلى وجود الغاز بكميات هائلة. لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال بعدما تبين لهم أن هناك أيضا مبالغة حول كمية الاحتياطي المحتمل وجوده.