ريم السعوي
فتحت ''تويتر'' ذات نهار، فإذا العم المدوّن المصري أحمد خليل يقول: المرأة عفيفة بطبعها وعينها مش زايغة بعكس الرجل، لماذا لا توضع القيود على الرجل لتستقيم الأمور؟
تبسمت طويلا لفارق التوقيت بين المجتمع السعودي وبعض المجتمعات الأخرى، فالمرأة ـــ لدى المجتمع السعودي ـــ أشبه ما تكون بـ ''مشكلة'' تمشي على قدمين، دائما هي ''محل'' إشكال وجدل، وكأنها معضلة لا يدرون ماذا يفعلون بها، إن عملت أم جلست إن غطت أو كشفت إن كبرت أو صغرت.
تحدث عادة مشاهد تهكمية كوميدية على كائن المرأة لا يفهم لها سبب، كمشهد إحداهن متغطية وبكامل الحشمة مر بها أحدهم فقال لها بكل فجاجة غطي الله يستر علينا وعليك! والتفسير الوحيد لتهكمه الغريب من متسترة أن تتستر ـــ أن هيئتها التي لا يمكن لها أن تغطيها ـــ كطولها أو حجمها قد أعجبته فأراد منها أن تتغطى أكثر.. كيف؟ لا يهم. لكن ما بيدها حيلة لو أن الأمر بيدنا لاقترحنا عليها اقتراحات لها أفق أوسع مثلا كأن تكون من أهل الأرض ''جنية'' تتلاشى فتقضي حوائجها دون أن يراها أحد وتعود فتظهر مرة أخرى ببيتها.
صديقتي تعينت حديثا معلمة في وزارة التربية والتعليم تريني تعميما ''عجيبا'' وصل من الوزارة للمعلمات بلهجة عجيبة: من ضمن المطلوب ''نصا'' كما في صورة التعميم:
- عدم ارتداء الملابس الضيقة أو الشفافة أو المفتوحة التي تظهر ''مفاتن'' الجسم.
- عدم المغالاة في تسريح الشعر بصورة غير مقبولة لا شرعا ولا عقلا.
- عدم لبس الحذاء ''ذي الكعب العالي، أو الجزم ذوات الأصوات''.
- ارتداء الشراب لجميع منسوبات المدرسة.
- نشر الوعي الديني بين منسوبات المدرسة بين الحين والآخر.
الذي يقرأ التعليمات السابقة يتأكد ويجزم بأنها تعليمات قبل الذهاب للسوق أو مكان عمل مختلط، لكن المؤكد أنه لن يرد في باله أبدا أنها تعليمات يجب اتخاذها داخل وسط نسائي 100 في المائة يُخشى عليه الفتنة من بعضه البعض! إن تعميما كهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تقبله والأدهى من ذلك أن تكون آخر تعليمات هذا التعميم: نشر ''الوعي'' الديني! يكاد يكون البند الأخير هو القشة التي تقصم ظهر بعير الوعي كله.
لا أدري لماذا تهمة الشر تلاحق كائننا الضعيف للدرجة التي تذكرني بفلسطين! وكأن كلا الحالين لا حل لهما.
فلسطين أيضا ''الحلقة الأضعف'' تعاني كثرة المنظّرين لها، و''المتفلسفين'' بأوضاعها و''الواثقين'' دوما بما هو الأفضل لها، في الوقت نفسه هؤلاء المنظرون لا يتوانوا أبدا باتهامها بأي حال كانت! فهي إن تعايشت اتهموها بالتطبيع وإن استسلمت اتهموها بالانهزامية وبما هو أفظع، وإن واجهت واقعها ماتت أسرع.. فهل فلسطين ضحية ضعفها؟ أم أنها ضحية إسرائيل؟ والسؤال الممعن بالسخرية: هل لإسرائيل أصلا ''حق'' الوصاية على فلسطين وهي تحاربها وتنكل بها؟ وهل تعرف الحروب والاستعمارات أو تعترف بلغة ''الحقوق''؟ بل كيف استطاعت إسرائيل أن تقنع الناس بأن من يعاديها فهو معاد للسامية؟ ولماذا ـــ بكل عنجهية ـــ تعتقد إسرائيل بأنها هي السامية الوحيدة؟ رغم أن اليهود والعرب كلهم من نسل سام بن نوح ـــ عليه السلام.
إن الحقيقة التي لا يراد الاعتراف بها أن فلسطين ليست ضحية إسرائيل، بقدر ما هي ضحية انعدام المبادئ.