د. أمين ساعاتي
نحن السعوديين نشعر بالقلق الشديد حينما نستمع إلى السؤال المستفز القائل: ماذا نفعل بعد نضوب البترول؟ من أين نأتي بالموارد المالية كي نغذي بنود ميزانية الدولة لكي نحافظ على مستوى المعيشة المرتفع، وكذلك نستمر في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة؟!
سؤال قلق ولا سيما أن مشاريع تنويع مصادر الدخل بدأت لتوها تجاوز أهداف خطة التنمية الأولى التي صدرت في عام 1970، أي أننا بدأنا بالنسبة لتنويع مصادر الدخل نخرج من المربع الأول ونحصد أهدافا بديلة واعدة.
وأذكر بهذه المناسبة أن وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي إبراهيم النعيمي أنهى في الأسبوع الماضي زيارة قام بها إلى السودان لحضور الاجتماع السادس للجنة الدائمة السعودية ــــ السودانية المشتركة والمعنية بالاستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجودة في قاع البحر الأحمر.
وبعد الاجتماع أعرب وزير البترول عن تفاؤله بنتائج هذا الاجتماع في استمرار تطوير العمل المشترك في مجال الاستثمارات التعدينية من خلال الاستخدام الأمثل لثرواتنا المعدنية المشتركة، وكذلك تدريب وتطوير القوى البشرية الفنية في البلدين في مجال التعدين البحري، وأضاف الوزير النعيمي قائلا: إن رخصة التعدين التي تم إصدارها من قبل الجانبين السعودي والسوداني قبل نحو عامين لاستغلال الثروات الكامنة في قاع البحر الأحمر من ذهب وفضة ونحاس وزنك وغيرها.. تعد خطوة رائدة في مجال التعدين على المستوى العالمي، وستكون انطلاقة إلى مزيد من أعمال الكشف والاستغلال لباقي الأعماق المتمعدنة في المنطقة المشتركة في البحر الأحمر وسنعمل سويا لتشجيع ومساندة الأعمال والدراسات الخاصة بالاحتياطيات التي يمكن تعدينها في البحر الأحمر مما يسهم في تحقيق عائد اقتصادي للبلدين وخلق فرص عمل للكوادر السعودية والسودانية ونقل التقنية وتحقيق القيمة المضافة من استغلال الخامات المعدنية.
وإذا عدنا إلى تاريخ اهتمامنا بالثروة المعدنية، فإن الأستاذ أحمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق كان قد وقع مع نظيره السوداني في عام 1964 على اتفاقية إنشاء لجنة سعودية دائمة مقرها مدينة جدة للبحث في تقاسم استغلال الموارد الطبيعية التي تقع في البحر الإقليمي للدولتين.
ولقد شرفت بحضور جانب من هذه الاجتماعات التي كانت تتحدث عن تكامل سعودي ــــ سوداني هدفه استغلال واستثمار مشترك لثروات البحر الأحمر.
ورغم مرور نصف قرن تقريبا على تشكيل اللجنة السعودية - السودانية، فإنه من المؤسف أننا لم نحقق في الواقع شيئا ذا قيمة على طريق استغلال ثرواتنا في البحر الأحمر!
إن البحر الأحمر يعتبر موردا متعدد الثروات، ولكن للأسف مازلنا نجهل حجم ثرواتنا في البحر الأحمر، وأؤكد أننا في أمس الحاجة إلى معرفة حجم الثروات التي نملكها في البحر الأحمر.
وبمعنى آخر أن البحر الأحمر بالنسبة للمملكة العربية السعودية كنز ما زال مجهولا، وما زلنا في أمس الحاجة إلى اكتشافه، وأزعم أننا إذا كلفنا شركات عالمية بالبحث والتنقيب عن ثرواتنا في قيعان البحر الأحمر، فإننا سنكتشف بأن الثروة التي نملكها في قاع البحر الأحمر تقدر بمبالغ خيالية.
وربما يكون مفاجأة لنا أن نكتشف أن ثرواتنا في البحر الأحمر تتجاوز قيمة ثرواتنا البترولية، ولكن جهلنا بها يجعلنا لا نعرف شيئا عن الكنز المدفون، كذلك فإن البحر الأحمر يعتبر ممرا مائيا استراتيجيا للسفن التي تحمل البترول أو السفن التجارية التي توفر للمملكة السلع والخدمات الضرورية لاسـتمرار مشاريع التنمية، يضاف إلى ذلك أن بعض الاكتشافات المبدئية تؤكد أن البحر الأحمر زاخر بالثروات البترولية والمعدنية، كذلك فإن ساحل البحر الأحمر الشرقي يشهد في هذه الأيام أكبر مشاريع لتحلية المياه في العالم، بمعنى أن البحر الأحمر هو مكمن الثروة المائية والمورد المائي الرئيس لسكان المملكة العربية السعودية، فمنه يعيش الناس وعليه تقوم مشاريع الأمن الغذائي.
إن السعودية هي إحدى الدول المهمة التي تطل بمساحات شاسعة على البحر الأحمر، بل تحتل المملكة كامل الساحل الشرقي للبحر الأحمر تقريبا بدءا من العقبة في الشمال حتى جازان في الجنوب. ومن خلال هذا الموقع الشاسع فإن مسؤولية المملكة إزاء استتباب الأمن واستقرار الملاحة في البحر الأحمر.. تصبح مسؤولية كبيرة ومباشرة يفرضها الموقع الجغرافي وتفرضها طبيعة النشاط التجاري التي تربط الشمال بالجنوب وتفرضها ــــ أيضا ــــ القرارات الدولية.
إنني أرجو من وزارة الداخلية أن تعمل على تأمين البحر الأحمر ووضع نظام لحماية سواحلنا والحرص على توقيع اتفاقيات دولية مع جيراننا في البحر الأحمر لحماية السواحل وتقسيم الثروات، وهذا ما كان يحرص عليه الملك عبد العزيز ـــ يرحمه الله ــــ في بداية تأسيس المملكة، حينما كان يوقع اتفاقيات الحدود الدولية مع كل دول الجوار، أيضا أهيب بالجامعات السعودية أن تهتم أكثر بعلوم البحار، وبالذات جامعة الملك عبد العزيز التي أنشأت كلية لعلوم البحار، ولكن لم نسمع عن مخرجات هذه الكلية إزاء اكتشاف وتنمية مواردنا في البحر الأحمر والخليج العربي.
ونؤكد مرة أخرى أن السواحل السعودية المطلة على البحر الأحمر لا تزال بكرا، ونرجو من شركات التطوير العقاري الكبرى ومن شركات السياحة الكبرى أن تتجه إلى هذه المنطقة البكر، ففيها كنوز للجذب السياحي كما تتوافر في ساحل البحر الأحمر ظروف بيئية مثالية تعيش حولها وفي أعماق مياهها الكائنات البحرية من اللافقاريات والأسماك والقشريات والرخويات، كذلك تنتشر في بعض سواحل البحر الأحمر شجيرات المنجروف.
وهكذا فإن المملكة دولة ـــ حباها الله سبحانه وتعالى ـــ بالخيرات في البر والبحر والجو، ففي البر والبحر البترول ويسكنها إنسان موهوب، وفي الجو تقبع الطاقة الشمسية، وفي البحر ثروات مجهولة تتجاوز كل ما نملك في الجو والبر.