كلمة الاقتصادية
مكافحة عمليات غسل الأموال معضلة دولية ما زالت تعانيها معظم دول العالم، وقد عانت بلادنا من استهدافها بعمليات غسل أموال بأساليب متعددة، وهو ما يؤكده المصرفيون والخبراء في مجال مكافحة هذه الجريمة، حيث تجابه على المستوى الوطني بحرب شرسة تنطلق من فهم عميق من المؤسسات المالية لأهمية مكافحة الجرائم المالية عموما وجرائم غسل الأموال على وجه الخصوص، لتأثيرها الخطير في الاقتصاد الوطني وفي المؤسسات المالية نفسها، ولذلك وجهت لهذه الحرب جرعات عالية من التدريب تعتمد آليات رصد ذكية برهنت عليها الزيادة الملحوظة في عدد بلاغات الاشتباه والتي وصلت إلى 1500 بلاغ تقدر قيمتها بنحو 46 مليار ريال، بهدف إجبارها على التقلُّص إلى حد التلاشي بالنظام الرادع وسد كل الثغرات التي تغري بالنفاذ لبلادنا.
لقد أوضح مصرفيون خلال حديثهم في ملتقى مخصّص لمكافحة غسل الأموال عُقد في الرياض، أن نطاق المكافحة تسهم فيه شركات ومكاتب تقدم خدمات الاستشارات المالية في السعودية في مجال إدارة الالتزام المعنية، وذلك لمتابعة تطور قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبضرورة تطبيق أعلى المعايير والضوابط حتى على البنوك، التي تعتبر خدماتها مستهدفة من المنظمات الإجرامية لاستغلالها في عمليات غسل الأموال.
وإذا كانت المؤسسات المالية في السعودية تمتلك النظم التقنية لتتبع جرائم غسل وتمويل الإرهاب، إضافة إلى وجود إجراء للتبليغ عن مثل تلك القضايا تصب في وحدة التحريات في وزارة الداخلية. وبما يشكل لمن يقوم بعملية غسل الأموال المصاعب، فضلاً عن حجم العقوبة المغلظة التي قد تطوله في حال ثبوت إدانته حيث العقوبات في المملكة تعتبر الأعلى مقارنة بدول كثيرة عُرف عنها التساهل في توقيع العقوبات، نقول إذا كان ذلك هو الحال ومع ذلك تحدث هذه الغارات القذرة لغسل الأموال بالكم الذي أشرنا إليه فهذا يعود بنا إلى ضرورة التركيز على سد الثغرات التي يستغلها هؤلاء المجرمون من خلال دراسة البيئة الاستثمارية في بلادنا ميدانياً، أي المنافذ البرية والبحرية والجوية، مع تحليل العناصر المؤثرة وكذلك البنية القانونية المرتبطة بها.
إن الدور الذي تقوم به إدارات الالتزام هو خط الدفاع الأول في جميع القطاعات، سواء البنوك أو التأمين وغيرهما من القطاعات المالية، ولذا فإن دورها لا بد أن ينسجم مع الإجراءات واللوائح والسياسات التي وضعت لتنظيم حراك المال والاقتصاد والتجارة والاستثمار خصوصا، ونظام المكافحة قد بدأ منذ ما يقارب العقد من الزمان وتم تأسيس وحدات مستقلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعيداً عن المحاباة أو التعارض في اتخاذ القرارات بشأن العمليات المشبوهة.
إن مكافحة القطاعات المالية لعمليات غسل الأموال جزء من مكافحة الفساد، وهو مطلب وطني عام يهم المسؤول والمواطن على حد سواء، فالفساد سواء في القطاعات الحكومية أو القطاع الخاص ينعكس في النهاية سلبيا على الوطن ككل وعلى سمعته وجدارته الاستثمارية والاقتصادية، وبالتالي فإنه إذا كان من واجب البنوك ملاحقة الأموال المشبوهة التي قد تصل إليها، فإن عليها الحرص أيضاً على ملاحقة ما قد يوجّه إلى الموظفين العموميين أو في الأجهزة الحكومية أو في القطاع الخاص.
يبقى القول إن الجهود الحثيثة على المستويين الرسمي والخاص، رغم أنها مستنفرة منذ سنوات للحيلولة دون استغلال بلادنا في غسل أموال يتم ضخها في صفقات قذرة أو أعمال إجرامية وإرهابية، ورغم أن هناك نشاطاً محموماً على مستوى الأجهزة الأمنية والمؤسسات المصرفية والمالية وغيرها من جهات ذات علاقة بمكافحة غسل الأموال؛ تبقى الحقيقة أن حجم الاستهداف الذي قدم مؤشره في 1500 بلاغ يستدعي إلى جانب هذه الاحتياطات الأمنية والتشريعية والآليات والقوى البشرية، دراسة بيئة الاستثمار ميدانياً من خلال الرقابة الصارمة على المنافذ البرية والجوية والبحرية، لأن ثمة أموالاً محمولة وثمة مراوغات من التهريب للثروة المحرمة ولا بد من معرفة نقاط الضعف والمناطق الهشة أو المغرية للنفاذ منها، إذ إن هذا سيكشف الميدان بثغراته ونقاط قوته، بحيث يتم إحكام سد هذه الثغرات وإجهاض المحاولة قبل ولادتها حين يدرك المجرمون أن بيئتنا الاستثمارية منيعة حصينة في جميع المواقع.
موضوع: التحصين ضدّ غسل الأموال 
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 6:50 am
