د. عبدالرحمن الطريري
يبدو أننا نعطي الآخرين الفرصة تلو الفرصة كي يقوموا بتشكيل ذواتنا بالشكل الذي يخدم أهدافهم ومصالحهم، وقد يعجب من يقرأ هذه العبارة ويتساءل كيف يعطى الآخرون الفرصة لتشكيل ذواتنا؟ ألسنا عصيين على الآخرين، ولدينا حصانة استمددناها من ديننا، وثقافتنا وحضارتنا التي نتغنى بها ليل نهار ونردد قول شاعرنا: لنا الصدر دون العالمين أو القبر. كيف يجرؤ الآخرون على التفكير في التدخل فينا وتشكيل ذواتنا؟ وما الصورة التي يريدها الآخرون لنا؟
بمراجعة لسجلات التاريخ القريب نجد أن خاصية الاتكالية والاعتماد على الآخرين صارت سمة بارزة فينا، حيث أصبحنا نعول على الآخرين لمساعدتنا بدءا من البيوت التي تمتلئ بالعمالة من خدم وسائقين إلى مساعدي العمل التي تسيطر عليها العمالة الأجنبية، أما على الصعيد السياسي فإننا نستعين بهم لحل مشاكلنا البينية، وكذلك نزاعاتنا وخلافاتنا التي أصبحت مجالاً خصباً للآخرين لتقديم خدماتهم لنزع فتيل ما يطرأ بين دولة وأخرى، أو بين زعيم وآخر، حتى أصبح تدخل الآخر البعيد بمنزلة العلاج الذي لا يضاهيه علاج آخر.
شعورنا بالعجز في مواجهة المشكلات التي تعترض مشاريعنا التنموية ومشاكلنا السياسية ولّد خاصية الاتكالية والاعتماد على الغير لإنجاز المهمات، وفي هذا مكاسب للآخر ليست مكاسب سياسية، ومعنوية فحسب، بل مكاسب اقتصادية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، لأن حل هذه المشكلات والوصول بنا إلى بر الأمان، ولو مؤقتا، يعتبر إنجازاً للآخر لسنا بقادرين عليه، أو هكذا بدأنا نشعر مع الوقت ومع تفاقم الأمور والأزمات.
في محاولة من الجامعة العربية لممارسة دورها كبيت للعرب تتدخل أطراف تعيق دورها وتسعى لإفشاله بمساعدة أطراف هم أعضاء في جامعة الدول العربية، ولعل إخفاق الجامعة العربية في الخروج بسورية من المأزق الذي تعيشه منذ ما يزيد على العام يمثل صورة حقيقية لإفراغ الجامعة من دورها، وإشعارها بعجزنا، وعدم مقدرتنا على القيام بأي دور، لذا تم استبدال مبادرة الجامعة العربية بمبادرة عنان التي جاءت باسم الأمم المتحدة مع إضافة الجامعة العربية جبراً لخواطرنا وتسلية لنا حتى لا نشعر بالامتعاض، إن كنا سنفعل ذلك.
لماذا نحن هكذا؟ بلا شك المشكلة فينا نحن في طريقة تفكيرنا، ونظرتنا لأنفسنا، وللعالم من حولنا، شعورنا بالعجز وعدم القدرة، وفي الوقت ذاته انبهارنا بالآخر وإنجازاته الكبيرة -وهي حقاً كبيرة- يمثل ركناً أساساً في هذا الوضع، كما إن الثقافة السائدة من خلال وسائل الإعلام تسهم بشكل أو بآخر في ترسيخ هذا الوضع، كما إن القصور وعدم التأهيل للبعض يجعل من أدوارهم ضعيفة وغير مجدية، ومن تابع، ويتابع تصريحات أمين جامعة الدول العربية نبيل العربي والطريقة التي يتحدث بها بشأن الوضع في سورية يتساءل: كيف تم اختياره من الأساس؟ فمنصب أمين جامعة الدول العربية يحتاج إلى توأدة، ورزانة وهدوء عند الحديث، وهذه كلها لم ألمسها لدى نبيل العربي.
مؤتمرات إعمار تعقد خارج فضائنا في لندن وفي جنيف لقضايا تمس أوطاننا كما في الصومال أو أفغانستان، ونحن من يدفع، لكن احتضان هذه الدول هذه المؤتمرات واللقاءات يجعلها في مكان الريادة، ونحن في موقع التبعية لا نقصاً في إمكاناتنا، لكن قصوراً في أدائنا، وشعوراً بعدم القدرة، أو هكذا يراد لنا أن نكون.