شبكة الاخلاص الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبكة الاخلاص الاسلامية

منتدي اسلامي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خطبة الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 02 نوفمبر 2012 م

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ساعد وطني




المساهمات : 1248
تاريخ التسجيل : 26/09/2012
الموقع : K.S.A

خطبة الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 02 نوفمبر 2012 م Empty
مُساهمةموضوع: خطبة الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 02 نوفمبر 2012 م   خطبة الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 02 نوفمبر 2012 م Icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 06, 2012 4:08 pm

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مقاصِد الحج وشواهِدُه"، والتي تحدَّث فيها عن الحجِّ ومقاصِده وشواهِده، وبيَّن أن من أعظم مقاصِد هذه الشعيرةِ المُبارَكة تقوى الله تعالى، وإخلاصُ العمل له - سبحانه -، واتباعُ سنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وذكرَ بعضَ روحانيَّات الحجِّ، ثم ختمَ خُطبتَه بضرورة الاستِغفارِ بعد الأعمال؛ حِفاظًا عليها ورعايةً لها من البُطلان.الخطبة الأولىإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسنغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .أما بعد :فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.ألا وإن خيرَ الوصايا بعد المحامِد والتحايا: الوصيةُ بتقوى الله العظيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].أسلِموا لله القِياد، وأعِدُّوا ليوم المعاد، وأخلِصوا لله في السرِّ والإعلان؛ فكم من إنسانٍ كثيرِ الثياب، عارِي الثواب، مذكورٍ في الأرض، مهجورٍ في السماء.

أيها الحُجَّاج في هذي البِطاح! يا مَن وفَدتم من كل ناحيةٍ وساح، ها هنا المورِدُ فعُلُّوا، وهنا الرواءُ فانهَلوا، أكرمَكم الله بإدراك يومٍ عظيمٍ من أيام الإسلام، وموقفٍ جليلٍ من مواقفِ المُسلمين، فأتممتُم حجَّكم، وقضيتُم تفَثَكم، وقد سبقَكم إلى هذه الصُّعُدات آدمُ ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأنبياءٌ كُثُر، ومحمدٌ النبي الكريم، وصحبُه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، والصحابةُ العِظام، وأئمةُ المذاهبِ وصُلَحاءُ المُسلمين.وها أنتم تخلُفونهم على هذه الرُّبُوع، الربُّ واحدٌ، والمشاعِرُ هي نفسُها، والهدفُ مُتَّحِد، فلماذا الحالُ غيرُ الحال، والرجالُ دون الرِّجال؟!نسَبُكم - أيها المُسلمون - في المُعتقَد تسلسلَ إلى أنبياء الله ورُسُله؛ فلِمَ الحَيدَة؟وديوانُ الإسلام - قُرآنٌ وسنَّةٌ - لا زالَت حيَّةً، وشواهِدُ التوحيد ما زالَت قائمةً من عهد إبراهيم؛ فلماذا الخلْطُ؟ودينُكم أعظمُ شِرعةٍ نزلَت من السماء إلى الأرض؛ فلِمَ الذِّلَّة؟قضيتُم نُسُكًا شِعارُه التوحيد، فاجعَلوه شِعارَكم حتى تلقَوا ربَّكم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخل الجنةَ»؛ رواه مسلم.عظِّمُوا اللهَ وأجِلُّوا رسولَه، وعظِّموا ما جاء من عندهما وأسلِموا له، أخلِصوا لله القصدَ والعملَ، واقتَفوا هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبِه الذين رضِي الله عنهم ورضُوا عنه، واعرِضوا العبادةَ على الكتاب والسنة، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وما لم يرِد في السنَّة فاطَّرِحوه.أيها المسلمون :حُجَّاج بيت الله العتيق! إن من حجَّ البيتَ واعتمَرَ فقد ازدادَ من الله قُربًا، وتقرَّبَ إليه زُلفَى، والمُقرَّبُون هُم أولَى الناس بالتأدُّبِ مع الله - جل في علاه -، يحدُوهم الرجاءُ في الازديادِ من الطاعة، ويمنعُهم الحياءُ من التلطُّخ بشيءٍ من المعاصِي بعد أن أكرمَ الله وسادَتَهم، وغفرَ ذنوبَهم، وأتمَّ مناسِكَهم.أما وقد وفَّقَكم الله لمرضاته، ويسَّر لكم التعرُّضَ لنفحاته؛ فاستقِيموا على أمره، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا[النحل: 92].وإن من أولَى ما يُوصَى به المُسلِمُ بعد التقوى: ما أوصَى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُفيانَ - رضي الله عنه - حينما قال: يا رسولَ الله! قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. قال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم»؛ رواه مسلم.ألا وإن من أولَى ما استقامَ عليه المُؤمنُ بعد التوحيد: المُحافظةُ على الصلاة؛ فهي عمودُ الدين، وفارِقُ المؤمنين عن الكافرين، وقد قال الله - عز وجل -: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2].روى الترمذي والنسائي والحاكم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُنزِلَ عليَّ عشرُ آياتٍ، من أقامهنَّ دخلَ الجنة، ثم قرأَ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، حتى ختمَ عشر آياتٍ».قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (Cool وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 1- 11]، هذه هي أسبابُ الفلاحِ وأسبابُ دخول الجنة؛ الصلاةُ، والزكاةُ، واجتِنابُ ما لا نفعَ فيه من الأقوال والأعمال، وحِفظُ العورات والمحارِم، واجتِنابُ الفواحِش، والمُحافظةُ على الأمانة والعهد.أيها المؤمنون:الإسلامُ هو الاستِسلامُ لله، والانقِيادُ له بالطاعة، والخُلُوص من الشِّرك وأهلِه، والاستِسلامُ لله عبَّرَت عنه أحكامُ الحجِّ كما جسَّدَته المشاعِرُ، ومثَّلَته سيرةُ نبي الله إبراهيم وآله، تلك الأُسرةُ الصالحةُ التي استسلَمَ فيها إبراهيمُ لأمر الله بترك زوجته ورضِيعها في وادٍ قَفْرٍ؛ لأن اللهَ أمرَه بذلك، وقالت زوجُه هاجَر: "آللهُ أمرَكَ بهذا؟". قال: "نعم". قالت: "إذًا، لن يُضيِّعَنا".فلم يُضيِّعهم ربُّهم، وفجَّرَ الأرضَ بعين زمزم، وباركَ فيها، وعمَرَ الوادي بالبشر، فهوَت أفئدَةُ الناسِ إليهم، ورزقَهم الله من الطيبات، وجعلَ بلدَهم آمنًا مُطمئنًّا.واستسلَم إبراهيمُ لأمر الله بذبحِ ابنِه، واستسلَم إسماعيلُ أيضًا لهذا الأمر، وقال الله عنهما: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103]؛ أي: استسلَما، لكنَّ اللهَ الرحيمَ لطَفَ.إنه مثالٌ للأُسرة الصالحةِ المُستسلِمة، ودرسٌ للأمة بكل تفاصيل الحدَث، وكان الجزاءُ في الموقِفَين: أن اللهَ كان لهم، ورفعَ درجتَهم، وجعلَ النبُوَّةَ فيهما وفي ذريَّتهما، وجعلَ آثارَهما مناسِكَ للمُؤمنين إلى يوم الدين.عباد الله :ومن روحانيات الحجِّ: التربيةُ على التقوى، وفي ثنايا آيات الحجِّ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197]، إنها عبادةٌ محدودةٌ في أيامٍ معدودةٍ، يجهَدُ الحاجُّ في تمامِها، ويحذَرُ من نُقصانِها أو بُطلانِها، ويلتمِسُ من ربِّه القبولَ راجيًا رحمتَه، طالبًا الخلاصَ من ناره. وهذا مُختصرُ الحياة ومُلخَّصُها.والتقوى شعورٌ قلبيٌّ يحدُو المُسلِمَ خلال ذلك للسير وفقَ مُراد الله، يُزجِيه خوفُ الله، ورجاءُ ما عند الله لا ما عند الناس، وإذا جعلَ المُسلِمُ قصدَه استِرضاءَ ربِّه أفلحَ ونجا.أيها المسلمون:

الحجُّ موسمٌ روحانيٌّ نشرَ بين المُسلمين حقيقةَ العبادة المُقدَّسة؛ طاعةٌ واستِجابةٌ لنداء الرحمن، واستِسلامٌ لشرعه وأحكامه، ومهما أحاطَ الإنسانُ نفسَه بمظاهر التَّرَف فلن ينفكَّ عن الشُّعورِ بالحقيقة حقيقةِ أنه فردٌ من بين ملايين البشر، وأنه فقيرٌ إلى الله كبقيَّة السائرين إليه، المُستجدِين منه الرحمةَ والمغفرةَ والرِّضوانَ.لذا، فإنه من الخطأ تطلُّبُ حجٍّ مُرفَّهٍ، أو التذمُّرُ من مشقَّةٍ يلقاها من لم يتعوَّد المشاقَّ؛ فإن اللهَ تعالى قال: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7]، فالبساطةُ والتخلِّي عن الرفاهيَة من مقاصِد الحجِّ، فيها التربيَةُ والعبوديَّةُ والتواضُع، والمُساواةُ عند الضَّراعة بين يدَي الله.وفي ذلك أيضًا: تربيةٌ للمُسلِمين بأن يكونوا رحمةً على إخوانِهم مُتواضِعي لهم، قائمِين على مصالِحِهم، في بُعدٍ عن الأنانيَّة والأثَرَة، فضلاً عن التقصير في حقِّهم، أو الإخلالِ بما أُنيطُوا به من واجبِهم.عباد الله :ومن مشاهِد الحجِّ: أن الله تعالى أحاطَه بالرعاية والحفظِ، وأسبغَ على حُجَّاج بيته الأمنَ والطُّمأنينة، في أيامٍ يضطربُ فيها العالَمُ كما تضطرِمُ نارُ الحروبِ في بِقاعٍ شتَّى، ولسنا بمَنأى عن الحُسَّاد والمُعتدين، ولكنَّ الله تعالى هو الذي لطَفَ وآمنَ، وستَرَ وعافَى، وأسبغَ علينا نعَمَه ظاهرةً وباطنةً، وسخَّرَ لهذا البلد حُماةً صادقين، حفِظَ الله بهم العبادَ والبلادَ.فلله الحمدُ والشُّكرُ، وله الثناءُ الحسن، وصدق الله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت: 67].إنها نعمةٌ تستوجِبُ الذِّكرَ والشُّكرَ والتنبيهَ؛ تحدُّثًا بنعمة الله تعالى، وشُكرًا له وحمدًا.باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانيةالحمد لله الذي بنمعته تتمُّ الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً عليها المحيا والممات، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحابته، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد ، أيها المؤمنون:بالاستِغفار تُختَمُ الأعمال الكِبار، وطُوبَى لمن وجدَ في صحيفته استِغفارًا كثيرًا، وإن العملَ الصالحَ شجرةٌ طيبةٌ تحتاجُ إلى سِقايةٍ ورعايةٍ حتى تنمُو وتثبُت، وتُؤتِي ثِمارَها.وإن من علامة قَبول الحسنةِ: إتباعُها بالحسنة؛ لأن من قبِلَه الله وقرَّبَه وفَّقَه للصالحات، ووقاه السيئات.فاحرِص - رعاك الله - على حفظِ عملِك، وصيانةِ نفسِك، وسدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا وأمِّلُوا، والإخلاصُ والصوابُ عليها مدارُ القَبول.جعلكَ الله بالجنةِ فائزًا، ولأعلى الدرجات حائِزًا، وجعلَنا وإياكَ ممن تدعُو لهم الملائكةُ بقول الله - عز وجل -: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (Cool وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر: 7- 9].هذا، وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة، وأفضلِ الرُّسُل: محمدِ بن عبد الله؛ فمن صلَّى عليه صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصُر المسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَك المؤمنين.اللهم أبرِم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصِيتك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر.اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.اللهم انصُر المُجاهِدين في سبيلك، اللهم انصُر المُجاهِدين في سبيلك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا، وفي فلسطين، وفي كل مكانٍ، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّ حِصارَهم يا حي يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.

اللهم جازِهم بالخيرات والحسنات على ما يبذُلونَه من خدمة الحُجَّاج وخدمة الحرمين الشريفين وقاصِدِيهما، اللهم كافِئ كلَّ من خدَمَ الحَجيجَ، اللهم كافِئ كلَّ من خدَمَ الحَجيجَ، واجزِ خيرًا من قامَ على رِعاية ضُيُوفك، اللهم ثقِّل موازينَهم بالحسنات، وبارِك لهم في أعمالهم وأعمارهم.اللهم وفِّق وُلاةَ أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادك المُؤمنين.اللهم انشُر الخيرَ في بلادنا وبلاد المُسلمين عامَّة، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 147].اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم وأزواجنا وذُرِّياتنا، إنك سميعُ الدعاء. اللهم إنا نسألُك رِضاكَ والجنةَ، ونعوذُ بك من سخَطك والنار.اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علين الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلادَ، وتسقِي به العبادَ، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والبادِ.اللهم سُقيا رحمةٍ، اللهم سُقيا رحمةٍ، اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهم أغِثنا يا حي يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام.اللهم احفَظ الحُجَّاجَ والمُعتمِرين، وأعِدهم إلى ديارِهم سالمين غانِمين، وتقبَّل منَّا ومنهم ومن جميع المُسلمين.ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وفي المدينة المنورة
المصائبُ والأمراضُ بقَدَر الله تعالى
الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله لا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن تقوى الله هي الوسيلةُ إلى خيرٍ في هذا الدار وفي دار القرار.
أيها المسلمون:
فوِّضُوا أمورَكم كلَّها إلى الله، وتوكَّلوا عليه؛ فمن توكَّل على الله كفَاه، وبلَّغَه جنَّتَه ورِضاه، واعمَلوا بالأسباب التي أرشدَ إليها الشرعُ الحكيمُ، والأسباب التي عُلِمَت باتجارب المُباحة الصحيحة، فمن حكَّمَ الشرعَ في أموره كلِّها كان من المُفلِحين، ومن أعرضَ عن كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كان من الخاسرين.
عباد الله:
إن ربَّكم - تقدَّست أسماؤه - قد كتبَ المقادير، وقضى الأمور قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قدَّر الله المقادير قبل أن يخلُق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»؛ رواه مسلم والترمذي.
والله تعالى يفعل ما يشاء، له القدرةُ التامَّة، والمشيئة النافِذة، والحِكمةُ البالغة، والعلمُ المُحيط، والرحمةُ العامَّة، الخلقُ خلقُه، والأمرُ كلُّه راجعٌ إليه، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].
لقد أراد الله تعالى أن تكون هذه الحياة الدنيا جامعةً بين الخير والشر، وأن يكون هذا الخيطُ المُشاهَد جارٍ على سُننٍ أوجدَها الله باقيةً إلى أجلٍ مُسمَّى.
قدَّر الله تعالى في هذا الوجود الحياةَ والموت، والمحبوب والمكروه، والخيرَ والشر، والفرحَ والسرور، والحزن والهموم، والصحةَ والمرض، والعافية والبلاء، والطاعة والمعصية، والكربَ والفرَج، والعُسر واليُسر، والكمال والنقص، والعجز والكَيس؛ ليعلمَ الخلقُ أن لهذا الكون إلهًا عظيمًا مُتَّصفًا بصفات الكمال كلِّها، مُنزَّهًا عن صفات النقص، ليعبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، وليرغَبوا إليه - سبحانه - في طلب كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، وليستعيذوا بربِّهم من كل سوءٍ ليصرِفَ عنهم كلَّ شرٍّ في الدنيا والآخرة؛ فإن الربَّ - تبارك وتعالى - هو القادرُ على ذلك كلِّه، قال الله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
ومن يتصوَّر أو يظنَّ أن هذا الكون المُشاهَد يمكنُ أن يتحقَّق فيه الخير بدون أن يُوجد شرٌّ في الوجود فقد تصوَّرَ ما لا يكون، وظنَّ ما لا يتحقَّقَ وجودُه؛ لأن هذا الكون المُشاهَد لو وُجِد فيه خيرٌ وطاعةٌ من غير وقوع شرٍّ ومكروهٍ لكان وجودًا وكونًا آخر، له سُننٌ أخرى، وأسبابٌ أخرى، والله على كل شيءٍ قدير.
وأما في الآخرة فالخيرُ الخالصُ كلُّه، والنعيمُ كلُّه في الجنة، والشرُّ كلُّه بحذافيره والعذاب بأنواعه في النار؛ فمن دخلَ الجنةَ لم يحزَن ولم يندَم على ما فاتَه من الدنيا، ولا يتحسَّر على ما أصابَه من المصائب، ومن دخلَ النار لم ينفعه ما جُمِع له في الدنيا من المسرَّات.
عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤتَى بأنعَم أهل الدنيا من أهل النار، فيُصبَغُ في النار صبغةً ثم يُقالُ: يا ابنَ آدم! هل رأيتَ خيرًا قط، هل مرَّ بك من نعيمٍ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ، ما مرَّ بي نعيمٌ قط. ويُؤتَى بأشدِّ الناس بُؤسًا من أهل الجنة فيُصبَغُ صبغةً في الجنة، فيقال له: يا ابنَ آدم! هل رأيتَ بُؤسًا قط، هل مرَّ بك من شدَّةٍ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ، ما مرَّ بي بُؤسٌ قط، ولا رأيتُ شدَّةً قط»؛ رواه مسلم.
ومع ما جُبِلَت عليه الدنيا من كَدَرٍ، وما قُدِّر فيها من المصائب والمكارِه، فالإيمانُ والإسلامُ ضامنٌ لصاحبِه حُسن العاقبة، وخيرَ المآل والمُنقلَب؛ بزيادة النعم، والثواب على الشكر، وبتكفير السيئات، والثواب على الصبر.
عن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجَبًا لأمر المُؤمن إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمُؤمن؛ إن أصابَته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له»؛ رواه مسلم.
والأمراضُ مما ابتُلِيَ بها العباد، والله تعالى يخلُقُها بسببٍ وبغير سببٍ، ويُعافِي من يشاءُ منها بسببٍ بغير سببٍ، قال الله تعالى: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [البروج: 15، 16]؛ فمن ابتُلِيَ بشيءٍ من ذلك فليصبِر وليحتسِب، وليتداوَ بما أباحَ الله له من الأسباب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تداوَوا؛ فإن الله تعالى لم يضَع داءً إلا وضعَ له دواءً، غيرَ داءٍ واحدٍ، وهو الهرَم»؛ رواه أبو داود، والترمذي من حديث أسام بن شريك - رضي الله عنه -.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أنزلَ الداءَ والدواءَ، وجعلَ لكلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوا ولا تداوَوا بالحرام»؛ رواه أبو داود.
والدعاءُ يرفعُ الله به مما نزلَ ومما لم ينزِل، وهو من الأسباب الجالِبة لكلِّ خيرٍ، والدافعةِ لكلِّ شرٍّ، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
وقد عرفَ الناسُ أمراضًا إذا شاءَ الله انتقلَت من المريض إلى الصحيح - بإذن الله -، وقد كان أهلُ الجاهلية يعتقِدون أن هذه الأمراض تُعدي بطبعِها، فتنتقِلُ بذاتِها من المريضِ إلى الصحيح، فيُعدي المريضُ الصحيحَ بالمُخالَطة والمُلاقاة لا محالَةَ، فأبطلَ اللهُ اعتقادَ أهل الجاهلية، وأخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا عدوَى، والنفيُ أبلغُ من النهي في إبطال العدوَى.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عدوَى، ولا طِيَرة، ولا هامَة، ولا صَفَر»؛ رواه البخاري ومسلم.
والطِّيَرة هي التشاؤُم بمرئيٍّ أو مسموعٍ، وهي من أعمال المُشرِكين في الجاهلية؛ فقد كانوا يتشاءَمون بالطيور في اتجاه طيرانها وبأصواتها، ويتشاءَمون ببعض الأيام، وببعض الحوادث والمخلوقات التي تعرِضُ لهم، فيمنعُهم التشاؤُم والتطيُّر من المُضِيِّ في مقاصِدهم، أو يُحدِثُ لهم عزمًا وإرادةً على المُضِيِّ لحاجاتهم بالتطيُّر إذا رأوا أو سمِعوا ما يظنُّونَه مُؤثِّرًا في النجاح.
فأبطلَ الله - عز وجل - في الإسلام هذا التشاؤُم وهذا التطيُّر بجميع صُوره، فجاء الإسلامُ بالعقيدة الحقَّة والتوحيد الخالص، وأوجبَ التوكُّلَ على الله الذي بيده كلُّ شيءٍ، وعلَّقَ القلبَ بالخلق المُدبِّر.
عن الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطِّيَرةُ ما أمضاكَ أو ردَّك»؛ رواه أحمد.
قال عِكرمةُ: كنا جلوسًا عند ابن عباسٍ فمرَّ طائرٌ يصيحُ، فقال رجلٌ من القوم: خيرٌ خيرٌ، فقال ابن عباس: "لا خير ولا شر"، فأنكرَ عليه؛ لئلا يعتقِدَ تأثيرَه بالخير أو الشر.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبُه الفألُ - وهو الكلمةُ الطيبةُ - فيُسرُّ بذلك، ولا تُؤثِّرُ في عزمه فعلاً أو تركًا؛ لأن الفألَ فيه حُسنُ ظنٍّ بالله تعالى، وهو عملٌ صالحٌ بخلافِ سُوءِ الظنِّ فهو مُحرَّم.
والهامَة طائرٌ من طيور الليل، كانوا يتشاءمون بها إذا وقعَت على الدار، قال الرجلُ: "نعَت إليَّ نفسي!".
وكانوا يتشاءَمون بشهرِ صفرٍ، فأبطلَ الإسلامُ هذا الاعتقادَ الباطلَ كلَّه، ووجَّه القلوبَ إلى الخالق البارئِ الذي له مقاليدُ السماوات والأرض، وأوجبَ التوكُّلَ عليه، وبيَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حُكمَ الطِّيَرة.
فعن عبد الله بن مسعود مرفوعًا: «الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرةُ شِركٌ»؛ رواه أبو داود والترمذي.
وأما العدوَى التي نفَتْها الأحاديثُ؛ فمعناها: انتقالُ المرض بطبعه وذاتِه من المريضِ إلى الصحيحِ بالمُخالَطة، كما يعتقِدُها أهلُ الجاهلية، ويقطعون بإصابة السليم بالمرض من المريض، لا يلتفِتون إلى مشيئة الله، ولا يرُدُّون الإصابةَ إلى إرادة الله.
فأبطلَ الإسلامُ هذا الاعتقادَ الجاهليَّ، وردَّ الأمورَ كلَّها إلى الله تعالى، وإلى مشيئته وإرادته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكُن، وقد يشاءُ الله تعالى أن يجعلَ مُخالطةَ المريض للصحيح سببًا في حدوث المرض للصحيح، وقد يشاءُ الله ألا يتضرَّرَ الصحيحُ بمُخالَطة المريض؛ فالصحةُ والمرض كلٌّ منهُما بقُدرة الله تعالى.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُعدِي شيءٌ شيئًا». فقال أعرابيٌّ: يا رسول الله! النقطةُ من الجرَب تكون بمِشفَر البعير أو بذَنَبه في الإبل العظيمة، فتجرَبُ كلُّها! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فمن أجربَ الأوَّلَ؟! لا عدوَى ولا طِيَرة ولا هامَة، خلقَ الله كلَّ نفسٍ، وكتبَ حياتَها ومصائبَها ورزقَها»؛ رواه أحمد والترمذي.
وأما الأحاديث التي تتضمَّنُ اتقاءَ أسباب الأمراض؛ فليس في شيءٍ منها إثبات العدوَى، ولا تدلُّ على وقوع العدوَى بطبعِها، وإنما تتضمَّنُ هذه الأحاديث البُعدَ عن أسباب الشرِّ والضرَر إذا كان الإنسانُ في عافية، كما أن الإنسانَ مأمورٌ ألا يُلقِيَ نفسه في النار، ولا في السيل، ولا شُرب السُّمِّ، ولا يبيتُ على سطحٍ لا تحجيرَ عليه، إلى غير ذلك مما فيه ضررٌ مما هو منهيٌّ عنه.
فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُورِدُ مُمرِضٌ على مُصِحّ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وفِرَّ من المجذوم كما تفِرَّ من الأسد»؛ رواه أحمد، والبخاري تعليقًا.
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سمعتُم بالطاعون في بلَدٍ فلا تُقدِموا عليه، وإذا وقعَ ببلدٍ وأنتُم فيه فلا تخرُجوا منه»؛ رواه البخاري.
فهذه الأحاديثُ وأمثالُها ليس فيها إثباتَ العدوَى بطبعِها، وإنما بقُدرة الله - تبارك وتعالى - قد يجعلُ الله - عز وجل - المُخالطَة سببًا في مرضِ الصحيح، وإنما تتضمَّنُ اتِّقاءَ أسباب الشرِّ والضرر.
وفيها: سدُّ أبواب الشيطان التي يدخلُ منها على الإنسان، فيضُرُّ عقيدتَه، ويتسخَّطُ القدرَ، فيقول: لو أني ا فعلتُ هذا لَمَا أصابَني كذا.
وأما من قوِيَ وكمُلَ توكُّلُه على الله فهو على خيرٍ في جميع أحواله، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].
ومن الأسباب المُباحة: التطعيمُ الذي ثبَتَت منافعُه ضدَّ بعض الأمراض، وانتفَت مضارُّه في الحال والمآل.
ومن الأسباب المُباحة: الحَجر الصحيّ، والتوكُّل على الله أكمَل؛ لحديث السبعين الذين يدخُلون الجنَّةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ، وهمُ الذين لا يسترقُون ولا يكتَوُون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون.
وقد شاهَدنا نحن وغيرُنا من خالطَ من أُصيبَ بالجُدريِّ وأكلَ معَه، ومن أُصيبَ بالحَصبة - وهي من الأمراض المُعدِية - بإذن الله -، فلم يُصابُوا بشيءٍ من ذلك، وشاهَدنا في حجِّ هذا العام سلامةَ الحُجَّاج وعافيتَهم - ولله الحمد - من الأمراض الخَطيرة التي أرجَفَ بها بعضُ الناس، وسلامتهم فيما مضى من أعوام الحج وعافيتَهم، وسيُعافيهم الله - عز وجل - فيما يُستقبَل؛ فقد أدَّوا حجَّهم بطمأنينة، وسكينةٍ، ويُسرٍ، وسُهولةٍ، وأمنٍ، وإيمانٍ، وتيسُّر أرزاق، ورعاية صحيَّة، ووفور خدمات، وتحقُّق حاجات لهم من الله - تبارك وتعالى -.
فلله الحمدُ على ذلك كلِّه، ولله الحمدُ على أن جعلَ وُلاةَ أمر هذه البلاد أُمَناء على الحرمين الشريفين، يسعَون لكل ما فيه راحةُ الحُجَّاج والمُعتمِرين والزائرين، وتيسير أمورِهم، والأخذ على يدِ كل من يُريد بالحجِّ سُوءًا، وسيجِدون ذلك في صحائفهم عندما يجزِي الله المُحسنين.
ولكن قد ساءَ المُسلمينَ إساءةٌ عظيمةٌ، وشقَّ عليهم، وكدَّرَ صفوَ سُرورهم ما قامَت به فئةُ المُتسلِّلين عبرَ حُدود المملكة العربية السعودية في الشهر الحرام، فسفَكَت الدمَ الحرامَ، وأخافَت الآمِنين، وظنَّت هذه الفِئةُ أنها ستُحقِّقُ بعضَ أهدافها، ولكنَّ الله تعالى - بمنِّه وكرمِه - وقَى شرَّها، وردَّها على أعقابها خائبة.
نسألُ الله تعالى أن يُطفِئَ فتنةَ هذه الفِئة المُتسلِّلة المُعتدين، وأن يكُفَّ شرَّهم ويدحرَهم، في عافيةٍ لجُنودنا، وحفظٍ لحُدودنا، وأمنٍ للمُواطنين في الحُدود، وأن يتقبَّل المقتولين من الجنود في الشهداء؛ فإنهم قاتَلوا عن الدين، وحَوطَة الإسلام، وأن يرُدَّ المفقودين سالِمين، وأن يُحسِن عزاءَ خادمَ الحرمين ووُلاة الأمر وذوي المقتولين فيمن دافَعُوا عن حَوطَة الإسلام وماتوا.
فنسأل اللهَ - عز وجل - أنيغفِر لهم، وأن يُعيذَنا من مُضِلاَّت الفِتَن، وأن يحفظَ لنا أمنَنا واستقرارَنا، وفي هذه الساعة الُبارَكة ندعو بالعزاء والمغفرة لمن لقُوا ربَّهم يوم الأربعاء الثامن من هذا الشهر بسبب السيل. فأحسنَ اللهُ عزاءَ خادمَ الحرمين الشريفين فيهم، وأحسنَ اللهُ عزاءَ ذوِيهم وجميعَ أقربائهم، وأجارَهم في مُصيبتهم، وعوَّضَ الموتَى بحياتهم جناتِ النعيم، وأحسنَ الله عزاءَ وُلاة الأمر فيهم.
والصبرُ مركَبُ المُؤمنين، قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المُرسَلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ العظيمُ، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الوعد الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
عباد الله:
بادِروا بالأعمال الصالحات، واهجُروا المُحرَّمات، يا من حجَّ بيت الله الحرام! احفَظ حجَّك من المُبطِلات، وزكِّه بالطاعات.
يا من وُفِّقتَ لصيام عرفات! لا تأتِ من القبائح ما يُوجِبُ حِرمانَك من الخيرات.
يا من قدَّم قُربان الأضحى وصلَّى مع المُسلمين! قد أصبتَ خيرًا كثيرًا، فتزوَّد ليوم الممات، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 33].
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ».
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيّك يا رب العالمين، يا قوي يا عزيز.
اللهم أظهِر أنوارَ السنة، اللهم أظهِر أنوارَ السنة في مكانٍ يا رب العالمين وكل زمان، اللهم أبطِل البِدعَ، وأذِلَّ أهلَها يا رب العالمين، واجعلنا ممن اتَّبعَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإحسانٍ، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، اللهم ألِّف بين قلوب المُسلمين، اللهم يا رب العالمين اغفِر لنا وللمُسلمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اغفِر لأمواتنا وأموات المُسلمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، اللهم واجمع به كلمةَ المُسلمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، وأصلِح له بطانتَه، اللهم أعِنه على ما تُحبُّ وترضى، وعلى ما فيه الخيرُ للإسلام والمُسلمين والبلاد والعباد، اللهم وفِّق وليَّ عهده لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، اللهم وفِّق النائبَ الثاني لما تحبُّ وترضى، ولما فيه الخيرُ والعِزُّ للإسلام والمُسلمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/ksa.amn
 
خطبة الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 02 نوفمبر 2012 م
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خطبة الجمعة 24 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 09 نوفمبر 2012 م
» خطبة الجمعة 03 ذو الحجة 1433 هـ. الموافق 19 أكتوبر 2012 م
» خطبة الجمعة 19 ذو القعدة 1433 هـ. الموافق 05 أكتوبر 2012 م
» خطبة الجمعة 12 ذو القعدة 1433 هـ. الموافق 28 سبتمبر 2012
» خطبة الجمعة 26 ذو القعدة 1433 هـ. الموافق 12 أكتوبر 2012

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة الاخلاص الاسلامية :: منتدى الحدث ( قضايا الأمة الإسلامية)-
انتقل الى: