كلمة الاقتصادية
من الأسباب الرئيسة لـ ''ضمان'' اندلاع أزمة اقتصادية أو محلية، تقاذُف السياسيين الاقتصاد فيما بينهم. لنتذكر فقط الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت عام 2008، ولم تتوقف حممها حتى الآن، على الرغم من تطمينات المتفائلين (الذين يتناقصون) بانفراج قريب! حكومات الدول الكبرى ''سيّست'' اقتصاداتها، بحثاً عن مقاعد إضافية في برلماناتها، بما يضمن لها الاستمرار أطول فترة ممكنة. الذي حدث.. انفجار أزمة تاريخية، فجّرت معها ''المُسيسين'' أنفسهم، الذين استعاروا ضمناً المقولة الشعبية العربية ''يا ريت اللي جرى ما كان''، وهم يسمعون أولئك القلائل من الذين حذّروا يردّدون بتشفٍ ''قلنا لكم.. ولم تسمعوا''، ويتابعون ''وصفتمونا بالجهلة والمتشائمين.. بل أعداء النجاح. ها أنتم تحصدون الخراب''.
لكن يبدو أن البعض لا يتعلم، أو بالأحرى لا يريد أن يتعلم. فمغريات السياسة وإن كانت مرحلية ومؤقتة، أكثر حضوراً من هموم الاقتصاد، على الرغم من أنه يمكن العثور على مغريات في الاقتصاد، لكن ليس قبل أن يتم التعاطي معه بتجرد، ووفق الحقائق والأرقام، لا المناورات والتكتلات السياسية، و''السراديب'' الحزبية. في اليابان مشكلة كبيرة للغاية، أبطالها (طبعاً) السياسيون اللاعبون بالاقتصاد. فقد وضع هؤلاء جانباً، حقيقة أن الاقتصاد بات (بعد الأزمة الكبرى)، هو المؤشر لاستمرارهم. وهذا بحد ذاته بمنزلة رصاصة تستقر بالقرب من شريان حياتهم السياسية، فيما لو كان الهدف محظوظاً. فالحكومة تسعى إلى بيع السندات، في سياق مواجهتها المتواصلة (كغيرها من الدول الكبرى) لآثار الأزمة الاقتصادية، بينما يقف نواب المعارضة في البرلمان، في طريق صدور تشريع يسمح لها بالإقدام على هذه الخطوة.
الأمر خطير بالفعل. ولأنه كذلك يصعب اتهام رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا بالمبالغة حين قال: ''إن البلاد على وشك الشلل الكامل، إذا لم يتجاوز السياسيون خلافاتهم، ويعملون على إقرار يجيز إصدار السندات''. ولولا الحقائق الخطيرة، لكان من السهل وصف كلامه بالمبالغة، على اعتبار أن السياسيين (بشكل عام) أكثر الشرائح ''بلاغة'' بالمبالغة. استحقاق الميزانية العامة للعام المالي 2012 و2013، يحتم بالفعل، إبعاد السياسة عن مثل هذا القرار المحوري. فقد دخلت اليابان في مخاطر العجز عن السداد، على طريقة دخول الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في هذه المخاطر سابقاً. وهذا يمثل ضربة اقتصادية تاريخية لدولة كبرى كاليابان، لا تعيش فقط على حراكها الاقتصادي الهائل، بل على سمعتها أيضاً.
والمصيبة التي تواجهها اليابان حالياً، أن نواب اليمين الذي يعطلون إصدار الموافقة البرلمانية، لا يقومون بذلك من منطلق اقتصادي، أي بحساب الربح والخسارة من بيع السندات، بل يسعون من خلال تعطيل مشروع قرار حيوي يوفر 40 في المائة للميزانية العامة، إلى إجبار رئيس الوزراء على الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.. أي أن يحل البرلمان. هذه المناورة السياسية ستكون طبيعية، لو كان الوضع الاقتصادي الياباني طبيعياً، لكنها الآن قاتلة، في وقت يجب على صانعي القرار في البلاد، التحرُّك على مختلف الجهات، للحفاظ على سمعة ومكانة بلادهم الاقتصادية. فحتى اليابان نفسها لا تتحمّل عجزاً يصل إلى 40 في المائة، بينما فقدت (كغيرها من الدول الكبرى) الكثير من مناعتها الاقتصادية التي كانت تتمتع بها قبل الأزمة.
لو نظر المعارضون للقرار (بصرف النظر عن أسباب معارضتهم) إلى المشهد بشكل عام، لوجدوا أن المناورات السياسية على الساحة الاقتصادية الآن، هي في الواقع تعطيل مع سبق الإصرار والترصد، للحراك المطلوب من أجل تخفيف الضغوط على الحياة اليومية للناخب، الذي سيتذكر حتماً (في الانتخابات المقبلة) مَن عطّل المحركات الاقتصادية في بلاده، بل مَن لم يسهم في تشغيل كل المحركات.
موضوع: عندما يلعب السياسيون بالاقتصاد 
السبت نوفمبر 10, 2012 1:19 am
