طلعت زكي حافظ
الحادثتان المأساويتان اللتان وقعتا في هجرة ''عين دار الجديدة'' في محافظة بقيق في المنطقة الشرقية بتاريخ 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وفي مدينة الرياض بتاريخ الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، تطرح العديد من التساؤلات وتفتح العديد من الملفات، التي لها علاقة بوسائل السلامة والوقاية، والتعامل مع الأزمات أو بالأحرى حسن إدارتها في السعودية.
من الواضح جداً أن وقوع الحادثتين المذكورتين وتسببهما في حدوث أضرار بشرية كبيرة ما بين قتلى وجرحى ومادية جسيمة، تمثلت في تدمير للممتلكات، كان نتيجة تدن في وسائل السلامة والوقاية، مما ضاعف من حجم تلك الخسائر، الأمر الذي يؤكد أن الحادث الذي وقع في المنطقة الشرقية وتسبب في وفاة عدد كبير من النساء والأطفال حرقا خلال حفل زفاف كان نتيجة تعرضهم لصعق كهربائي داخل مخيم في حوش غير مرخص في الأساس وغير مهيأ لإقامة الأفراح ويفتقر للحد الأدنى من وسائل السلامة، كما أن إطلاق أعيرة نارية في الهواء ''ابتهاجاً بالمناسبة'' والتي تسببت في سقوط شريط كهربائي ناقل للضغط العالي على الحوش، قد فاقم من حجم الكارثة ومن قيمة الخسائر البشرية.
وما يؤكد أيضاً تدني وسائل الوقاية والسلامة في منشآتنا وفي طرقنا العامة وفي المباني السكنية والتجارية، حادث حريق شاحنة الغاز، الذي وقع شرقي مدينة الرياض، وتسبب في وفاة 22 شخصا وإصابة 133 آخرين، نتيجة انفجار صهريج غاز لدى اصطدامه بأحد الجسور في منطقة خريص، حيث إن ضعفا في وسائل السلامة والوقاية المتمثل في السماح لناقلات تحمل مواد سريعة الاشتعال وشديدة الانفجار أن تعبر طريقا عاما يخترق منطقة اختلطت فيها المباني السكنية بالمباني التجارية، إضافة إلى غياب إجراءات وخطط واضحة لمنع التجمهر حول الحادث، قد أسهم بشكل كبير مضاعفة الخسائر المادية والبشرية، ولا سيما أن معظم الضحايا والإصابات التي وقعت كانت بين المتجمهرين.
هذه الحوادث وغيرها التي حدثت على مستوى البلاد خلال الفترة الماضية، تتطلب من الجهات المعنية بالأمن والسلامة، إعادة النظر في متطلبات واشتراطات الوقاية والسلامة، إضافة إلى التفكير جدياً في تأسيس جهاز متخصص يُعنى بإدارة الكوارث والأزمات المحتملة التي قد تحدث ـــ لا سمح الله ـــ في السعودية نتيجة لعوامل بيئية أو لعوامل أخرى مثل نشوب الحرائق والحوادث المرورية المروعة، حيث إن المتابع للحوادث المأساوية التي حدثت على مستوى البلاد من حرائق في مدارس وفي مجمعات سكنية وتجارية، واجتياح السيول للمدن وتسببها في إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات، يؤكد أهمية وجود مثل هذا الجهاز، وذلك للعديد من الأسباب، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قدرة هذا الجهاز على التنبؤ واكتشاف الخطر بأسلوب علمي وعملي دقيق قبل وقوعه، والتحذير بأضراره وتبعاته المحتملة. ومن بين مزايا هذا الجهاز أيضاً، تحديد الاستعدادات والتحضيرات اللازمة بشكل مسبق للتعامل مع الكارثة المتوقعة بقصد منع وقوع حدوثها أو للإقلال من آثارها، إضافة إلى العمل على احتواء أضرار الكارثة وحصر دائرتها في محيط ضيق جداً، من خلال تنفيذ خطط الطوارئ، للحيلولة دون تفاقمها وانتشارها. ومن بين مزايا هذا الجهاز كذلك توحيد مصدر المعلومة عن الكارثة بهدف القضاء على الأخبار والأقاويل غير الدقيقة التي عادة ما تصاحب حدوث الكوارث والأزمات وتتسبب في انتشار الشائعات المضللة للرأي العام. كما أن وجود مثل هذا الجهاز سيعمل على إيجاد نظام اتصالات داخلي وخارجي فعّال يساعد على توفير المعلومات لمحتاجيها وللمتضررين من الحوادث والكوارث بشكل دقيق ومدروس.
أخيراً وليس آخراً، يجب التفكير في سرعة تخصيص مسارات للطوارئ على الطرقات العامة لاستخدامها فقط من قبل مركبات فرق الإنقاذ المختلفة، كمركبات الدفاع المدني والهلال الأحمر السعودي، ومركبات الإسعاف الخاصة بالمستشفيات العامة والخاصة. كما أن الأمر يتطلب تخصيص طرق أو مسارات خاصة لسيارات النقل والشاحنات الكبيرة، وبالذات التي تنقل مواد سامة وخطرة، حيث يحد من مزاحمتها المركبات الصغيرة ويقلل أيضاً من حجم الأضرار والتلفيات التي قد تحدث في حالة وقوع الحوادث، مع ضرورة إخضاع المركبات والشاحنات الكبيرة وقائديها لاختبارات قاسية للتأكد من سلامة المركبة وقدرات قائدها الفنية والجسدية والذهنية بما في ذلك النفسية. كما أنه من الضروري جداً سن قوانين وعقوبات قاسية وصارمة تحد من حالات التجمهر، وفي الوقت نفسه وضع قوانين وأنظمة تنظم عملية التطوع.
ولتفادي وقوع حالات انفجار أنابيب الغاز المتواجدة في المنازل، يجب التفكير في تمديد شبكات غاز أرضية، يمكن من خلالها إيصال الغاز للمنازل دون الحاجة إلى وجود تلك الأنابيب. ولتفادي كذلك حوادث الصعق الكهربائي، فإن الأمر يتطلب إعادة دراسة توزيع أعمدة الكهرباء بشكل عام وأعمدة كهرباء الضغط العالي بشكل خاص، حيث تكون بعيدة عن المباني السكنية والتجارية بقدر الإمكان، وذلك بهدف تفادي حدوث خسائر بشرية ومادية في حالة وقوع الحوادث ـــ لا سمح الله.
موضوع: حادثتا شرق الرياض وبقيق والدروس المستفادة 
السبت نوفمبر 10, 2012 1:38 am
