سليمان بن عبدالله الرويشد
من الجهود موضع التقدير التي قامت بها مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي منذ مباشرتها لأنشطتها هو القيام بإجراء المسوحات العلمية والدراسات الميدانية للتجمعات السكانية الأكثر حاجة للسكن في مناطق المملكة، بهدف تنفيذ المشروعات الإسكانية التنموية بها، وفق قواعد ومعايير علمية، واعتبارات اجتماعية واضحة ومحددة، وقد تمحورت تلك المسوحات والدراسات العلمية حول تحديد حجم الحاجة للسكن لدى الشرائح الفقيرة في مناطق المملكة وإبراز التجمعات الأشد حاجة للسكن في تلك المناطق، و نشرت تلك الدراسات في سلسلة إصدارات تحت عنوان " دراسة الحاجة للسكن في المجتمع السعودي"، حيث قامت إدارة الدراسات والأبحاث في المؤسسة بتنفيذها على مستوى مناطق المملكة، وتم تخصيص جزء مستقل لكل منطقة من المناطق الرئيسية، تم من خلاله التركيز على تحديد حجم الحاجة للسكن في كل منطقة، وتبيان المحافظات والمدن والقرى التي تشتد بها الحاجة للسكن مقارنة بغيرها على مستوى المنطقة.
لقد حرصت سلسلة تلك الدراسات التي قامت بها المؤسسة على التعرف عن مدى الحاجة للسكن في مناطق المملكة، سواء على مستوى الأسر الفقيرة من جانب، أو على مستوى التجمعات السكانية من جانب آخر، و فيما يتعلق بالثاني منها، سعت تلك السلسلة من الدراسات إلى تقصي أوضاع المحافظات والمدن والقرى التي ترتفع فيها الحاجة للسكن، وفقاً للمعايير المرتبطة بذلك، التي من أهمها نوع المسكن ويندرج تحته المساكن الشعبية والمساكن المكونة من العشش والصنادق و الخيام وكذلك مادة البناء و تشمل المنازل المشيدة من الطين والحجر والمواد التقليدية الأخرى، يضاف إلى ذلك ملكية المساكن من عدمها، حيث إن ارتفاع نسبة تلك المساكن وفقاً لتلك المعايير الثلاثة المشار إليها تعد مؤشراً موضوعياً على وجود حاجة واضحة للسكن.
لقد تم استخدام بيانات تلك المسوحات الميدانية في بناء مؤشرات إحصائية لتقييم الحاجة للسكن بمناطق المملكة تمثلت في معدلات المساكن الرديئة، ومعدلات المساكن المبنية من مواد بناء متواضعة، وكذلك معدلات المساكن غير المملوكة للقاطنين بها، وذلك على مستوى التجمعات السكانية التي لا يقل عدد الأسر فيها عن مائة أسرة، على اعتبار أن تلك التجمعات السكانية هي تجمعات قابلة للنمو بخلاف من هي أقل حجم من ذلك.
لقد اتضح من نتائج تلك المسوحات والدراسات الميدانية أن نسبة ليست بالقليلة من تلك التجمعات السكانية تقع ضمن التجمعات الأكثر حاجة للسكن، حيث بلغت المعدلات فيما يتعلق بالمساكن الرديئة و مواد البناء المستخدمة في تشييدها وملكية تلك المساكن للمقيمين بها نسبة تفوق 50٪ من الوحدات السكنية في تلك التجمعات، و ربما وصلت النسبة إلى أعلى من ذلك بكثير في البعض منها.
إن تلك الدراسات هي في الواقع على قدر كبير من الأهمية وذلك من حيث الاستناد إليها كمؤشر في توجيه التنمية بالمناطق التي توجد بها تلك التجمعات السكانية، وبالذات من لا تملك مقومات النمو المستقبلي من تلك التجمعات، أو حتى التي لا تمتلك سوى الحد الأدنى من ذلك، لذا قد يكون توظيف مشاريع الإسكان الحكومية آلية لجذب سكان تلك التجمعات للانتقال إلى التجمعات السكانية المجاورة، التي تمتلك مقومات التنمية الأساسية والقابلية للنمو، هو من أفضل البدائل المتاحة التي يمكن أن نحقق من خلالها التقليل من العدد الضخم للتجمعات السكانية لدينا في المملكة، التي تزيد عن العشرة آلاف تجمع، فمقدارها وتبعثرها هو في الواقع من يجعل حجم الإنفاق التنموي الضخم عليها يتشرذم حين يتم توزيعه بين مشروعاتها الاستثمارية والخدمية.