يواصل السوريون فِرارهم من مناطق الحرب التي يستهدفها طيران نظام الأسد ويقصفها بلا تمييز. ويوم أمس فرّ نحو تسعة آلاف سوري من مناطق حدودية إلى تركيا. وهذا العدد الكثير من الهاربين يدل على أن الأزمة السورية تشتد، وان النظام يشنّ هجمات عشوائية وبقسوة، كلما ضاقت به السبل، وكلما صغرت دائرة مناورته وكلما اقترب من الخطر.
ويتمثل الخطر على النظام في أن الجيش السوري الحُر بدأ يكسب أراضي في درعا ودمشق والشمال والشرق وتطال عملياته مناطق محصّنة في دمشق نفسها وقرب قصور الأسد، بعكس تعهّدات إعلام النظام ومحلليه الذين كانوا، ومنذ شهور، يبشِّرون أنفسهم وأتباعهم ورعاتهم بمعارك كبرى في حلب وهزيمة المعارضة في أيام معدودات.
ويبدو أن النظام وأتباعه قد نسوا تهديداتهم وتصريحاتهم واستخفافاتهم المقززة، بالثورة السورية، بعد أن بدأ الجيش السوري الحُر يُسدّد ضربات نوعية للنظام وقواته وميليشياته وأتباعه في محاور كثيرة ومواقع استراتيجية.
ويخشى النظام من تفتت قواه لهذا يرد بقسوة وانفعالية، خاصة بعد أن بدت الحبائك الإيرانية الروسية غير مفيدة لكبح الثورة.
وبعد أن بدأ مفعول السحر الروسي ينضب، مع إعادة انتخاب رئيس أمريكي جديد، يتعيّن الآن على الثورة السورية أن تواجه نفسها، وأن تتصرف بسرعة وشجاعة لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت ومنها تشرذم القيادات السياسية للثورة وتعدد الفصائل العسكرية. ومن هذه الأخطاء أن المجموعات السورية كانت تستمع لنصائح كثيرة وليس في ذلك عيب، غير أنه كان يجب أن تعتمد استراتيجية واضحة للتعاطي مع الآخرين، هي العمل الجماعي الموحّد لإسقاط النظام وانقاذ السوريين من مذابح الأسد وأن يكون ذلك معيارًا وحيدًا تحدَّد على ضوئه العلاقات مع العالم الخارجي.
وإذا ما توحّدت قوى الثورة السورية سياسيًا، وبالتالي عسكريًا، فإن دول العالم سوف تسعى إلى طلب ود الثورة وتقديم دعم حقيقي لها، بدلًا من أن يتراكض زعماء المجموعات السياسية فرادى ليدقوا أبوابًا موصدة، بسبب كثرة الطارقين وفوضى المندوبين والممثلين وتعدّد مشاربهم واولوياتهم. بينما كان يجب أن تكون الأولوية لدى كل واحد من قادة المجموعات السياسية واضحة هي اسقاط النظام وانقاذ الناس، ثم ليختلف السوريون كما شاءوا، وليتجادلوا كما يريدون، في الكيفية التي يودون فيها حكم بلادهم.