د. محمد عثمان الثبيتي
لا تستغربوا العنوان - قرائي الكرام - فهو نتيجة منطقية لواقع مؤلم ندفع ثمن تبعاته غالياً في كل يوم مادياً ومعنوياً ، فإذا كان ثمة جمعيات أنشئت لحماية الإنسان والحيوان من الإسقاطات السلبية والممارسات غير الحضارية تجاههما ، وتُجريم هذه الممارسات ، ومُحاكمة مُرتكبيها ، فالجماد مُكوِّن ثالث للحياة ومن حقه أن يُرْحَم من مُستخدميه كما يُرْحم الإنسان والحيوان ، ولكن يبدو أن شيئاً من هذا لا يُطبق ، الأمر الذي جعلني أُطالب وأنا في كامل قواي العقلية بإنشاء جمعية لحماية الجماد ، تكون مهمتها حماية الشوارع - تحديداً - من عبث بعض أمانات المدن وبلدياتها غير المنطقية والمتصفة - للأسف الشديد - بسمة الاستمرارية والديمومة .
إن ما يُمارَس في بعض الشوارع من هدر لكل الإمكانات بحُجة التطوير وتقديم الخدمات للفئة المُستهدفة - على الصفة التي نراها الآن - أمرٌ يُثير الكثير من الاستغراب والاشمئزاز في وقت واحد ، فالتنسيق معدوم بين الأجهزة الحكومية المُقدِّمة للخدمات ، وجودة التنفيذ في أدنى صورها ، والمُستفيد الفعلي - المواطن - للأسف هو كبش الفداء في هذه المسرحية التراجيدية التي تتوالى مشاهدها دون أن يلوح بارقة أمل في الأفق لتعديل الوضع ، وتقويم الإعوجاج .
ليس ما ذكرته - أعلاه - تجنيِّاً على أحد ، أو موجهاً لجهة بعينها دون أخرى ، ولكن الجميع يُشاهد وفي ذات الوقت يُعاني من الشوارع التي يسلكها ذهاباً وإياباً ، فإما أن تسير في متاهة حتى تصل مبلغك الآمن ، أو أن تِسير بشكل طولي وتواجهك مجموعة من الحفر وعدم التسوية الجيدة الناتجة عن سوء التنفيذ وتكون لك ولسيارتك بالمرصاد ، وكل هذه المعاناة - من وجهة نظري - لا تعدو كونها إهداراً للمال العام ، وعدم اكتراث بكل الأصوات الناصحة لهذه الجهات بإعادة النظر في آليِّات عملها ، وضرورة إنشاء لجنة مُشتركة يُمثل كل جهة شخص ، وتقوم بمهمة التنسيق في تنفيذ المشاريع الخدمية زمنياً وفق المُخصصات المادية الممنوحة لكل جهة من مرجعها الإداري .
إن الاستمرار في اهدار مقدرات الوطن سينعكس - سلباً - على تحقيق التنمية المُستدامة جرَّاء التكاليف الباهظة التي ترصدها الدولة في كل ميزانية سنوية ، في الوقت الذي كان من المُفترض إنهاؤها في موازنة واحدة ، وبشكل احترافي عن طريق الاستفادة من خبرات الدول الأخرى ، وتحقيق هدفين مزدوجين في وقت واحد ،يتمثل الأول في توجيه المبالغ المالية التي تُصرف في كل مرة لمجالات أخرى تحتاجها مسارات التنمية ، بينما يُريح الثاني المواطنين من عناء الحفر المستمر للشوارع ، ناهيكم عن تدني مستوى الجودة مما يترتب عليه تلف مركباتهم ، والتسبب في بعض حوادث السير .
تتحمل إمارات المناطق والمحافظات القيام بمهمة التنسيق بين الأجهزة الخدمية ؛ على اعتبار أنها ضابطة إيقاع لكل ما يُنفذ في حدودها الإدارية ، الأمر الذي يجعل دورها يتعاظم في سرعة إنشاء لجنة مُشتركة تكون تحت مظلتها - إشرافياً - للجهات التالية : أمانة أو بلدية المدينة ، مصلحة المياه والصرف الصحي ، شركة الكهرباء ، وشركات الاتصال ، تُعنى في البداية بدراسة احتياج المدينة كاملة - الحالي والمستقبلي - من الخدمات ، وبناءً على نتائج هذه الدراسات تقوم - ثانياً - بإرساء المشاريع بشكل متكامل ، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون شركات مُتحصصة في هذا المجال ، إضافة إلى عدم إغفال عملية الاستلام التي غالباً ما يشوبها التساهل بين الشركة أو المؤسسة المُنفذة ومهندس الجهة المُستلِمة ، مما ينعكس سلباً - على جودة التنفيذ .