وعدتني بالهبوط على المريخ وأعطتني (فيسبوك)

عبدالله بن بخيت

جاء هذا العنوان على صدر مجلة (ام آي تي تكنولوجي رفيو)M I T Technology review : كلام يختصر مسيرة الآمال والخيبات التي تعرض لها الإنسان في الأربعين سنة الماضية التي تفصل بين هبوط الإنسان على القمر، وبين ايامنا هذه التي نصرفها امام الشاشات نتبادل عبارات الغزل أو الشتائم في المواقع الاجتماعية (الفيسبوك والتويتر وقوقول بلص).

لماذا قدمت التكنولوجيا هذا الكم الهائل من الأجهزة التي نتسلى بها وعجزت عن حل مشاكل الإنسان الاساسية؟

ما الذي يعنيه أن يقدر إنسان في الرياض أن يتخاطب مع إنسان في الصين بالصوت والصورة ويعجز في الوقت نفسه عن تقديم علاج لعزيز يعاني من السرطان أو الخرف أو ضعف القلب. لماذا خيبت التكنولوجيا آمالنا؟

حتى صار أقصى ما نطمح إليه أن تطور شركة إبل وضوح الشاشة، وان ترفع سامسونج عدد البكسلات في الكاميرا. ما الذي حدث في الاربعين سنة الماضية؟

ان افضل طريقة نعرف بها الفرق الجوهري بين زمن الستينيات وايامنا هذه ان تتخيل الفرق بين الهبوط على القمر واختراع الآيفون.

من الصعب تفهم النصر الذي حققه الإنسان بالصعود إلى القمر دون النظر إلى الصورة الكلية لنوعية التقدم التقني وصورته الايدلوجية والغرور الذي مس الإنسان في ذلك الزمن. اتصف القرن العشرين وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي بتدفق الاكتشافات والاختراعات العظيمة: تدشين خطوط الانتاج. تحليق الطائرات العسكرية والمدنية. اكتشاف المضادات الحيوية واللقاحات. القضاء او التصدي لاهم الأمراض كالجدري والسل. على مدى آلاف السنين كانت السرعة القصوى التي يملكها الإنسان متوقفة على ما كان يجود به الحصان ثم تجاوزتها القطارات، وفي القرن العشرين دخلت السيارات ثم جاءت الطائرات التي تحسب سرعتها بمئات الكيلومترات في الساعة ثم اخترع الصاروخ الذي يقطع مسافة اربعة آلاف كيلو متر في الساعة الواحدة، واخيرا تم تدشين الصاروخ الذي أقل مركبة ابوللو إلى القمر بسرعة خمسة وعشرين الف كيلو متر في الساعة.

لكن علينا ان نعرف أن الوصول إلى القمر لم يكن ثمرة تقدم تقني متلاحق بل ثمرة إرادة سياسية ايضا. امام المنافسة الشرسة مع الروس اصدر الرئيس الأمريكية جون كيندي عام 1961 قرارا بالسفر إلى القمر خلال عشر سنوات. لتنفيذ الإرادة السياسية تم تجنيد امريكا بأسرها. كلفت رحلة ابوللو الحكومة الأمريكية 180 بليون دولار بقيمة الدولار اليوم. في منتصف الستينيات صارت وكالة ناسا تتمتع ب 4% من ميزانية أغنى دولة في العالم. وظف البرنامج حوالي اربعمائة ألف إنسان وتطلّب تعاون عشرين ألف مؤسسة ما بين شركات وجامعات وإدارات حكومية.

باختصار استعارت امريكا تكنولوجيا المستقبل لتنفيذ برنامجها العظيم. لكن هذا يجب الا يضللنا، ليس كل الاختراعات الاختراقية تتطلب اموالا طائلة وجهودا عظيمة. كل الاختراعات والاكتشافات الرائعة الموجهة لمستقبل الإنسان حدثت بأقل التكاليف ولكن بإرادة سياسية عليا.

ما يجري اليوم أن الاستثمارات المالية صارت تذهب إلى المنتجات البهرجية مثل الجوالات واللاب تبات وإضافات الرفاهية في السيارات والبيوت وغيرها. تأثير سقوط الاتحاد السوفياتي أمر جلي. تفرد الرأسمالية أوقف التقدم الاختراقي ونشر ثقافة مخترعات البهرجة التي تدور حول نفسها. كان الصراع بين السوفيات والامريكان على كسب الإنسان نفسه (لأنه صراع أيدلوجي) اما صراع اليوم فساحته جيب الإنسان لانه قائم على الارباح فقط.