د. صالح السلطان
لا قيام للمدنية والحضارة من دون السلع العامة، بل هي مادة الحضارة. الأمن والسلامة والتنمية والتطور والنمو الاقتصادي سلع عامة، استقرار الاقتصاد سلعة عامة، السلع العامة سبب فوز الديمقراطيين على الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية، وتخصيصا فوز أوباما على رومني.
والسلع العامة مثال لفشل السوق. والسلع العامة في المصطلح الاقتصادي تعني سلعا تمتاز بخصيصتين: لا تقبل الاستبعاد ولا تقبل المزاحمة. استهلاك الفرد منها لا يترتب عليه استبعاد غيره من المشاركة في الاستهلاك، ولا يترتب عليه التزاحم في الاستهلاك.
أما فشل السوق، فعبارة في المصطلح الاقتصادي تصف وضعا لا يوفر فيه السوق سلعا وخدمات بالمستوى الأمثل اجتماعيا، ما يبرر تدخل الحكومة. وأسباب فشل السوق كثيرة، من أبرزها إحدى الصفات التالية:
- وجود خصائص في السلعة بحيث تجعل السلعة تخضع سوقيا لفرد أو مؤسسة أو فئة.
- طبيعة السلعة تحمل تأثيرات وأبعادا خارجية أو إضافية، بحيث تجعل أسعارها لا تعكس تكاليفها على أو منافعها للمجتمع، أو تجعل تكلفتها زائدة عن مقدرة المستهلك.
- استهلاك/استفادة السلعة يتصف بأنه غير تزاحمي. استهلاك سلعة بعينها من قبل فرد لا يقلل أو يؤثر سلبا في استفادة آخرين منها في الوقت نفسه.
السلع العامة لا تنجح بالاعتماد على السوق وحدها، وتبعا لذلك فإن استقرار الاقتصاد لا يتحقق بالاعتماد على السوق وحدها، ولنا في الأزمة المالية خير مثال.
نعرف أن العالم واقع تحت أزمة اقتصادية، أصلها مالي. وهذه الأزمة توصف أحيانا بوصف يفهم منه فقد الاستقرار الاقتصادي. ومضى حين من الدهر ظنت أكثرية علماء الاقتصاد أن الاستقرار يحققه اقتصاد السوق. والاستقرار يعني توازن العرض والطلب، ما يعني افتراض تحققه تلقائيا، وعدم الحاجة إلى تدخل الحكومة. وبلغة العرض والطلب، يتوافر العرض من الاستقرار تلقائيا.
الافتراض السابق لا تعززه بنية الاقتصادات الحديثة. مثلا في الاقتصادات السوقية، بالإمكان توسيع الائتمان عبر زيادة عرض النقود، وزيادة عرض النقود تقابلها زيادة الخصوم في القوائم المالية للقطاع الخاص، وينتج من هذه العملية فقد الاستقرار في الاقتصاد.
مثال آخر، طبيعة التوسع والتطور الصناعي والتقني في الغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حفزت منشآت على تكوين تكتل لتسهيل أعمالها وزيادة أرباحها تحت سلطة رقابية تسمى مجالس الأمناء. وجنحت هذه التكتلات إلى التضييق على دخول المنافسين بهدف إبقاء الأسعار أعلى من الأسعار التنافسية، وهي عملية تسمى تقنيا ''الممارسات السعرية غير العادلة''. وقد تلجأ هذه التكتلات إلى خفض الأسعار دون التكلفة لفترة مؤقتة بغرض الإضرار بالمنافسين الصغار ومحاولة إجبارهم على الخروج من السوق.
تلك الأحداث دفعت المشرعين في دول غربية إلى إصدار قوانين مكافحة التكتل والاحتكار. الهدف النهائي من قوانين مكافحة الممارسات والتكتلات الاحتكارية، خفض الأسعار وتوسيع الإنتاج.
فئة من أهل التشريع ذوي التوجهات اليسارية ترى أن الحل بدخول الحكومة في الإنتاج، وهؤلاء يوسعون دائرة السلع العامة توسيعا، لكن التيار السائد لا يدعم هذا التوجه.
هناك مصادر أخرى لتشوهات السوق وأهمها وجود صعوبات في الحصول على المعلومات (أو الاستفادة منها) ووجود تأثيرات خارجية. شراء الدواء يعد من أشهر أمثلة مشكلة نقص المعلومات التي تتطلب تدخل الحكومة.
ستبقى مشكلة حدود السلع العامة في نقاشات الناس وفي نقاشات المفكرين وأهل التشريع وأهل الاقتصاد، بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. حل المشكلة عند أقصى اليسار في إزالة الحدود. أي جعل كل السلع عامة. مثلا، عند كارل ماركس، الذي انبثقت الشيوعية من تنظيراته، أن الحل هو سيطرة الناس على وسائل الإنتاج. ولن أدخل في نقاش عن فشل هذا الحل. بينما يرى أقصى اليمين تضييق التدخل الحكومي في الاقتصاد إلى أكبر ما يمكن. حدود السلع العامة لدى الأغلبية ومنذ عشرات السنين في الوسط. ويلاحظ أن هذا الوسط في اتساع مع مرور الوقت لمزيد من السلع العامة.
موضوع: السلع العامة في ازدياد 
الأحد نوفمبر 11, 2012 9:50 pm
