شبكة الاخلاص الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبكة الاخلاص الاسلامية

منتدي اسلامي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم الجهاد في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ساعد وطني




المساهمات : 1248
تاريخ التسجيل : 26/09/2012
الموقع : K.S.A

مفهوم الجهاد في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الجهاد في الإسلام   مفهوم الجهاد في الإسلام Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 29, 2012 3:48 am

أولا: كلمة فضيلة الدكتور فهد بن سليمان الفهيد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، سيد الأولين والآخرين، وحجة الله على الخلق أجمعين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الجهاد هو ذروة سَنَامِ الإسلام كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أمر الله -جل وعلا- به في كتابه، وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأخبر أن منازل أهله هي أعلى المنازل في الْجِنَانِ وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذروة العليا منه، وقام بجميع أنواعه أتم قيام، فجاهد في الله حق جهاده، بالقلب، والدعوة والبيان، والسيف والسِّنان.

الجهاد أنواع ومراتب

إن الجهاد أنواع ومراتب ومنازل، ولكل مقام مقال قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [سورة التوبة: الآية 73].

الجهاد بالحجة والبيان:

قال الله -جل وعلا- في سورة الفرقان للنبي -صلى الله عليه وسلم -: ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان: الآية 52] أي بالقرآن، ومعلوم أن سورة الفرقان مكية نزلت قبل مشروعية القتال للأعداء، فعلم بذلك أن قوله: ﴿وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان: الآية 52] هو جهاد الكفار بالحجة والبيان، وتبليغ القرآن، وهذا معلوم من الأمر بجهاد المنافقين في الآية السابقة، فإن المنافقين تحت قهر أهل الإسلام، فجهادهم بتبليغ الحجة، وهذا أصعب من جهاد الكفار -أعني جهاد المنافقين- لما يحتاج فيه إلى العلم بالدين، والمعرفة بتفاصيل الشريعة، فهذا جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به هم أفراد في العالم، فهم الأعظم أجرًا، والأعلى عند الله قدرًا.

صح في الحديث عند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ»( 1) ومعناه: المجاهد الكامل الذي قام بجميع أنواع الطاعات، فجاهد نفسه في طاعة الله، وهجر المعاصي والمحرمات، فبدأ بنفسه، وهذا هو الأصل أن يبدأ الإنسان بجهاد نفسه، فابدأ بنفسك ثم بمن تعول، فجهاد النفس وتقويمها مقدم على جهاد العدو، وقد بسط العلماء ذلك في كتب الفقه والسيرة، ومن أحسن الكتب التي ذكرت مراتب الجهاد كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" -صلى الله عليه وسلم- لابن قيم الجوزية، في المجلد الثالث، فقد تحدث بحديث واسع ومفيد عن أنواع الجهاد ومراتبه .

قال الله -عز وجل-: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [سورة الحجج: الآية 78]، ومعلوم أن إبراهيم لم يقاتل عدوًا بسيف ولا بسلاح، ولكنه دعا إلى الله، فقال الله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [سورة الحجج: الآية 78]، ثم قال: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾، فعلم بذلك أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- قد جاهد في الله حق جهاده، فليس الجهاد أن يحمل العبد السلاح حتى يصدق عليه أنه جاهد، فإبراهيم –عليه السلام- جاهد في الله حق جهاده ولكن بلسانه، بالحجة والبيان. وكذلك عيسى -عليه الصلاة والسلام- لم يشرع في حقه الجهاد. قد شُرِعَ في حق موسى -عليه السلام- وبعض أنبياء بني إسرائيل.

الجهاد يكون بالضوابط الشرعية

استقرت شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على شريعة الجهاد، ولكن بالضوابط الشرعية والأصول المرعية، فالاعتبار في مسائل الجهاد بما جاء في الكتاب والسنة، لا بما يستحسنه المرء، أو يجده، أو يراه، أو يتحمس له، أو تمليه عاطفته من بعض الأمور التي وقع فيها بعض المسلمين اليوم، وهي مخالفة للكتاب والسنة، بل قد يكون أحد هؤلاء كما قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "من عبد الله بجهل أفسد أكثر مما يصلح " وهكذا من جاهد أو قاتل العدو بجهل فإنه يفسد أكثر مما يصلح.

جاء رجل إلى حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، وأبو موسى الأشعري –رضي الله عنه- قاعد، فقال: أرأيت رجلًا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار ؟ فقال أبو موسى : في الجنة، قال حذيفة : اسْتَفْهِمِ الرجل وأَفْهِمُه ما تقول، قال أبو موسى : سبحان الله، كيف قلت ؟ قال : قلت : رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار ؟ فقال أبو موسى : في الجنة، قال حذيفة : استفهم الرجل وأفهمه ما تقول، حتى فعل ذلك ثلاث مرات . فلما كان في الثالثة قال : والله لا تستفهمه، فدعا به حذيفة فقال: " رويدك، إن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه، فهو في الجنة، وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق، فهو في النار".(2) نسأل الله العافية والسلامة.

مسائل الجهاد يرجع فيها لأهل العلم

فمسائل الجهاد تحتاج إلى فقه وبصيرة ورجوع إلى أهل العلم الراسخين، ليس إلى القنوات، ولا إلى العواطف، ولا إلى المجالس السرية، إنما يُرَدُّ الأمر إلى أهله.

الأحكام الشرعية تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فَصَّلَ وَوَضَّحَ وبَيَّنَ، جاءه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال له: أَىُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عز وجل-؟ فالصحابي يسأل عما يحبه الله، وعن الأحب، لا عما يجده في نفسه، أو في عاطفته، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ». قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ: « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ: « ثُمَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »( 3) فقدم الصلاة ثم قدم البر على الجهاد.

وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».( 4) أي: في البر والإحسان.

وسأله رجل فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»( 5).

فهذه الأحاديث تدل على أن الأحكام الشرعية تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص، ومن ذلك الجهاد، وقد نص الفقهاء -رحمهم الله- على أنه في حالات يتعين فيها الجهاد، إلا أن هناك من يستثنى من ذلك قالوا: من تدعو الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المكان أو المال. وقالوا : يستثنى من يمنعه الأمير من الخروج، وكذلك من يعجز عن قصد العدو، وغير ذلك من الأمور التي تخفى على كثير من المتعجلين، فليراجع طالب العلم كتب الفقه، وكتب الجهاد، وليتبصر في دينه، فمن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين.

الجهاد ماض إلى يوم القيامة

إن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة كما قال أهل العلم، لا يبطله جور جائر، وليس معنى هذا الكلام أنه يستمر القتال في كل وقت، كلا بل قد يتوقف القتال للصلح مع العدو، أو العجز، أو المصلحة للمسلمين، وقد توقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتال كفار قريش وصالحهم صلح الحديبية، وأخبر أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل في آخر الزمان يكون مع المؤمنين، ومع أهل الإسلام، وإذا خرج يأجوج ومأجوج لا يقاتلونهم لكثرتهم، وعجزهم عنهم، فيتحصنون في الحصون، ويقتلهم الله -عز وجل- يقتل يأجوج ومأجوج .

بعض الشباب وبعض الناس يظن أن الجهاد إذا قيل: إنه ماضٍ يفهم أن كل قتال يقع من بعض المسلمين أنه قتال على الصواب وعلى الحق، هذا غلط، فقد يكون القتال على الحق إذا وافق الكتاب والسنة، وصار على منهج سلف الأمة، وقد يكون فيه ضرر على المسلمين، أو على غير الحق إذا خالف ذلك، فلابد أن نتعلم ونتفقه.

أنواع الجهاد

واعلم أن الجهاد أنواع:

أعظمها الدعوة للإسلام، ومن الأمور اللازمة إعداد العدة، ويفهم بعض الناس من ذلك أن يتدرب على الرمي فقط، ولكن إعداد العدة أوسع وأشمل من ذلك، فإعداد العدة بالإيمان، والعلم النافع، والرد على شبهات الضالين، وإعداد العدة في الأمور الاقتصادية والطبية، وغير ذلك مما يحتاجه المسلمون، حتى لا يكونوا عالة على أعدائهم.

تنبيهات مهمة

من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها: ألا نقع في استفزاز عدو كاشح، ظالم، جائر، لا طاقة للمسلمين به، فمن استفزه فقد آذي المسلمين.

ومن الأمور المهمة: أن نعلم أن الواجبات في الشريعة الإسلامية منوطة بالقدرة والاستطاعة، فإذا عجز المسلم عن واجب من الواجبات سقط عنه الإثم.

من الأمور المهمة : أن نعلم أن الجهاد مَرَدُّهُ إلى العلماء وولاة الأمر قال ربنا -جل جلاله-: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 83]، فالرد إلى الرسول إلى سنته، وإلى العلماء الذين هم ورثته، والرد إلى أولي الأمر وهم أهل الرأي والشأن والبأس، والمعرفة والخبرة في حال العدو، قال البغوي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ﴾ [سورة النساء: الآية 83] أي: الفتح والغنيمة ﴿أَوِ الخَوْفِ﴾ [سورة النساء: الآية 83] كالقتل أو الهزيمة ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [سورة النساء: الآية 83] أشاعوه وأفشوه ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ﴾ [سورة النساء: الآية 83] أي إلى رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يحدثوا به حتى يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يحدث به ﴿وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 83] أي: ذوي الرأي من الصحابة مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهكذا الخلفاء والأئمة والملوك بعدهم ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 83] أي: يستخرجونه، وهم العلماء. اهـ( 6).

فأهل العلم والرأي والخبرة هم الذين يستنبطون ويعرفون الحقائق ويقدرون أحوال المسلمين . يقول ابن تيمية -رحمه الله- في "الواسطية" عن أهل السنة والجماعة: إنهم يرون إقامة الجمع، والجماعات، والحج، والجهاد مع أمراء المسلمين، أبرارًا كانوا أو فجارًا.

فهناك مسائل مهمة مثل: الوفاء بالعهود، والأمان، وأحكام الصلح، والسِّلم مع العدو، وأحكام السفراء بين الدول، والمعاهدات، وقد عاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفار في صلح الحديبية على ما فيه من الضيم والظلم إلا أن المصلحة للمسلمين، فنفذ المعاهدة وطبقها على بعض الصحابة كأبي جَنْدل وأبي بَصِير، بل قد يدفع شر العدو بالمال كما قال الفقهاء، ومنهم المؤلفة قلوبهم، وذكروا منهم: الكفار يعطون من المال ليندفع شرهم عن المسلمين، وقد يصفح ويطلق العدو المأسور رجاء إسلامه، كما أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- ثُمَامَةَ بنَ أُثَالٍ ولم يقتله، مع أنه كان على الشرك، فصار ذلك سببا في إسلامه وإسلام من وراءه.

هناك مسائل متعلقة بالجهاد مثل: التَّتَرُّس، ودفع الصائل، والعهود والمواثيق مع الدول، تكلم فيها الجهال، وتكلم فيها المتحمسون بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا، وتصرفوا بما فيه الفساد والإفساد على المسلمين يقول ربنا -جل جلاله-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [سورة التوبة: الآية 123] الذي قال هذا الكلام -جل جلاله- هو القائل: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [سورة الأنفال: الآية 61] وهو –سبحانه- الذي قال: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ﴾ [سورة الزخرف: الآية 89] ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [سورة المعارج: الآية 5]، هذه الآيات كلها يعمل بها، ولكن تختلف باختلاف الحال، والقوة، وأحوال المسلمين مع أعدائهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الصارم المسلول" "من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآيات الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" اهـ( 7) إذن تختلف الأمور باختلاف الأحوال .

وقال أيضا : "حيث ما كان للمنافق ظهور تخاف من إقامة الحد عليه فتنةً أكبرَ من بقائه عملنا بآية ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ [سورة الأحزاب: الآية 48] ﴿وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ [سورة الأحزاب: الآية 48]، كما أنه إذا عجزنا عن جهاد الكفار علمنا بآية الكف عنهم والصفح، وحيثما حصل القوة والعز خوطبنا بآية: ﴿جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [سورة التوبة: الآية 73]. اهـ . ( 8 )

إذن الأمور تحتاج إلى بصيرة ورجوع إلى أهل العلم الراسخين، وإلى ولاة الأمر، فحينئذ تبرأ ذمتك، ولا يلحقك شيء، أما أن تتصرف بمقتضى عاطفتك، فربما يقع من المفاسد أكبر مما تريد من الإصلاح.

اسأل الله -جل وعلا- أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يكفي المسلمين بأس أعدائهم، وأن يكفينا شر الكفار، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كلمة فضيلة الدكتور عبد السلام بن سالم السحيمي

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 102] [سورة آل عمران: الآية 102] ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء: الآية 1] ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب: الآيتان 70، 71].

إن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

الجهاد عبادة من أجل العبادات

الجهاد من أجل الطاعات، وأفضل القُرُبَات، فقد جاء الحث عليه في كتاب الله وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لأن الجهاد مما يحفظ الله به الإسلام والمسلمين، وهو ذروة سنام الإسلام، والجهاد عبادة من العبادات وكل عبادة لا تصح إلا إذا وجد شروطها وأسبابها، وانتفت موانعها.

الجهاد له ضوابط

ولهذا فقد ضبط أهل السنة والجماعة الجهاد بضوابط مهمة تميزوا بها عن غيرهم، والجهاد ليس غاية في نفسه، وإنما هو وسيلة لتحقيق غاية عظمى وهي أعلاء كلمة الله -عز وجل-، وما دام الجهاد وفق الضوابط الشرعية لأهل السنة المستمدة من الكتاب والسنة فهو جهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، فإن خرج عن هذه الضوابط فقد خرج عن أن يكون جهادًا في سبيل الله.

الجهاد عام وخاص

المعنى العام للجهاد

الجهاد كما تدل عليه النصوص الشرعية له معنى عام وله معنى خاص، أما المعنى العام فيشمل: العمل بالإسلام، والدعوة إليه، والدفاع عنه، وإعزازه بكل ممكن. هذا هو المعنى العام للجهاد.

أنواع الجهاد بمعناه العام

ذكر أهل العلم أن الجهاد بمعناه العام يتنوع إلى أنواع وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد أهل الأهواء والبدع، وجهاد الكفار والمنافقين. وكل نوع من أنواع الجهاد له مراتب ذكرها أهل العلم.

جهاد النفس:

جهاد النفس هو تعلم شرع الله، العمل به، والدعوة إليه، والصبر على ذلك، فالعلم هو معرفة الْهَدْى بدليله، أن يعرف العبد ربه، ونبيه، ودين الإسلام بالأدلة، وأن يعمل بشرائع الدين، فيمتثل الأمر، ويجتنب النهي، وهو مقدمة لبقية أنواع الجهاد الأخرى.

جهاد أهل الأهواء والبدع:

يكون بإنكار المنكر، بالمراتب التي جاءت في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، َذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»(9 ) فيختلف الحكم باختلاف حال الشخص الذي يُنْكِرُ المنكر، من ناحية العلم والمعرفة بأحوال المدعو، ويختلف أيضا باختلاف حال المدعو، فقد يكون الإنكار فرضَ عين، وقد يكون فرضَ كفاية، وقد يكون مُسْتَحَبًّا، على حسب ما يقتضيه الحال، هذا هو جهاد أهل الأهواء وأهل البدع والمعاصي والمنكرات.

جهاد الشيطان

يكون جهاد الشيطان بدفع ما يلقيه إلى العبد من الشكوك والإرادات الفاسدة، ومن الشهوات والشبهات، وهذا يكون بالعلم النافع، والعمل الصالح، والصبر عن الوقوع في المعاصي، هذا نوع من الجهاد، وحكم هذا النوع -أعني جهاد الشيطان-، وكذلك جهاد النفس: فرض عين على المكلف من حين يكلف إلى أن يموت كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [سورة الحجر: الآية 99].

جهاد الكفار والمنافقين

هناك نوع آخر من الجهاد وهو جهاد الكفار والمنافقين، وهو على مراتب: جهادهم بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، هو يتنوع أنواعا، وحكمه يختلف باختلاف الأحوال التي تقترن به.

المعنى الخاص للجهاد:

المعنى الخاص للجهاد يُعَرِّفُهُ الفقهاء -رحمهم الله- بأنه: قتال مسلم كافرًا، غير ذي عهد، بعد دعوته للإسلام وإبائه، إعلاءً لكلمة الله -سبحانه وتعالى- .

هذا النوع من الجهاد ينقسم إلى نوعين: جهاد طلب، وجهاد دفع.

ذكر أهل العلم لهذا النوع من الجهاد ضوابط شرعية ينبغي مراعاتها لتحقيق المعنى المرجو من الجهاد، لأن الجهاد ليس غاية في نفسه، وإنما هو وسيلة لتحقيق غاية، وهي: إعلاء كلمة الله، فلما جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»( 10 ).

الضوابط الشرعية لجهاد الطلب

فجهاد الكفار والمنافقين في جهاد الطلب يحتاج إلى ضوابط شرعية، حدد أهل العلم -رحمهم الله- ضوابط خمسة بالنسبة تتعلق بالمجاهد المسلم، وضوابط خمسة تتعلق بالمقاتل الكافر.

الضوابط المتعلقة بالمجاهد المسلم إجمالا:

بالنسبة لما يتعلق بالمجاهد المسلم نذكر الضوابط الخمسة إجمالا، وهي:

الأول: الإخلاص لله -عز وجل- أي: أن يقصد المجاهد بجهاده إعلاء كلمة الله -سبحانه وتعالى-.

الثاني: القدرة على القتال، وكسر شوكة العدو.

الثالث: ألا يترتب على القتال مفسدة أعظم من مفسدة تركه، لأن ترك الجهاد يعتبر مفسدة، لكن إذا كان يترتب على الدخول مفسدة أعظم تلحق بالإسلام أو بالمسلمين، فإن الجهاد يترك في هذا الوقت وفي هذا الحال.

الرابع: أن يكون الجهاد بأمر ولي الأمر المسلم.

الخامس: أن يكون تحت راية شرعية، وقيادة شرعية تعلن الجهاد في سبيل الله، من أجل إعلاء كلمة الله -سبحانه وتعالى- .

الضوابط المتعلقة بالمقَاتَل الكافر إجمالا:

أما بالنسبة للمقاتل الكافر، فقد ذكر أهل العلم -رحمهم الله- ضوابط وشروطًا نذكرها إجمالا هي:

الأول: ألا يكون الكافر المقاتَل ذميًّا، والذمي من كان من الكفار يقيم في ديار المسلمين، وتحت قهر المسلمين، وولاية المسلمين.

الثاني: ألا يكون الكافر المقاتَل معاهدًا، والمعاهد: من كان بينه وبين المسلمين عهد، وقام صلح بينه وبين المسلمين، والصلح من صلاحيات ولي الأمر المسلم، فهو الذي يقوم بذلك، وهو الذي يتولى أمره، لأنه يتعلق بالمصالح العامة.

الثالث: ألا يكون الكافر المقاتَل مُسْتَأْمَنًا، والمستأمن: من كان من أهل الحرب دخل ديار المسلمين بأمان، وسواء أكان هذا الأمان من ولي الأمر المسلم، أو من آحاد المسلمين، فإنه إذا دخل بلاد المسلمين بأمان فلا يجوز التعرض له حتى يعود إلى دار الحرب التي جاء منها.

الرابع: أن يكون الكفار قد بلغتهم الدعوة، ودُعوا إلى الإسلام قبل القتال، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي قواد جيشه بأن يدعو الناس إلى الإسلام، فإن أبوا دعاهم إلى الجزية، فإن أبوا استعانوا بالله وقاتلونهم.

الخامس: أن يكون المقاتَل من أهل القتال، بألا يكون: امرأة، ولا صبيًّا، ولا أجيرًا، ولا شيخًا كبيرا هَرَمًا، ولا من انقطع عن الناس وترك القتال، إلا أن يشارك هؤلاء بالقتال بالقول أو بالفعل.

وأن يكون الجهاد بين الكفار والمسلمين كما كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وزمن الصحابة -رضي الله عنهم- بعده بأن يكون بالإعلان من الطرفين، وألا يكون بالاغتيالات، ولا بالتفجيرات، ولا بالعمليات الانتحارية، وإنما يكون قتالا معلومة فيه الراية.

وهناك مسائل أخرى لها أحكامها الخاصة ذكرها الفقهاء -رحمهم الله- في حال نشوب القتال، واحتدام القتال.

ضوابط جهاد الطلب تفصيلا:

الضوابط العشرة لجهاد الطلب نجدها في كتب الفقه، وشروح الحديث، أخذوها من النصوص الشرعية التي دلت على هذه الضوابط :

ضوابط جهاد الطلب المتعلقة بالمجاهد المسلم تفصيلا:

الأول: الإخلاص لله، وهذا شرط في العبادات كلها قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [سورة البينة: الآية 5]، وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [سورة الزمر: الآية 2]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ( 11 ).

الثاني: القدرة على القتال، والقدرة أصل في تكاليف الإسلام، فالقُدْرَةُ مناط التكليف، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط، وإلا سقط عن المسلمين الجهاد كسائر الواجبات، لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة، لقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [سورة التغابن: الآية 16]، ولقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [سورة البقرة: الآية 286].

ولذا حث الشَّارِعُ على الاستعداد للجهاد بالإعداد له بقوة قبل القتال، فإن لم تكن هناك قوة فلا جهاد ولا قتال، إلا أن ينزل العدو بأرض المسلمين قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [سورة الأنفال: الآية 60]، فأيما قوة لدى المسلمين لا يرهبها العدو ويخافها فليست قوة شرعًا، وضابط القوة البشرية: أن يكون عدد المقاتلين الكفار ضعفي عدد المسلمين فأقل، فإن زاد على الضعف لم يجب على المسلمين دخول المعركة، وهذا الشرط خاص بجهاد الطلب، أما في جهاد الدفع فلا يشترط فيه ذلك.

ينبغي التنبيه على أهمية فهم كلام أهل العلم على وفق مرادهم، وأن يكون على مقتضى ما يدل عليه الدليل، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيره من أهل العلم: "وَأَمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَالدِّينِ، فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا، فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا لَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ دَفْعِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ، بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. اهـ. ( 12 ) مقصوده ومقصود العلماء: أنه لا يشترط له شرط، أي الشروط التي تشترط في من يجب عليه الجهاد، بأن يكون المطالب به بالغًا عاقلًا حرًّا ذكرًا، فهذه الشروط لا تشترط في جهاد الدفع، لأنه يدفع بحسب الإمكان.

يبقى شرط مهم إذا لم يوجد سقط عنهم الجهاد، وهو: القدرة على صد العدو وكسر شوكته، لذا قال شيخ الإسلام: "بل يدفع بحسب الإمكان" أي: بحسب القدرة، فتبقى القوة والقدرة على صد العدو شرطا حتى في جهاد الدفع، يدل على ذلك حديث النَّوَّاسِ بن سَمْعَانَ -رضي الله عنه- في قصة قتل عيسى -عليه السلام- للدجال قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ ( 13 )عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»( 14 )، وجه الدلالة من الحديث أنه لما كانت قوة عيسى -عليه السلام- ضعيفة بالنسبة إلى يأجوج ومأجوج أمره الله ألا يقاتلهم، ولا يجاهدهم، فدل هذا على أن القدرة شرط.

الثالث: ألا يترتب على قتال العدو مفسدة أعظم من مفسدة ترك القتال، قال الفقهاء -رحمهم الله تعالى-: إذا زاد الكفار على الضعف، ورُجِيَ الظفر وغلب على ظننا إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية بالعدو وجب علينا الفرار لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [سورة البقرة: الآية 195]، أو بنكاية فيهم استحب لنا الفرار.

فلا يجب على المسلمين الثبات في مثل هذه الحالة التي يخشى عليهم فيها الهلاك، بل قال ابن جزي المالكي: "وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى. وقال أبو المعالي الشافعي الجويني: لا خلاف في ذلك"( 15 ). يعني: لا خلاف بين الفقهاء -رحمهم الله تعالى-.

الرابع: إذن الإمام، أهل السنة والجماعة متفقون على أن أمر الجهاد موكول للإمام المسلم، ومن صلاحياته، وهو الذي ينادي به دون غيره، ويكون تحت رايته إما بقيادته أو بمن ينيبه، ويجب على الرعية طاعته في ذلك، لذلك يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة، البرِّ والفاجرِّ"( 16 ).

ويقول الطحاوي الحنفي: "والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر المسلمين برهم وفاجرهم إلى أن تقوم الساعة". ( 17 )

ويقول الموفق ابن قدامة: "وَأَمْرُ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ ".( 18 )

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وَيَرَوْنَ إقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ مَعَ الْأُمَرَاءِ، أَبْرَارًا كَانُوا، أَوْ فُجَّارًا".( 19 )

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن -رحمه الله تعالى-: "واستمر العمل على هذا -يعني على هذا الأمر- بين علماء الأمة من سادات الأمة والأئمة، يأمرون بطاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله مع كل إمام برًا أو فاجرًا كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد".

الخامس: أن يكون القتال تحت راية شرعية، قيادة شرعية تنظمه، فالجهاد لا يصلح بدون قيادة ولا راية واضحة ومعلومة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»( 20 )، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»( 21 ).

قد يقول قائل من الإمام الذي تجب طاعته؟ وقد ذكر أهل العلم ذلك عند تفرق المسلمين واختلافهم إلى دول، مثل ما كان في أزمنة ماضية، ومثل ما نحن فيه اليوم.

يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "فالأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يُعرف أن أحدًا من العلماء ذكر أن شيئًا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم" . اهـ. ( 22 )

وذكر مثل هذا الكلام الإمام الصنعاني، وكذلك الإمام الشوكاني، فإذا كان المسلم في بلد مسلم حاكمه مسلم، وانعقد الأمر له فإن طاعته في الجهاد واجبة، ولا يخرج المسلم إلى ساحات الجهاد إلا بإذنه، لكي لا يترتب على ذلك مفاسد تلحق بالإسلام والمسلمين، لاسيما في هذا العصر، فما يخرج الشخص من بلده الذي له فيه بيعة وطاعة إلى بلد آخر، ولو أراد أن يطلب العدو فخروجه من بلده الذي له حاكم مسلم، وله بيعة، وله طاعة تحتاج الإذن في ذلك.

هناك ضوابط أخرى ذكرها أهل العلم، ومنها: إذن الوالدين، وكذلك إذن الغريم إذا كان الجهاد غير متعين، فلابد من إذن الوالدين، لأن الرجل الذي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الجهاد قال له: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».( 23 )

كذلك من كان عليه دين لشخص، فإنه يحتاج أن يستأذن من غريمه قبل أن يخرج إلى الجهاد المشروع الذي توفرت فيه الضوابط التي ذكرها أهل العلم.

ضوابط جهاد الطلب المتعلقة بالمقاتل الكافر تفصيلا:

الأول: ألا يكون الكافر المقاتل ذميًّا، والذمي هو: من يقيم في ديار المسلمين وله ذمة مؤبدة.

الثاني : ألا يكون معاهدًا، والمعاهد هو: من صالحه الإمام على ترك القتال.

الثالث : ألا يكون مستأمنًا، وهو: من قدم على بلاد المسلمين بأمان، بتأشيرة دخول أو غيرها، مثل السفراء، والأُجراء، ومن دخل لزيارة، أو طلب، أو نحو ذلك.

الرابع: وأن يكون المقاتل من أهل القتال.

الخامس: أن يكون القتال بمقابلة الكفار في المعارك، وليس بالتفجيرات، والاغتيالات والانتحارات التي تجر على المسلمين بلاء وفتنة ومفاسد عظيمة.

الدليل على هذه الضوابط التي تتعلق بالمقاتل الكافر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»( 24 )، وقد ذكر أهل العلم في معنى هذا الحديث : أن الذمي، والمستأمن، والمعاهد كلهم يدخلون في الحديث.

مراحل تشريع الجهاد

إن تشريع الجهاد مر بمراحل أربعة:

المرحلة الأولى: الكف عن القتال، وهي أطول المراحل، مكث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ولم يؤمر بالقتال، إنما كان يؤمر بجهاد الدعوة، والحجة، والبيان، قال الله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ [سورة الحجر: الآية 94]، وقال سبحانه: ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا﴾ [سورة التغابن: الآية 14]، وقال سبحانه: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [سورة البقرة: الآية 109] .

المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال من غير أمر به، كما قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [سورة الحجج: الآية 39].

المرحلة الثالثة: مرحلة قتال من قاتل المسلمين، والكف عمن لم يقاتلهم قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [سورة البقرة: الآية 190].

المرحلة الرابعة: مرحلة قتال كل كافر يدعو إلى الكفر، أو يمنع من الدعو إلى الله -سبحانه وتعالى- حتى يسلم أو حتى يعطي الجزية قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [سورة التوبة: الآية 29] وهذه المرحلة قام بها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما تكونت الدولة الإسلامية، وتكون الجيش، وأعد المسلمون العدة الكافية لملاقاة الأعداء، عدة العتاد بعد عدة الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-.

هذه المراحل ليس شيء منها منسوخا، وإنما تتنزل على أحوال المسلمين قوة وضعفا، كما ذكر المحققون من أهل العلم كما قال شيخ الإسلام بعدما ذكر مراحل الجهاد الأربعة: "من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآيات الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ( 25 ).

مقاصد الجهاد

إن الجهاد لم يشرع لذاته، وإنما شرع لغيره، لأن المقصود هو إعلاء كلمة الله -سبحانه وتعالى-، فإذا حصل هذا المقصود بغير قتال فلا يصار إلى القتال كما قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [سورة الأنفال: الآية 39]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».( 26 )

من أهداف الجهاد ومقاصده: نصرة المظلومين قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ [سورة النساء: الآية 75].

ومن مقاصده: درء العدوان وحفظ الإسلام، قال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [سورة البقرة: الآية 194].

يقول بعض الفقهاء رحمهم الله في بعض عباراتهم التي تؤكد أن الجهاد ليس مقصودا لذاته وإنما مقصود لغيره بعدما ذكر الفقهاء -رحمهم الله- يقول ابن دقيق العيد، بعدما ذكر المقصود من الجهاد هو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وإعلاء الدين ونشره، وإخماد الكفر ودحضه قال : "ففضيلته بحسب فضيلة ذلك يعني بحسب ما يتحقق من هذه المعاني".

وقال الشيخ عبد الغني المقدسي: "الجهاد فرض كفاية، لأنه لم يفرض بعينه إذ هو فساد في نفسه، أي للأبدان، وإنما فُرِضَ لإعزاز دين الله، ورفع الفساد عن العباد، وكل ما هو كذلك فهو فرض كفاية، إذا حصل المقصود بالبعض".

ويقول الفقيه الشربيني: " وَوُجُوبُ الْجِهَادِ وُجُوبُ الْوَسَائِلِ لَا الْمَقَاصِدِ، إذَا الْمَقْصُودُ بِالْقِتَالِ إنَّمَا هُوَ الْهِدَايَةُ وَمَا سِوَاهَا مِنْ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْكُفَّارِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ الْهِدَايَةِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ بِغَيْرِ جِهَادٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ " ( 27 )

وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى- لما ذكر معاني الجهاد، وذكر الله تعالى المقصود من الجهاد في سبيله، وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار، وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن يكون الدين كله لله تعالى، فيظهر دين الله تعالى على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، يقول -رحمه الله-: فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

المفتي العام للممكة ورئيس هيئة كبار العلماء

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله، وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

معاني الجهاد

إذا تأمل المسلم كتاب الله وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- رأى للجهاد معاني عديدة، فالجهاد بالقلب، واليد، واللسان، والمال، فالجهاد بالقلب فهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»( 28 ).

إن الله أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بجهاد الكفار والمنافقين، ومعنى جهاد المنافقين: دحض حججهم الباطلة، وكشف شبهاتهم، ودمغ باطلهم بالحق، حتى لا يغتر بهم من يغتر.

وقد جعل الله بِرَّ الوالدين جهادًا في سبيله فقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [سورة العنكبوت: الآية 8] وقال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ [سورة لقمان: الآية 15]، فانظر كيف أمر الولد بالصبر على أبويه إن هما حملاه على الباطل ألا يصغي إليهما، والنبي يقول للذي سأله عن الجهاد: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».( 29 )

والجهاد باليد في مقاومة من يصدون عن سبيل الله، ويَحُولُون بين الدعوة إلى الله وبين وصولها للخلق، جهاد لمن يعتدي على المسلمين ويتسلط عليهم.

والجهاد بالمال بإعانة كل من يسعى في نصرة الحق وإقامة شرع الله.

والجهاد باللسان بتوضيح الحق والدعوة إليه، ورد باطل المبطلين، ودحض حجج الضالين، وبيان شرع الله، ودحض الشُّبَهِ والأباطيل التي يروجها أعداء الإسلام، الذين يشككون المسلمين في دينهم، وتخط أيديهم ما فيه السوء والبلاء، والله يقول لنبيه: ﴿فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان: الآية 52].

ومجاهدة العبد لنفسه بحملها على طاعة الله، وترك مخالفة أمره، جهادها على التزام الحق والعمل به، على حب الصلاة والقيام بها، على إخراج الزكاة، على التزام الصوم والحج، وسائر واجبات الإسلام وفرائضه، كل هذا جهاد في سبيل الله لنصرة هذا الدين.

إن المسلم إذا جاهد نفسه وحملها على الخير تأهل للجهاد في سبيل الله، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ »( 30 ).

فإذا جاهد المسلمون أنفسهم في طاعة ربهم، وأصلحوا شأنهم، وتآلفت قلوبهم، وتعلقت قلوبهم بالله، واستنصروا الله، واستعانوا به، وكانوا يدًا واحدة، على قلب رجل واحد، فإن ذلك من أسباب عِزِّهم، وتفرق كلمتهم، واختلاف آرائهم، ونصب العداء لبعضهم البعض، هذا مما يَفُتُّ في عضدهم، ومما يكون قوة لعدوهم، فعدوهم لن يذله إلا اجتماع الأمة على الحق، واعتصامهم بحبل الله، وقيامهم بما أوجب الله عليهم .

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يجعلنا ممن جاهد نفسه في ذات الله، وأصلح أعماله واستقام على الهدى. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

سماحة الشيخ هذا سائل من فرنسا يقول: هل هنالك جهاد في لبنان ضد الكفار؟ وجزاكم الله خيرًا؟

إن الإسلام جعل الجهاد في سبيل الله غايته واحدة وهي: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».( 31 ) قالها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما سُئِلَ: الرجل يقاتل شجاعة، الرجل يقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله ؟ لا يكون الجهاد في سبيل الله إلا إذا كان الهدف من هذا القتال أن تكون كلمة الله هي العليا، بتوحيده، وتحكيم شريعته، والقيام بما أوجب، أمَّا ما سوى ذلك فليس في سبيل الله، العصبية والحمية الجاهلية لا تخدم هدفه، إنما يخدم الهدف إذا انطلق هذا القتال لنصرة دين الله، وإعلاء شريعته، والدعوة إلى إخلاص الدين له، وتحكيم كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، هذا إذا كان هؤلاء المقاتلون على جانب من التمسك بالكتاب والسنة، أما إذا عدم التمسك بالإسلام، وصار الإسلام اسما لا حقيقة له، وصار القتال لأهداف وأغراض، وليس لأجل إعلاء كلمة الله، ليس لأجل نصر الحق، وليس لأجل إقامة عبادة الله على ما يرضيه، فليس هذا بجهاد.

الإسلام حقيقته اعتقاد القلب، ونطق اللسان، وعمل الجوارح، فالذين يقاتلون إن كانوا أهل توحيد وإخلاص لله، واستقامة على شرع الله، وإيمان بهذه الشريعة عقيدة ومنهجا أخلاقا وسلوكا، فنعم.

هذا سائل من فرنسا يقول: سماحة الوالد، نرجو أن تبينوا لنا كيفية الجهاد بالدعوة إلى الله على المنهج الصحيح، علما بأننا في بلاد كفر؟ وجزاكم الله خيرًا.

الداعي إلى الله لابد أن يكون ذا علم بحقيقة ما يدعو إليه، وعلم بحال من يدعوهم، ويكون متصفا بالإخلاص لله والعلم بما يدعو إليه، فإذا كان ذا علم دعا إلى علم لم يدع إلى جهل، وكان مخلصا لله، وكان ذا بصيرة يضع الأمور في مواضعها، ويزن الأشياء بميزانها العدل، فهذا من أهل الحق ثبته الله على الحق.

سماحة الوالد، يقول السائل: هل يشترط إذن الإمام ولي الأمر في الذهاب للقتال في بلاد المسلمين؟ وجزاكم الله خيرًا.

لابد من استئذان ولي الأمر، لأنك لا تدري عن وقائع الأمور، ولا عندك التصور التام، وقد يكون في خروجك جَرُّ أذى على المسلمين، فأنت لا تتصور الواقع التصور الصحيح، فاستئذان ولي الأمر، فالمطلوب طاعة ولي الأمر فيما أمرك به، وطاعته في ترك ما نهاك عنه، والبعد عنه.

سماحة الشيخ، يقول السائل: نرجو من سماحتكم التفصيل في مسألة ولي الأمر الذي يطاع في الجهاد، وجزاكم الله خيرًا.

ولي أمر الأمة يدرك من المصالح للأمة ما لا يدركه أفراد الناس، ويدرك المفاسد المترتبة على أي أمر من الأمور ما لا يدركه الكثير من الناس، ولاة أمرنا حريصون على أمن هذا البلد، واستقرار البلد، والدفاع عن البلد، وبذل كل الجهد في أن يبقى هذا البلد إن شاء الله على استقراره، وأمنه، وطمأنينته، ورغد عيشه، وسلامته من كل الصراعات التي لا يعلم نتائجها.

هذا البلد بما وهب الله لقيادته من الحنكة، والرأي السديد، والشفقة على الأمة، وقاها الله شرورًا كثيرة، ومكائد عظيمة، حاول الخصوم أن يجروا البلد إلى ويلات، لكن حكمة الله التي جعلت هذه القيادة متبصرة، ثابتة، متصورة للواقع، مدركة لما حولها، ملمة بما يحاك للأمة من شرور، سعت لتجنيب البلد كل الصراعات، وكل النزاعات التي لا تخدم هدفا، ولا تحقق مصلحة، وإنما تجر الأمة إلى الويلات تلو الويلات.

إذا كان ولي الأمر نَظَّمَ نِظَامًا ومنعك من أمر ما فالسمع والطاعة له، لأنه يدرك أن خروجك قد لا يكون فيه منفعة، بل قد يرجع عليك وعلى غيرك بالضرر، فلأجل إلمامه بالواقع وإدراكه أحوال من حوله منع من ذلك، وله السمع والطاعة في المعروف.

سماحة الشيخ، يقول السائل: ما هي أهداف الجهاد الشرعي؟ وهل ما يسمى بالتفجيرات والعمليات الانتحارية يُعَدُّ جهادًا؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجهاد لإعلاء الحق وهداية الخلق، إرساء دعائم الأمن والاستقرار، ليعبد الناس ربهم على علم وبصيرة، ولتعلو كلمة الله، ولتنخفض دعاة السوء والفساد، أما التفجير فتدمير الممتلكات وقتل الأبرياء، هذا جهاد الجبناء، هذا جهاد الأشقياء الذين يستبيحون الدماء ويعدونها جهادًا، الجهاد لم يأتِ لسفك الدماء، إنما جاء لحقن الدماء، جاء لإصلاح البشر، والهداية، ولرد الناس إلى الشريعة، إلى حملهم على الدخول في الإسلام، وتبيين محاسنه وفضائله، أما التفجير والتكفير، وترويع الآمنين، هؤلاء ليسوا بمجاهدين، هؤلاء مفسدون. نسأل الله لهم الهداية.

يقول السائل: سماحة الشيخ، ما موقفنا من الأحداث التي تقع للمسلمين؟ وجزاكم الله خيرًا.

نحن جزء من المسلمين، لا شك نتألم بآلام الأمة، لكن نسأل الله أن يعين المسلمين، وأن يجمع كلمتهم، وأن يبصرهم، ويجمع قلوبهم، نسأل الله الثبات، إنها فتن وأمور يخوض الناس فيها وهم لا يدركون ما ورائها، أمور معقدة، وأمور للأعداء فيها أغراض، لكن نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يحمي بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء، وأن يرزق الجميع التمسك بهذا الدين والعمل به. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

*************************************************************************************************************

( 1 ) أخرجه أحمد (6/21، رقم 24004).

( 2 ) أخرجه ابن وضاح في البدع (1/87، رقم 81).

( 3 ) أخرجه البخاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/ksa.amn
 
مفهوم الجهاد في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مفهوم الجهاد في الإسلام وشروطه وضوابطه
» متى يكون الجهاد فرض عين
» مفهوم القيمة
» مفهوم التنمية
» مفهوم الانغلاق الفكري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة الاخلاص الاسلامية :: منتدى الحدث ( قضايا الأمة الإسلامية)-
انتقل الى: