هل يمكن اعتبار ما يُنشر عبر المواقع الالكترونيّة التابعة للهيئات والشخصيات والرموز السعوديّة العامة (صوت) (الضمير) الاجتماعي (ولسان حال الناس) أم أنها فقط صدى لصوت من أنشأها وأطلقها أمام العالم لتعبّر عن همومه وشجونه الشخصيّة. المشكلة أن كثيرين من أصحاب هذه المواقع لا يظهرون في خطابهم بالصورة الذاتيّة التي يدّعونها بل تجدهم تارة يتحدثون باسم (الأمة) عربيّة أو إسلاميّة وتارة باسم الضمير الإنساني، وأخرى باسم الحريّة والتنوير وتجدهم على اختلاف مشاربهم ينطلقون تحت هذه الأسماء والصفات خائضين في( كل) أحداث العالم شرقا وغربا دون تفويض من احد.
وتتضح فداحة مشكلة هذا (التمثيل الإجباري) للناس حين تتصدّى بعض هذه المجموعات الفكريّة لإصدار البيانات وجمع التوقيعات للاستنكار والاحتجاج على حدث صغير هنا أو كبير هناك في شرق الدنيا أو في أقصى غربها، ولكن المحيّر والمثير للدهشة فعلا هو (حالة الصمت الرهيب) الذي يطبق على نسبة مهمة من هذه الرموز (من بني أهلنا) حين تلمّ ببلادنا جائحة أو تستهدفه قوى لا تريد لمهد الإسلام إلا الفتنة والدمار.
استعرض معي مشاركات رموزنا الفكرية في عشرات البيانات الالكترونيّة التي صدرت منذ نازلة الحادي عشر من سبتمبر وحاول أن تجد اهتماما يقارب ذلك الصخب الالكتروني الذي أثاروه في هذا الشأن العالمي أو ذاك، حاول أن تجد ذات اللغة والحماس في بيان واضح وصريح لاستنكار وتفنيد حجج من سوّغوا للأغرار ارتكاب الجرائم على ثرى بلادنا، أو حتى لتهدئة مزايدات من ركبوا موجة "الفوضى الخلاقة" فطبلوا لمن باعوا أجمل قيمنا (بالجملة والمفرق) في سوق المزايدات الفضائيّة. بكل أسف لن تجد بيانا أو عريضة بهذه الصفة، وان قرأت شيئا يتناول الشأن المحلي فستجد الكثير من حيل الكلام والعبارات المراوغة وان دقّقت كثيرا لمست أشكالا من تصفيات الحسابات بين هذه التيارات وصنوفا من الاستثمار في كل مأساة وطنية. تراهم فَرَقَا يتلاومون ولا تتعالى جلبتهم إلا للخصام والفرقة، يتنادون في كل منتدى لا ذودا عن حمى الوطن ولا صيانة لأمن المجتمع وإنما دعما أنانيّا لمصلحة فئة يمثلونها أو جماعة ينتسبون إليها، وترى الأغلبيّة الصامتة تراقب المشهد وكأنها تسأل أنّى لهؤلاء راحة الضمير وقد تناسوا -بل زادوا- هموم المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه ناكرين حقه وهم يتقلبون في نعيم مساهماته وخيرات اكتتاباته في كل مجال.
كيف غفل بعضنا - غفر الله لنا ولهم- عن حقيقة أن استهداف الوطن والتخطيط لضرب مقدراته وأسس وحدته لا يستثني حال تحققه - لا سمح الله - أحدا، ألا يعلم هؤلاء - وهم العارفون- أن التغافل هو حطب الفتنة، وأن التجاهل وقودها اللهّاب، ألا يرون بعقل التاريخ وعين الحاضر -وهم المطّلعون - كيف كان والى أين صار حال ومآل من صدّقوا هواهم واتبعوا شياطين الإنس ومردة الأيدلوجيات، ألا يشاهدون ويشهدون من حولنا كيف بات (القتل) الأعمى (هواية) القوي وكيف صار (الموت) الأسود (هوية) الضعيف في عالم لا خلاق له؟
ماذا لو تناست مجموعة من رموزنا بعض مصالحها (الصغيرة) وأطلقت غداً أو بعد غد دعوتها (الكبيرة) لجماهير الانترنت العريضة ومن خلفهم من التابعين الصامتين للتصويت على زيادة نصيب "شركة الوطن" من وقت العقلاء ورفع نسبة مساهمة الصادقين لإنجاح مشاريعها الرائجة والتي لم تتوقف منذ تأسيسها.
سيلاحظ المتجوّل في مواقع ومنتديات الانترنت اليوم وجود أكثر من ستين عريضة وبيان بنكهة سعودية واضحة وسيكتشف كيف توزّعت دوافعها ومصادرها مابين عالمي لا نراه أو فئوي ومذهبي حانق، أو حتى قبلي متقوقع، أما أهم هموم الوطن فقد بدت غائبة عند منتجي البيانات، فمتى نرى بينا من رموزنا من يصدع بصوت الوطن ويعبّر عن ضمير المواطن؟.
مسارات
قال ومضى: اعلم أنك قد تفوقني حبا للوطن ولكن قد أكون (أكثر منك)شعورا بتقصيري حياله!!
د. فايز بن عبد الله الشهري