د. محمد عثمان الثبيتي
مثلَّت ولم تزل مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وسيلة خطيرة في التعاطي مع الأحداث بغض النظر عن كِبَر حجمها أو صِغَرها على أرض الواقع من حيث الأهمية ، الأمر الذي جعلها تتناقل الأخبار بسرعة فائقة وتفاعل لافت بعيد كل البعد عن مقاص الرقابة المُتغلغل في مفاصل الوسائل الرسمية . مما انعكس سلباً على إحداث البلبلة داخل المُجتمع جراء تداعيات هذه الأخبار المُدعمة بالصور التي هي في الغالب حالات فردية لا ترقى لأن تكون ظاهرة يُمكن تعميمها ، مما يعني أننا أمام مُشكلة قديمة في مسماها جديدة في أسلوبها ألا وهي « الإشاعة « .
لقد منح هامش الحرية الممنوح – قسراً – للجميع على اختلاف درجة وعيهم استخدام مثل هذه الوسائط ، مما أدى إلى الكثير من افتعال الوقائع والأدهى والأمَّر تضخيمها وكأنها ظاهرة وصلت لمرحلة تُهدد أمن المُجتمع كله ، وبمجرد التأمل في الأطروحات وردود الأفعال عليها تجد أنها لا ترتكز على معلومة صحيحة ، بقدر ما هي تكهنات ذات طابع شخصي والمُلفت أن بعضها ينتهي بعبارة تقول : كما وصلني والله أعلم ، لذلك تفقد مصداقيتها عند من يتعامل مع هذه الوسائط بوعي - وهم القلة - ، ويتلقفها الآخرون على أنها مُسلَّمات ويقومون بإرسالها إلى قائمة جهات الاتصال لديه ، وكأنهم أتوا بما لم يأتِ به الأوائل - وللأسف هم الكثرة - .
قادني لهذا الطرح ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية حول انتشار المتسللين الأفارقة في الجنوب ، وقيامهم بعمليات خطف واغتصاب وسرقة مستندين في ذلك على بيانات غير دقيقة بل تصل لمرحلة عدم الصحة في بعض جوانبها ، في الوقت الذي يُصرح فيه المُتحدث الرسمي لوزارة الداخلية اللواء : منصور التركي بأن لا صحة لمثل هذه القضايا مُستبعداً أيضاً تشكيل عصابي يُهدد أمن المُجتمع ، وقد يقول قائل : إننا تعودنا مثل هذه التصريحات ، ولكن الرجل في سياق حديثه لم ينف أن ثمة وجود مُشكلة تتمثل في تسلل هولاء المجهولين ، بل حددها في تصريحه الذي نشرته هذه الصحيفة في عددها رقم ( 18208 ) وتاريخ 18 / 4 / 1434 بأن حرس الحدود يُحبط ( 1000 ) حالة تسلل يومياً ، ولكن أكثرهم - على حد تعبير التركي - مسالمون ، وليس لهم أهداف غير البحث عن عمل وفرص العيش مع وجود من يتسم بالعدوانية بينهم ، والجميل في التصريح أنه يتم التعامل معهم بشكل إنساني ، وهذا يدل على أن تقدير الظروف من قبل الجهات الأمنية للوضع الاقتصادي في بلاد المُتسللين مأخوذ به في الاعتبار ، لأن الباحث عن سد رمق الجوع لا يُعامل بمن انخرط في خلية هدفها زعزعة الأمن الوطني . إن خطورة الانسياق وراء الإشاعات التي تبثها هذه الوسائط التقنية التي بين عشية وضُحاها وجدنا أنفسنا نمتلكها دون حسيب أو رقيب سينعكس سلباً على أمن المُجتمع ؛ لأن انتشار مثل هذه الأخبار المغلوطة سيُحدث – حتماً – بلبلة تُعطل مسيرة التنمية ، وتجعل من البعض رهيناً لرسم سيناريو تشاؤمي للمستقبل ، مما يدعو إلى ضرورة دراسة هذه الظاهرة - أقصد سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت - من قبل المُتخصصين في علمي النفس والاجتماع لمعرفة دوافعها والتوصل لنتائج يُبنى عليها ابتكار وسائل ملائمة للحد من العبث غير الموضوعي لمُتعاطيها ، وهذا لا يعني تحجيماً للحريات الشخصية في قول ما تُريده ، بقدر ما هو إعادة تأهيل لمسيرة الحريات التي فُهمت – للأسف الشديد – على أنها قُل ما تُريد أن تقوله دون وجود مُحددات وضوابط لهذا القول .
صحيفة المدينة