د.عبد الوهاب أبو داهش
لم يمر أسبوع واحد على مقالي الأسبوع الماضي بعنوان ''9 سنوات عجاف على النمو الاقتصادي''، متوقعا فيه نموا بطيئا وركودا قد يستمر إلى 2015. وهو ما يعني أن الاقتصاد العالمي قد يمر بحالة الكساد التضخمي Stagflation الذي يتسم بالركود الاقتصادي متزامنا مع ارتفاع في البطالة والأسعار. وهي الحالة التي قد تطول كما أشرنا في مقالتنا السابقة من أن الحالة اليابانية التي بدأت منتصف التسعينيات حتى الآن قد تصيب الاقتصادين الأمريكي والأوروبي. أقول إنه لم يمر أسبوع واحد حتى ظهرت بوادر أخرى قد تؤكد ما جاء في تلك المقالة، بعد إعادة انتخاب أوباما وظهور أرقام نمو مخيبة للآمال للاقتصاد الألماني. فعودة انتخاب أوباما أعادت الفزع إلى الأسواق المالية من أنه سيجد صعوبة بالغة في تفادي رفع الضريبة وخفض العجز في الموازنة الفيدرالية ابتداء من أول كانون الثاني (يناير) المقبل، خصوصا بعد محافظة الجمهوريين على السيطرة على مجلس الشيوخ. وهو ما يعني أنه قد يضطر لخفض الإنفاق ورفع الضرائب، ما يسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي بنسبة ملحوظة قدرها البعض بـ 1 في المائة. وعند نسبة بطالة مرتفعة تقترب من 8 في المائة وارتفاع ملحوظ في الأسعار، فإن أمريكا ستجد صعوبة كبيرة في إيجاد حلول عملية للخروج من هذا المأزق. ويزيد من حدة هذا المأزق البيانات السيئة لتراجع الإنتاج الصناعي الألماني بأعلى من المتوقع بنسبة 1.8 في المائة في أيلول (سبتمبر) الماضي، مع خفض توقعات منطقة اليورو من 1 في المائة إلى نحو 0 في المائة (من دون نمو).
إن هذه المخاوف، تؤكد وتجيب، عمن سأل أو علق على المقالة السابقة، سلبا أو إيجابا، بأننا يجب ألا نفرط في التفاؤل، وأن علينا أن نتوقع خفضا ملحوظا في نفقات موازنة المملكة العام المقبل، وكذلك تبني أسعار نفط متحفظة للغاية قد تكون أقل من 60 دولارا للبرميل، وستكون أقل من تقديرات أسعار النفط لموازنة 2012. وهذا لا يعني أن الحكومة ستتخلى عن الإنفاق في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. فهي قد تضطر إلى أن تتأقلم مع أية متغيرات اقتصادية محلية وعالمية، وبالتالي قد تعمل على زيادة الإنفاق الفعلي إذا لاحظت أن أسعار النفط متماسكة رغم الركود الذي قد يشهده الاقتصاد العالمي. إن ما يقلق السوق النفطية خلال العام القادم زيادة المخزون العالمي من النفط، وزيادة إنتاج دول صناعية مهمة مثل أمريكا وكندا، ما يصعب معه التوقع الجيد لأسعار النفط. إن التذبذب العالي لأسواق الأسهم والسلع، بما فيها النفط، يضيف إلى حالة الغموض في التنبؤ بالأسعار. فقد نشهد تصحيحا مجددا للأسعار في 2013، في حال التزام دول أوروبا بخفض الإنفاق، وكذلك الولايات المتحدة إذا وجدت صعوبة في مقارعة الكونجرس، ما يعني أننا قد نشهد تراجعا سريعا في أسعار السلع الحقيقية. لكن هذه الأسعار قد لا تنخفض بالنسبة المستهدفة - أو التي يتمناها الجميع - بسبب انخفاض أسعار الفائدة عالميا عن نسبة تقترب من الصفر، ما يسمح للمضاربين والمستثمرين بالتوجه لشراء السلع والأصول العقارية، ما يحافظ على بقاء الأسعار مرتفعة (تضخم)، رغم تراجع النمو الكلي وارتفاع معدلات البطالة التي اقتربت من 12 في المائة في أوروبا. وهو الأمر الذي قد يؤكد استمرار الكساد التضخمي.