د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
عندما تطرقت في مقالي المنشور بهذه الجريدة يوم الإثنين 29/6/2009 بعنوان: سوق الأسهم من يحمينا منا، والذي أكدت فيه أن سوق الأسهم السعودي نضج وتطور خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح قادرا إلى حد كبير على حماية نفسه ومستثمريه من العبث الاستثماري غير النظامي بكل أنواعه وأشكاله وأن ما يتعرض له السوق من هزات استثمارية جاء نتيجة الأخبار التي ذكرت أن هناك قروضا وتسهيلات منحت لرجال أعمال سعوديين من بنوك سعودية تفوق قدرتهم على الالتزام بها أو حتى تغطيتها التغطية السليمة, هذه الأخبار جاءت لتؤكد تأثير مثل هذه الممارسات السلبية في سوق الأسهم السعودي وبالتالي في مدخرات واستثمارات المواطنين التي يعمل السوق على حمايتها, وخلال هذه الفترة لم نسمع أي تعليق من المسؤولين في مؤسسة النقد السعودي على صحة الأخبار والآثار المترتبة عليها. ولعلي أذكر ما يدور في أوساط المجتمع من حديث يقول إن أحد المستثمرين السعوديين ''رجل أعمال أو أكثر'' حصل على تسهيلات وقروض مالية من بنك هو يرأس مجلس إدارة أو هو عضو فاعل في مجلسه وإن تلك التسهيلات والقروض تفوق الضمانات المالية التي وفرها وإن هذا العضو أو أكثر استخدم علاقاته ونفوذه داخل مؤسسة النقد وحصل على استثناءات من أجل تلك التسهيلات والقروض وإنها أي القروض بالمليارات, هذا هو نص الحديث الذي يدور في مجالس المجتمع, هذا الحديث خرج قبل أن يخرج علينا الإعلام بالمعلومات والأرقام عن مثل هذه الحقيقة ومما يزيد الأمر سوءا هو التأكيد على أن هناك حالات عديدة لرجال أعمال تم منحهم تسهيلات مشابهة لما ذكر وأنها جميعا ستغرق العديد من البنوك السعودية والخليجية وتؤدي إلى إفلاسها وبالتالي ستقود سوق الأسهم السعودي إلى انخفاضات قادمة أسوأ مما سبق.
السؤال الذي يطرح نفسه هل ما يذكر حقيقة وأن هناك تسهيلات وقروضا منحت تفوق قدرة الممنوحين؟ وهل هناك ضغوط مورست على مؤسسة النقد حتى تتم تلك التسهيلات والقروض؟ فإن كان الجواب عن السؤالين بالنفي فيجب إيضاح ذلك بشكل واضح وقوي ولا يقبل الجدل ويقضي على الشائعات التي تدور في مجالسنا وإن كان ما ذكر صحيحا فهل تم اتخاذ الإجراءات الرادعة المانعة لحدوث ما حدث مرة أخرى وتمت معاقبة المتسببين بغض النظر عن أسمائهم ومكانتهم المالية والوظيفية والعائلية بحيث يكونون عبرة لغيرهم خصوصا أن ما قاموا به - إن صح - يدخل في نظرية ضمن الإفساد في الأرض وأكل أموال الناس بالباطل لأننا كما نعلم جميعا أن المال عديل الروح وحمايته والمحافظة عليه من الضروريات الخمس والمصطفى - عليه الصلاة والسلام - يقول ''من قتل دون ماله فهو شهيد''.
إن الاستقرار الاقتصادي يعتبر داعما أساسيا للاستقرار السياسي والاجتماعي والنفسي والمحقق للانتماء الوطني والعطاء المتقن والمنافسة الشريفة ضمن المنظومة العالمية ويخطئ من يعتقد أن الفقر والتضييق على الشعوب هما الحل للاستقرار السياسي والاجتماعي لأن تجارب الشعوب أثبتت أن الفقر والمشكلات الاقتصادية أكبر محرض على الفوضى والفساد وعدم الولاء للوطن والعطاء له وعندما يصاب الإنسان في ماله فإنه يصاب في كل ما يملك وصدق الله القائل: ''المال والبنون زينة الحياة الدنيا''. والمال هنا قدم لأهميته كما يذكر المفسرون ولهذا فإن الحزم في حماية الأموال واجب وطني ويعتبر من أهم الواجبات التي تقع على المؤسسات المالية العامة والخاصة, ومؤسسة النقد السعودي كسبت خلال السنوات الماضية ثقة المواطن والمقيم في ضبطها الأمور المالية وعدم تساهلها في ذلك, ولهذا اطمأن الجميع ووضعوا أموالهم في البنوك لمعرفتهم أنها في حماية مؤسسة مالية قوية ومدعومة من أعلى سلطة في البلد, ولهذا فعندما بدأ الحديث عن مثل تلك التسهيلات والقروض ودور المؤسسة فيها جعل الجميع يطالبون بإيضاح من المؤسسة يعيد الطمأنينة والاستقرار النفسي, وبالمناسبة هناك من يذكر أن البعض بدأوا في سحب أموالهم من البنوك خوفا من إفلاسها, إن صح ذلك فسيكون أكثر السلبية على الاقتصاد الوطني واستقرار البنوك وعملها, ويبقى كل ما ذكر حديث مجالس غير مؤكد وإن كان مؤثرا والأمر يحتاج إلى إيضاح وقطع لكل دابر, وفق الله الجميع للعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد, عالمي الطموح.
وقفة تأمل:
ما جال بعدك لحظي في سنا القمر
إلا ذكرتك ذكر العين بالأثر
ولا استطلت ذماء الليل من أسف
إلا على ليلة سرت مع القصر
ناهيك من سهر برح, تألفه
شوق إلى ما انقضى من ذلك السمر