كلمة الاقتصادية
هناك زيادة ملحوظة في عمليات غسل الأموال في عامي 2011 و2012، بل إن مكتب مكافحة غسل الأموال الفيدرالي السويسري أعلن أن عمليات غسل الأموال زادت في هذه الفترة بما يقارب 40 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة، وبلغ حد وصف تلك العمليات المشبوهة بأنها تهريب واسع لم يسبق له مثيل، رابطا بين هذه العمليات المشبوهة وبين دول الربيع العربي، ويتزامن مع هذا التصريح الخطير ما سبق أن كشفت عنه السلطات الحكومية في الولايات المتحدة مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي، عن وجود عمليات غسل أموال متورط فيها مصرف تجاري عالمي له فروع في دول المنطقة، حيث قام بعمليات مشبوهة لمصلحة شركات ومؤسسات في إيران لتخفيف الحصار الاقتصادي عنها.
ولأن مخاطر عمليات غسل الأموال تهدد اقتصاد الحكومات، كما تمس الأمن الاجتماعي باعتبارها من أخطر الجرائم المنظمة، فإن مواجهتها لا تترك اختيارا سوى تكثيف الجهود وتوحيد العمل دوليا ومحليا لحماية المجتمعات من الجريمة المنظمة التي تمارسها عصابات غسل الأموال، وحسبما يؤكده المصرفيون والخبراء في مجال مكافحة الجريمة، هناك فهم عميق من المؤسسات المالية لأهمية مكافحة الجرائم المالية عموما وجرائم غسل الأموال على وجه الخصوص، وذلك لضررها البالغ على الاقتصاد الوطني وعلى المؤسسات المالية، كما أن مواجهة هذه المهام تتطلب زيادة جرعات التدريب للعاملين في القطاعات مع تطوير آليات رصد العمليات المشبوهة، وهذا ما أدى عمليا إلى زيادة ملحوظة في عدد بلاغات الاشتباه في قضايا غسل الأموال.
لقد أوضح مصرفيون خلال حديثهم في ملتقى مخصص لمكافحة غسل الأموال، عُقد في الرياض، أن نطاق المكافحة تسهم فيه شركات ومكاتب تقدم خدمات الاستشارات المالية في السعودية في مجال إدارة الالتزام المعنية، وذلك تبعاً لتطور قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتشديد الجهات المعنية على المؤسسات المالية بضرورة تطبيق أعلى المعايير والضوابط حتى على المصارف، التي تعتبر خدماتها مقصودة من المنظمات الإجرامية لاستغلالها في عمليات غسل الأموال. ولعل من عوامل النجاح أن جميع المؤسسات المالية في السعودية تمتلك أحدث النظم التقنية لتتبع جرائم غسل وتمويل الإرهاب، إضافة إلى سهولة إجراءات البلاغات عن مثل تلك القضايا التي تنقل إلى وحدة التحريات في وزارة الداخلية.
إن وحدة البحث والتحريات في وزارة الداخلية هي المعنية في السعودية باستقبال بلاغات الاشتباه في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإن القطاعات المالية وغيرها من القطاعات تقوم بدور مهم في ترصد مثل تلك القضايا، لذا فإن من يقوم بعملية غسل الأموال يعلم جيداً مدى المصاعب التي قد يواجهها من جراء قيامه بذلك، بالنظر إلى حجم العقوبة المغلظة التي قد تطوله في حال ثبوت إدانته في مثل تلك القضايا، فالعقوبات في المملكة تعد الأعلى مقارنة بدول كثيرة عرف عنها التساهل في توقيع العقوبات في مجال الجرائم المالية، إضافة إلى سهولة الكشف عن تلك العمليات وسرعة التعامل مع وقائعها وجمع الأدلة فيها.
إن نجاح القطاعات المالية في مكافحة عمليات غسل الأموال جزء من مكافحة الفساد، وهو مطلب وطني، بل مطلب شرعي، فقد أصبحت مكافحة الفساد قضية شأن عام تهم المسؤول والمواطن أيضا، فالفساد كما هو في القطاعات الحكومية لا يخلو منه القطاع الخاص بمختلف نشاطاته المالية والتجارية، فالفساد هدفه الأخير هو جني المال والاستفادة منه، وقد يتطلب الأمر غسل تلك الأموال القذرة وإزالة الشبهات عنها، وهي خدمة يمكن تقديمها حتى لأولئك الذين حصلوا على أموال غير مشروعة من خلال مواقعهم الوظيفية، لذا فإن من واجب المصارف ملاحقة الأموال المشبوهة التي قد تصل إلى الموظفين العموميين في الأجهزة الحكومية وغيرها من المناصب في القطاع الخاص.