كلمة الاقتصادية
وجود محاكم للاستئناف جزء من تنظيم السلطة القضائية الجديد الذي تبناه مشروع خادم الحرمين لإصلاح القضاء، ورغم مضي المدة المحددة لإنجاز المشروع كاملا إلا أنه لم يكتمل تطبيقه بعد وخصوصا في تفعيل قضاء الاستئناف وهو درجة ثانية من درجات التقاضي أمام المحاكم في القضاء العام وكذلك القضاء الإداري، حيث لا تزال جهتا القضاء المذكورتان تعملان برؤية وآلية محاكم التمييز وهيئات تدقيق الأحكام، ما يعني أنه ليس في المنظور القريب ما ينبئ عن خطوات عملية ستجعل من الاستئناف محكمة يتم الترافع أمامها كدرجة تقاض ثانية.
وإذا كانت هناك مبررات عملية مثل نقص الكوادر البشرية لإتمام خطة الانتقال بالسلطة القضائية إلى ما يتوافق مع التنظيم الجديد، فإن المبالغ المالية المعتمدة للمشروع تقارب السبعة آلاف مليون ريال، ومع ذلك فلا تزال كل المعوقات تدور حول محور الكوادر البشرية وهو قصور متراكم لم يوجد له حل حتى اليوم، بل أصبح معضلة مستمرة تلقي بظلالها على كل أجزاء وتفاصيل الترتيبات القضائية التي هي بالفعل إصلاح شامل لهيكل السلطة القضائية والذي يقع العبء فيه على القضاء العام تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وهي الجهة التي يقع في ميدانها معظم التعديلات القضائية وتولي الاختصاصات غير الإدارية المندرجة تحت ولاية القضاء الإداري ممثلا في ديوان المظالم.
لقد ترقب الجميع نتائج المشروع الوطني لإصلاح القضاء الذي يحمل اسما رسميا هو الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات والتي تضمنت إصدار نظام جديد للقضاء ونظام جديد لديوان المظالم ومشروع آلية العمل التنفيذية لهما وارتبط إنجاز هذه الترتيبات بوقت محدد هو سنتان منذ صدورهما الذي تضاعفت فيه مدة الإنجاز ولم يتم شيء يذكر، خصوصا في مجال إنشاء محاكم جديدة ونقل الاختصاصات من ديوان المظالم إلى المحاكم العامة لغير القضايا الإدارية والسؤال الآن: كم سيحتاج هذا الإصلاح أو الترتيبات من الوقت حتى تظهر بوادره للمجتمع أو على الأقل تنفيذ الجزء الأهم منه؟
وإذا كان القضاء التجاري هو ما يهم القطاع الخاص فإن إنشاء محاكم تجارية ليس في طريقه للإنجاز ولا حتى في المنظور القريب، فالمملكة بها 14 منطقة إدارية مع ملاحظة أن بعض المناطق بها مدينتان أو ثلاث رئيسة وتحتاج كل مدينة إلى محكمة تجارية مستقلة وهو في غاية الوضوح حسب التنظيم القضائي الجديد، وهذا يفرض وجود مبان حكومية أو مستأجرة لتكون نواة لهذه المحاكم في بداية نشأتها وهو عمل يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه فضلا عن متطلبات التجهيز الإداري والمكتبي لهذه المحاكم التي ستنظر في نوع دقيق من المنازعات وهي ذات طابع تجاري وهي الأكثر ارتباطا بالسوق ورجال الأعمال ونشاط الشركات والمؤسسات والمستثمرين وكثير من الأفراد المستهلكين للسلع والبضائع والخدمات.
إن ما طالب به بعض المختصين ومنهم المحامون من بدء وتفعيل للترافع أمام محاكم الاستئناف الإداري ومحاكم القضاء العادي يتفق مع طموح كل متخصص في مجال الشريعة والقانون وكل من يعمل في حقل العدالة، وقد يكون ذلك أبرز الصعوبات التي تواجهها جهتا القضاء الإداري والعادي ومهما قيل عن النقص في الكوادر البشرية فإنه تبرير لم يعد مقبولا، فلدينا عدد من الخريجين من أقسام الشريعة والقانون، كما يمكن استقطاب من تتوافر فيهم الشروط ممن عملوا في أعمال نظيرة لدى الجهات الحكومية وتنقل خدماتهم ولن يكونوا أقل كفاءة وأداء وانضباطا ممن بدأوا العمل في الجهاز القضائي بأية حال.