المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 26/09/2012 الموقع : K.S.A
موضوع: التعصب للفرق والأحزاب المعاصرة [أسبابه ، وعلاجه] الإثنين أكتوبر 29, 2012 3:49 am
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 102] ، ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء : الآية 1] ، ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 70-71] ، أما بعد :
التعصب أثر من آثار الفرق والأحزاب المعاصرة
فالتعصب أثر من آثار الفرق والأحزاب المعاصرة ، والتعبير بلفظ الفرق هو التعبير الصحيح ، واصطلح كثير من الناس على تسميتها في زماننا هذا بالجماعات ، فلربما عبرتُ بهذا اللفظ من باب أنه اصطلاح اشتهر عند كثير من الناس ، وإنما سُمِّيت هذه الجماعات بالفرق لأن نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - حدَّث عن افتراق هذه الأمة الإسلامية ، فأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن أهل الكتاب افترقوا إلى ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة (1 ) ، وهي ما كان على من كان عليه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأخيار الأبرار - رضي الله عنهم وأرضاهم - .
وموضوعنا هذا يشتمل على عدد من العناصر ، هي :
- بيان النصوص الشرعية في ذم التفرق في الدين ، والحث على الاجتماع .
- تاريخ الحزبية في الإسلام .
- خطر الفرق والأحزاب على أمة الإسلام .
- أنواع الأحزاب في زماننا .
- متى نشأت الأحزاب المعاصرة ، وسبب نشأتها .
- خطر الحزبيات على بلاد المسلمين .
- بيان المنهج الخفي لهذه الأحزاب الوافدة .
- بيان آثار الفرق والأحزاب المعاصرة على أمة الإسلام .
- واجب أهل العلم .
- فتاوى العلماء في الجماعات والفرق المعاصرة .
- موعظة لأولي الألباب .
التحذير من التفرق
لقد حذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من التفرق ، والتعصب لغير الدين فقال - كما في الحديث الذي خرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : « من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات مات مِيتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عِمّية ( 2) ، يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل فقِتْلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب بَرّها وفاجرها لا يتحاشى ( 3) من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد ، فليس مني ولست منه » ( 4) .
يقول العلامة النووي - رحمه الله - ( 5) في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ومن قاتل تحت راية عمية » . هي بضم العين وكسرها ، لغتان مشهورتان ، والميم مكسورة مشددة ، والياء مشددة أيضا ، قالوا : هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه . كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور ، قال إسحاق بن راهَوَيْه: هذا كتقاتل القوم للعصبية .
وقال العلامة الطيبي : تحت راية عمية ، أي كناية عن جماعة مجتمعين على أمر مجهول ، لا يُعرف أنه حق ، أو باطل ، فيدعون الناس إليه ، ويقاتلون له .
يقول العلامة النووي ( 6) : أي يقاتل لشهوة نفسه وغضبه لها ، ويؤيد هذا الحديث المذكور بعده يغضب للعصبة ، ويقاتل لعصبة ، ومعناه إنما يقاتل عصبية لقومه وهواه .
يقول ابن الأثير - رحمه الله ( 7) - والعصبية أي الحمية ، والعصبي هو الذي يغضب لعصبته ، ويحامي عنهم ، والعصبية والتعصب هي المحاماة والمدافعة .
ويقول نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- : « إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهى الجماعة ، وإنها ستخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يَتَجارى الكَلَب ( بصاحبه ، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله » (9 ) . رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الترمذي والحاكم والبغوي وابن تيمية وابن كثير وابن حجر ، وفي هذا رد على من ضعّفه .
ويقول ابن مسعود - رضي الله عنه - مبينا نصيحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحذيره من اتباع هذه الأهواء والفرق والجماعات المحدثة : خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ثم قال : « هذا سبيل الله » . ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : « هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه » . ثم قرأ ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 153] » ( 10) .
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله أوصنا كأنها وصية مودع . قال : « أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » (11 ) .
وأوصانا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتمسك بكتاب الله وسنته - عليه الصلاة والسلام - فإن فيهما النجاة في الدنيا والآخرة ، فقال : « تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » ( 12) .
حرص السلف على السنة
وكان السلف - رضي الله عنهم - حريصين أشد الحرص على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدَعونها لأي أمر ، فكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – يقول : لست تاركا شيئا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى - إن تركتُ شيئا من أمره - أن أزيغ ( 13) .
ومما يبين ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الحرص على السنة ، والتمسك بها ، وأن هذا سبيل النصر والعز والتمكين لأمة الإسلام ، في أول الزمان وآخره ما قاله أبو هريرة - رضي الله عنه – حيث قال : والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استُخلف ما عُبد الله . ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، فقيل له : مَهْ (14 ) يا أبا هريرة . فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجّه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ، فلما نزل بذي خشب قُبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتدت العرب حول المدينة ، واجتمع إليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : رُدّ هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم ، وقد ارتدت العرب حول المدينة . فقال : والذي لا إله إلا هو ، لو جرَّت الكلاب بأرجل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رددت جيشا وجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا حللت لواء عقده . فوجه أسامة ، فجعل لا يمر بِقَبيل (15 ) يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم . فلقُوا الروم ، فهزموهم وقتلوهم ، ورجعوا سالمين ، فثبتوا على الإسلام (16 ) .
فانظر إلى تمسك أبي بكر - رضي الله عنه - بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عِظم الفاجعة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتداد جماعة من العرب ، إلا أنه تمسك بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت النجاة والغلبة لأهل الإسلام ، وصدق نبينا - صلى الله عليه وسلم - حين قال : « قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضّوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة ، وإن عبدا حبشيا ، فإنما المؤمن كالجمل الأَنِف ( 17) ، حيثما قِيد انقاد » ( 18) .
يقول الإمام مالك - رحمه الله وغفر له - : لا يُصلح آخرَ هذا الأمر إلا ما أصلَح أولَه .
لقد كان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يعرفون نعمة الله عليهم بالتمسك بالسنة ، والهداية بها ، ويدركون ما أنعم الله به عليهم من النجاة من البدع والأهواء المضلة ، فكانوا يُحدّثون بنعمة الله - عز وجل - ويُحذرون مما يُذهبها .
ويقول أبو العالية الرياحي ( 19) - رحمه الله وغفر له - : أنعم الله علي بنعمتين ، لا أدري أيتهما أفضل : أن هداني للإسلام ، أم لم يجعلني حَرُوريًّا . أي خارجيا ، لأن فتنة الخوارج كانت في زمانه عظيمة .
ويقول ابن مسعود - رضي الله عنه - اتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كُفيتم ، عليكم بالأمر العتيق ( 20) .
ويقول الإمام الأوزاعي - رحمه الله وغفر له - : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوا لك بالقول .
ويقول الإمام أحمد ، إمام أهل السنة في زمانه في رسالته إلى مسدد : لا تشاور صاحب بدعة في دينك ، ولا ترافقه في سفرك .
ويقول الإمام البَرْبَهاري - رحمه الله - مبينا ما عليه أهل هذه الفرق والأحزاب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة : مثل أصحاب البدع مثل العقارب ، يدفنون رءوسهم وأبدانهم في التراب ، ويُخرجون أذنابهم ، فإذا تمكنوا لدغوا .
فكذلك أهل البدع ، هم مختفون بين الناس ، فإذا تمكنوا ، فعلوا ما يريدون .
ويقول - رحمه الله وغفر له - : إذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره ، فإن الذي أخفى عنك أكثر من الذي أظهره .
ويقول ابن الجوزي - رحمه الله - مبينا شيئا مما يتعلق بتربية الأولاد على السنة ، وإبعادهم عن أهل الأهواء ، والبدع المضلة : اللهَ اللهَ من مصاحبة هؤلاء . يعني أهل البدع .
فيجب منع الصبيان من مخالطتهم ، لألا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء ، واشغلوهم بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – .
ذم أهل البدع
فقد كان السلف - رضي الله عنهم - لا يهابون من ذم أهل التحزب والبدع والأهواء ، بل كانوا يحذرون منهم بأعيانهم ، لما في ذلك من المصلحة العظيمة لأهل الإسلام ، قال رجل للإمام أحمد : يا إمام لِم تتكلم في فلان وفلان ؟ فقال الإمام أحمد – رحمه الله وغفر الله له - : إذا سكتُّ أنا ، وسكتَّ أنت ، فمتى يتعلم الجاهل ؟
ويقول أبو نعيم : دخل الثوري يوم الجمعة ، فإذا الحسن بن صالح بن حي يصلي ، فقال الثوري - رحمه الله - : نعوذ بالله من خشوع النفاق . وأخذ نعليه وتحول عنه ، وقال : ذلك رجل يرى السيف على الأمة . أي يستبيح الخروج على ولاة الأمر ، فلذلك حذر منه .
واستمِع لهذه الحادثة التي جرت للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله وغفر له - في التحذير من أهل الأهواء والبدع ، وعدم الاغترار بما يظهرونه من الزهد والرقائق والبكاء من خشية الله - سبحانه وتعالى - كما يزعمون ، يقول علي بن أبي خالد : قلت لأحمد بن حنبل : إن هذا الشيخ - لشيخ حضر معنا - هو جاري ، وقد نهيته عن رجل يحب أن يسمع قولك فيه ، حارث القصير - يعني الحارث المحاسبي - قال علي للإمام أحمد : وكنتَ يا إمام رأيتني معه . أي مع الحارث منذ سنين عديدة ، فقلت لي : لا تجالسه ، ولا تكلمه . فلم أكلمه حتى الساعة ، وهذا الشيخ يجالسه ، فما تقول فيه ؟ قال : فرأيت أحمد بن حنبل قد احمر لونه ، وانتفخت أوداجه وعيناه ، وما رأيته هكذا قط ، ثم جعل الإمام أحمد ينتفض ويقول : ذاك - أي الحارث المحاسبي - فعل الله به وفعل ، ليس يعرف ذاك إلا مَن خَبَرَه وعرفه ، أوه أوه ، ذاك لا يعرفه إلا مَن خبره وعرفه ، ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان ، فأخرجهم إلى رأي جهم ، فهلكوا بسببه . فقال الشيخ للإمام أحمد : يا أبا عبد الله ، يروي الحديث ، ساكن خاشع ، من قصته كذا وكذا . فغضب الإمام أحمد - رحمه الله - وجعل يقول : لا يَغُرّك خشوعه ولينه ، لا تَغترّ بتنكيس رأسه ، فإنه رجل سوء ذاك ، لا يعرفه إلا من خبره ، لا تكلمه ، ولا كرامة ، كل من حدث بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مبتدعا لا تجلس إليه ، ولا كرامة ، ولا نُعمى عين ، وجعل يقول ذاك .
يقول أبو القاسم : بلغني أن الحارث المحاسبي تكلم في شيء من الكلام ، فهجره أحمد بن حنبل ، فاختفى - أي الحارث - فلما مات لم يُصلّ عليه إلا أربعة نفر .
كان السلف - رضي الله عنهم - يفرحون بمصاحبة الشباب لأهل السنة ، لأنهم يتعلمون منهم السنة ، ويحزنون لمجالستهم أهل الأهواء والبدع ، يقول عمرو بن قيس : إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة فارجُه ، وإذا رأيته مع أهل البدعة فايأس منه ، فإن الشاب على أول نشوئه .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : « الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم مَن يُخالل » ( 21) . فهنيئا لمن رزقه الله فقيها يعلمه السنة ، أو يحذره من البدعة ، هنيئا لمن رزقه الله خليلا يدله على سبيل أهل السنة .
يقول ابن شَوْذَب : إن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك أن يؤاخي صاحب سُنَّة ، يحمله عليها .
وإليك هذه الحادثة العجيبة المبينة لما كان عليه السلف الصالح - رضي الله عنهم - من الحذر من التحزب في الدين ، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء ( 22) ، بإسناد صحيح عن مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير - وهو من كبار ثقات التابعين - قال : كنا نأتي زيد بن صوحان ، وكان يقول : يا عباد الله أكرموا وأجملوا ، فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين : الخوف والطمع . فأتيته ذات يوم ، وقد كتبوا كتابا ، فنسقوا كلاما من هذا النحو : إن الله ربنا ، ومحمدا نبينا ، والقرآن إمامنا ، ومن كان معنا كنا ، وكنا له ، ومن خالفنا كانت يدنا عليه ، وكنا وكنا . قال : فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا ، فيقولون : أقررت يا فلان ؟ حتى انتهوا إليّ ، فقالوا : أقررت يا غلام ? قلت : لا ، قال : لا تعجلوا على الغلام ، ما تقول يا غلام ? قال قلت : إن الله قد أخذ عليّ عهدا في كتابه ، فلن أحدث عهدي سوى العهد الذي أخذه الله - عز وجل – عليّ ، قال : فرجع القوم عن آخرهم ، ما أقر به أحد منهم ، قال : قلت لمُطَرِّف : كم كنتم ? قال : زهاء ثلاثين رجلا .
بهذا يتبين لنا نعمة الله - سبحانه وتعالى - علينا بالاجتماع على كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتبين لنا كيف كان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يحذرون من هذه الأهواء والبدع المضلة ، ولكن هل التفرق والتحزب كان موجودا في ذلك الزمن وانتهى في زماننا ؟
الجواب : لا ، فكلما بعُد العهد عن السلف الصالح - رضي الله عنهم – كلما كثرت الأهواء والبدع المضلة .
تاريخ الحزبية في الإسلام
أما عن تاريخ الحزبية في الإسلام ، فقد نشأت هذه الأحزاب والجماعات والفرق منذ النشأة الأولى للأمة الإسلامية ، وكان لها أثر سيئ في الأمة ، فمن أول تلك الأحزاب التي نشأت في الإسلام ، حزب عبد الله بن أُبيّ ابنُ سَلُولَ ، فإنه كان في المدينة ، وكان أهل المدينة يريدون أن يجعلوه أميرا عليهم ، وقد صنعوا له تاجا ، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، انصرف الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهجروا عبد الله بن أبي ابن سلول ، فحقد على الإسلام وأهله ، ولما رأى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا ، أظهر الإسلام نفاقا ، وصار يكيد لأهل الإسلام هو وحزبه ، وهو الذي سعى في تفريق المسلمين ، وهو الذي قال : ﴿ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا ﴾ [سورة المنافقون : الآية 7] ، وهو الذي قال : ﴿ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ﴾ [سورة المنافقون : الآية 8] ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرد كيده ، وما يبثه من شبهات ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبر عليه ، خشية أن يُقال : إن محمدا يقتل أصحابه .
ثم بعد ذلك نشأ حزب عبد الله بن سبإ اليهودي ، الذي أظهر الإسلام ، لكنه كان يكيد لأهل الإسلام في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وذلك أن الناس اجتمعوا على عثمان بعد مقتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فكانت الخَيْرات عظيمة ، وكان الرزق واسعا ، لكن هذا الرجل لما رأى تآلف أهل الإسلام ، سعى لتفريقهم ، وكان شعاره هو ومن معه من أتباعه الطعن في العلماء والأمراء ، فسعى هذا الرجل بالفتنة ، واجتمع حوله أناس من الجهلة ، وممن لا يعرفون مقاصده ، فحاصروا عثمان في بيته ، حتى قُتِل - رضي الله عنه وأرضاه - وكان - رضي الله عنه - أشرف من يمشي على الأرض في زمانه ، بعد وفاة أبي بكر وعمر ، وذلك أن أهل السنة يرون أن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي - رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين - .
وفي زمن علي - رضي الله عنه - نشأت فرقة أخرى وهي فرقة عبد الله بن وهب الراسبي ، وهذا الرجل كان من الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والخوارج كفروا عليا ، ومن معه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستباحوا دماءهم وأموالهم ، ففي الصحيح ( 23) أنهم أغاروا على سرح المسلمين ، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ، ونزعوا البيعة ، وولوا عبد الله بن وهب الراسبي أميرا عليهم ، واجتمعوا يوم النهروان ، فنصحهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرجعوا ، وهجمت هذه الفرق المبتدعة على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يريدون مقاتلتهم ، فأمر علي - رضي الله عنه - أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم ، عملا بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : « لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد » ( 24) . فقتلهم علي بن أبي طالب ، ولم يبق منهم إلا القليل ، منهم عبد الرحمن بن ملْجَم ، الذي كَمَن لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما خرج للصلاة ، فضربه بسيف شحذه شهرا ، وسقاه السم شهرا ، فمات علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - .
ثم بعد ذلك نشأت الفرق ، كالمرجئة ، والشيعة ، والمعتزلة ، كل هذه الفرق نشأت في أواخر عهد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – وما بعد ذلك .
أما في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أبي بكر وعمر ، فكان الناس على منهاج واحد ، في أصول الدين وفروعه .
وقد استمرت هذه الفرق والأحزاب والجماعات تخرج في أهل الإسلام ، وبقيت منهم بقية لها تأثير يزيد أحيانا ، ويقل أحيانا أخرى ، وما زال الأمر هكذا حتى رأينا تأثير هذه الفرق ، في الأحزاب والجماعات المعاصرة ، فما من جماعة ، أو حزب ، أو فرقة معاصرة ، إلا فيها أثر تلك الأفكار المتقدمة ، بل إن بعضهم يوافق الخوارج تماما في مذهبهم ، مع أنه لم يقرأ ما كان عليه الخوارج ، لأن الشيطان سوّل لهم ، كما سول لمن قبلهم .
خطر الأحزاب والجماعات كبير جدا
إذن فخطر هذه الأحزاب والجماعات على أهل الإسلام ، وعلى دولة الإسلام كبير جدا ، فقد قتل عثمان - رضي الله عنه - وقتل علي - رضي الله عنه - وافترقت الأمة الإسلامية بعد ذلك إلى فرق وأحزاب بسبب هذه الجماعات ، وما زالوا يخرجون على أمة الإسلام في كل زمن ، وفي كل حين ، يُفرّقون الجماعة ، ويضربون المسلمين بعضهم ببعض .
ومن آخر ما أضرت به هذه الجماعات أهل الإسلام ما جرى في الدولة السعودية ، وذلك أن الناس كانوا في القرن الثاني عشر قد بدل كثير منهم ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عليه أهل السنة ، فحدثت الأهواء والفرق والجماعات والأحزاب ، وكانت الغلبة لأهل الأهواء ، ونشأ في أهل الإسلام من يُعَظّم القبور ، ويدعو أهلها من دون الله - عز وجل - ويطلب منهم المدد ، ويبني على القبور القباب ، ويتقرب إليها بالذبائح والنذور ، وصار لأهل الأهواء والتصوف صولة وجولة ، حتى قام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بالدعوة إلى توحيد رب العالمين ، وحصل بينه وبين أمير الدرعية محمد بن سعود معاهدة الدرعية ، حيث تعاهدا فيها على نصرة التوحيد والسنة ، ومحاربة الأهواء والبدع المضلة ، فقاموا بالدعوة إلى توحيد رب العالمين ، فعند ذلك قام عليهم أهل الأهواء والأحزاب والفرق والجماعات ، وأثاروا حولهم الشكوك والأكاذيب والأباطيل ، وخاطبوا الناس وكاتبوهم ، شرقا وغربا ، يحذرون من الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ، ومَن معه من أهل التوحيد والسنة .
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أهل الأهواء في نجد كانوا يرسلون الرسائل لأهل اليمن ، ولأهل الشام ، ولأهل مصر ، ولأهل الحجاز ، وغيرها من البلدان ، يُحَرّضونهم على دعوة الإمام المجدد ، ويكذبون عليه الأكاذيب ، حتى إن بعضهم كاتب الخليفة العثماني ، يطلب منه الفتك بهذا الرجل ودعوته ، لكن أهل السنة صبروا على هذه الجماعات والفرق ، وحاربوها أشد المحاربة ، فكانت الغلبة لأهل هذه الدعوة ، حتى دخلوا - بحمد الله - البلد الحرام في سنة ألف ومائتين وعشرين تقريبا ، وهدموا ما كان في ذلك البلد من القباب التي بنيت على قبور الأولياء والصالحين ، وقام لأهل السنة - ولله الحمد والمنة - عِزّ ودولة في ذلك الزمان ، لكن هذه الفرق والجماعات ما زالت تكيد لهم بالليل والنهار ، فحرضوا الناس عليهم ، حرضوا أهل الأهواء ، واتهموا الإمام المجدد - رحمه الله - بتهم كثيرة ، منها أنه لا يُعظّم الأولياء والصالحين ، ومنها أنه يدعي النبوة ، وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات ، فعند ذلك جيّشوا الجيوش لحرب هذا الإمام ، حتى وصلت إلى نجد ، وحاصرت الدرعية سنة ألف ومائتين وثلاثة وثلاثين ، ثمانية أشهر - كما يقول الإمام عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله وغفر له - وقتل من أهل السنة عدد كبير ، وسقطت دولتهم ، وتفرقوا ، وعادت الأهواء والبدع مرة ثانية ، حتى أنعم الله - عز وجل - علينا بقيام الدولة السعودية الثانية ، على يد الإمام تركي بن عبد الله .
فانظروا إلى آثار هذه الفرق والأحزاب على دولة أهل السنة ، فهذه الفرق والأحزاب إذا تُركت دون مواجهة هدمت دولة الإسلام .
ومن خطرها في الدولة السعودية الثالثة ، والتي قامت على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله وغفر له - لما قام الملك عبد العزيز ، وعلم أهل تلك الفرق والأحزاب أنه يدعو إلى ما دعى إليه سلفه ، إلى هذه الدعوة ، دعوة أهل السنة ، إلى الدعوة إلى التوحيد والسنة ، قاموا عليه ، وحاربوه أشد المحاربة ، حتى إن الملك عبد العزيز - رحمه الله - لما دخل الحجاز ومكن الله - عز وجل - أهل التوحيد من تلك البلاد ، وأزالوا ما فيها من البدع والقبوريات - حتى ذكر بعض المؤرخين أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - لما دخل الحجاز هدم أكثر من ثمانين قبة ، منها قبة كانت على قبر أبي طالب ، بناها العثمانيون والصوفية ، ومنها قبة على قبر عبد المطلب ، وغيرها من القباب - فهدمها ، ودعا إلى توحيد رب العالمين ، فاستقام الناس على السنة ، فأغاظ ذلك أهل الأهواء والبدع ، فكتب أولئك سؤالا مكونا من سبع وعشرين فقرة ، موجها إلى علماء العالم الإسلامي ، يُحَرّضون فيه على هذه الدولة ، وعلى هذه الدعوة ، يقولون : هل يجوز أن يمكن الوهابيون من بيت الله الحرام ، وهم يفعلون كذا وكذا ، وهم لا يحبون الأولياء والصالحين ، ولا يقرون بكراماتهم ، ويهدمون معالم الإسلام ، ويقصدون بها تلك القباب التي بنيت على قبور الأولياء والصالحين ، إلى غير ذلك من الأباطيل ، لكن الإمام عبد العزيز - رحمه الله - صبر على كذبهم وأباطيلهم ، وكان يرد عليهم ، وكان في موسم الحج يقول : نحن ندعو إلى السلفية ، ونحن على الدعوة السلفية ، وما يتهموننا به من أمور ، هي أباطيل وأكاذيب . وكان يرد عليهم ، وكذلك يرد عليهم العلماء .
ومن أواخر ما أصيبت به هذه البلاد من نكبات هذه الجماعات والفرق والأحزاب ، ما حصل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فقد قام أهل الأهواء والبدع بنشر الأكاذيب والأباطيل ضد هذه الدولة ، فمن ذلك أنهم اتهموا منهج أهل هذه البلاد ، ودعوتها السلفية ، بأنها هي سبب التكفير والتفجير ، وهذا من الباطل والبهتان ، فإن أسباب التكفير والتفجير معلومة في عدد من بلاد العالم الإسلامي ، وهي هذه الجماعات التي نشأت على غير هدي السلف الصالح - رضي الله عنهم وأرضاهم - .
ومنهم من قال : إن الدرر السنية ، التي جمعت فيها رسائل وفتاوى علماء الدعوة السلفية ، التي قامت عليها بلادنا ، هي سبب التكفير والتفجير ، وهذا من الكذب والباطل والبهتان ، فإن الناس يعلمون براءة أهل هذه الدعوة من هذه الأكاذيب ، بل إن علماء هذه الدعوة ، ومن يقومون على الفتوى فيها ، هم من أول مَن أنكر هذه التفجيرات الآثمة .
منهج هذه الفرق والجماعات
فهذه الجماعات بعد هذه الأحداث يقومون ببعض الأمور ، التي يزعمون أن فيها مواجهة للكفار ، وانتصارا للمسلمين ، لكنهم يفعلون ذلك من باب ذر الرماد في العيون ، وإلا فهم يريدون دولة التوحيد ، فلذلك يقومون بعمل واحد موجه للكفار ، ثم يقومون بعشرات الأعمال التي توجه لبلاد التوحيد والسنة تكفيرا وتفجيرا وسبًّا وإيذاء وإفسادا للشباب .
أقسام الفرق والأحزاب
وهذه الأحزاب الموجودة في زماننا هذا تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولا : أحزاب خارجة عن دين الإسلام ، كحزب البعث ، وكالأحزاب العلمانية .
ثانيا : أحزاب تقوم على النعرات الجاهلية ، والعصبيات القبلية والقوميات العرقية ، وهي من دعوى الجاهلية التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصفها - عليه الصلاة والسلام - بالمنتنة .
ثالثا : أحزاب تتسمى بالإسلام ، وهي على مذاهب ، ونحل شتى ، وهم في بعدهم عن السنة وأهلها ، ما بين مستقل ومستكثر .
وهذه الجماعات والأحزاب والفرق الإسلامية أضر من غيرها ، من جهة أن تلك الأحزاب العلمانية والكفرية واضحة وظاهرة ، فلا يغتر بها شبابنا ، لكنهم يغترون بهذه الفرق والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام ، والتي تظهر شيئا من الانتصار للدين ، فيغتر بها مَن لا علم عنده .
وقد نشأت هذه الأحزاب والفرق المعاصرة عندما تسلط الغربيون على بلاد الإسلام ، واحتلوا عددا من دوله ، فقام بعض الناس من أجل نصرة الدين ، ورأوا أن خير سبيل لنصرة الدين إنشاء هذه الأحزاب والجماعات ، وهم إنما يفعلون ذلك تأثرا بالمحتل الغربي الكافر ، فإن الغربيين قد طرحوا على الناس أسلوبهم السياسي الديمقراطي ، المبني على التفرق والتعددية والحزبية ، ويرون أن هذا هو الأصل ، وأن في هذا تحررا ورُقيّا وتمدنا ، فقلدهم من قلدهم من أهل الإسلام ، وأنشئوا هذه الأحزاب والجماعات يظنون أن في هذا نصرة للدين .
والواجب على أهل الإسلام أن يعملوا بكتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وألا يأخذوا كل ما عند الغرب ، فإن أولئك الغربيين لا علم عندهم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وديننا قد نهي فيه عن التفرق في الدين ، وإنشاء هذه الأحزاب تجعل المسلمين شِيَعا وفرقا متناحرة ، والغربيون يفرحون بكل مسلم يقلدهم في هذا الأسلوب الديمقراطي .
سبب دخول الجماعات إلى المملكة العربية السعودية
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - لما سُئل عن سبب دخول الجماعات إلى المملكة العربية السعودية ، قال : كثرة الاختلاط بالوافدين . فأهل هذه البلاد - ولله الحمد والمنة - نشئوا على التوحيد والسنة ، ونشئوا على طريقة واحدة ، ليس بينهم اختلاف ، ولا تباغض ، ولا عداوة ، ولا أحزاب ، ولا جماعات ، فلما اختلط بعضهم بمن يحمل هذه الأفكار تأثر بها .
ومما يجب أن نعلمه ، أن العلماء يرفضون وجود مثل هذه الجماعات بيننا ، وعامة الناس كذلك يرفضون ذلك ، ولا يريدون التفرق في الدين والاختلاف ، لكن هؤلاء جاءوا بطرق ملتوية فاغتر بهم من اغتر من عامة المسلمين .
ولا شك أن الاعتراف بالداء سبب من أسباب العلاج ، إذ لا يمكن أن نعالج أمرا ، ونحن لا نعترف به ، ولا نقر بوجوده ، ومن يرى أن إهمال وجود هذه الجماعات ، وإنكار وجود من تأثر بها ، يميت هذه الدعوات ، مخطئ ، لأن بلادنا ليست معصومة ، فهي كغيرها من البلاد ، تتأثر ، وفينا الصالح ، وفينا من هو دون ذلك ، لكننا - ولله الحمد والمنة - نسعى للإصلاح ، ونسعى لمعالجة الخطر .
أساليب أصحاب الفرق والجماعات والأحزاب
إن أصحاب هذه الجماعات والفرق ، لما دخلوا بلادنا بثوا عددا من الشبه التي تحميهم ، وتعينهم على نشر فكرهم ، وضم الشباب إليهم ، ومن ذلك أنهم ألزموا من يتكلم عن مساوئهم وأخطائهم ، أن يذكر حسناتهم أيضا ، وقد أنكر علماؤنا ذلك ، وقالوا : إن ذكر حسنات المحذَّر منه يُرَغّب فيما عنده من بدعة وهَوًى ، والسلف - رضي الله عنهم - كانوا يقولون : من عقوبة المبتدع ألا تذكر محاسنه .
ومن ذلك أنهم قالوا : إنما جئنا من أجل إدخال التنظيم الدعوي والتربوي ، دون العقدي ، وهم في هذا كذَبَة ، فإنه لا يمكن لإنسان ينتمي إلى جماعة ، أو حزب ، أن يتوقف عن بث منهجه وعقيدته التي يدين بها ، وهؤلاء يستغلون التنظيم الدعوي والتربوي ، من أجل ضم الشباب إلى فكرتهم ومنهجهم وعقيدتهم .
ومن ذلك أنهم شغلونا بالغزو الفكري سنوات طويلة ، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الجماعات هي التي غزتنا ، ووجد في شبابنا من ينتمي إليها ، ومن يسب دولتنا وعلماءنا ، مع توقيره لرموز تلك الجماعات ، بل منهم من يرى أن دولتنا ليست دولة مسلمة ، فيستبيح دماءنا ، ودماء رجال الأمن .
ومن ذلك أنهم يسعون لاسقاط من يخالفهم ، أو يحذر منهم ، بأمور يخدعون بها الشباب ، ويُلبسون بها على العامة ، فيتهمون أهل العلم الذين يحذرون منهم ، بأنهم من أتباع السلطان ، أو عملاء له .
ومن ذلك أنهم يقولون : هذا ضد الدعوة ، أو إنه يفرق بين المسلمين ، أو إنه يثير الفتنة . ولا شك أن السكوت عن هؤلاء وفتنتهم هو الذي يثير الفتنة بين أهل الإسلام .
ومن ذلك أنهم سعوا لإذابة حاجز النُّفرة من أهل الأهواء والبدع ، بدعوى التسامح والتقارب بين المذاهب الإسلامية ، وبدعوى الأخُوّة بين المسلمين ، وبدعوى التعاون بين الجماعات الإسلامية ، وأخذ ما عندهم ، فيقولون : نأخذ ما عندهم من الخير ، فإذا فتح لهم هذا الباب ، أخذوا الشباب ، وصرفوهم إلى جماعتهم .
ومن ذلك أيضا أنهم يُظهرون شيئا من الدين للتلبيس ، وجمع الأتباع كالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - ويعنون بذلك الدعوة إلى جماعتهم ، والانضمام إلى طريقتهم .
ومن ذلك أنهم يُظهرون الجهاد في سبيل الله - سبحانه وتعالى - ونصرة المستضعفين من المؤمنين ، يقصدون من ذلك أن تجاهد معهم ، وتنضم إلى جماعتهم ، وتقاتل دون ضوابط ، ووصل الحال بهم إلى أن قاتلونا .
ومن ذلك أنهم يظهرون إنكار المنكر ، ويستغلون هذا الأمر في إيغار الصدور على ولاة الأمر ، فيظهرون بعض المنكرات ، ويعظمون بعض الأمور ، وبالتالي ينضم الشباب إليهم ، ويقال لهم : انظروا إلى العلماء ، لا ينكرون المنكرات . وبالتالي يترك الشباب أهل العلم .
ومن ذلك مساعدة المحتاجين ، فيظهرون بعض الأمور التي يستطيعون من خلالها جمع التبرعات ، ثم تُصرف لمصالح جماعتهم ، بل للتخريب في بلاد الإسلام .
ومن ذلك أنهم يدعون إلى الحكمة ، ويقصدون بالحكمة عدم الكلام في شأنهم ، فيقولون : لا تتكلم في إخوانك المسلمين ، ولا تتكلم في هذه الفرق والأحزاب ، لأننا الآن في مواجهة حتمية مع الكفار ، فلنقاتل الكفار ، ثم بعد ذلك نتكلم في هذه الجماعات والفرق ، فيموت من يموت من المسلمين على بدعته ، بل قد يموت على شركه ، فهل يترك مثل هذا حتى ننتصر على الكفار ؟
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر من الأهواء والبدع ، حتى في أشد الأوقات وأصعبها ، فعندما خرج – صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ، مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنوط ، كما لهم ذات أنواط . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : « سبحان الله هذا كما قال قوم موسى ﴿ اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 138] ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم » (25 ) .
ومن ذلك التشكيك في كل ما ثبت عنهم من ضلالاتهم ، فإذا صح عنهم فعل شيء هو من الضلال الذي لا شك فيه ، قالوا : ينبغي أن تتثبت .
ومن ذلك أنهم قد يحتجون بكلام بعض أهل العلم ممن أثنى عليهم ، فلا شك أن هذه الجماعات أول ما وفدت أفكارها إلى بلادنا كانوا يظهرون شيئا من التوحيد والسنة ، والدعوة إلى الخير ، لكن لما تبينت حقيقتهم لأهل العلم حذروا منهم ، ومن هؤلاء المشايخ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله – الذي كان قد أثنى على بعض هذه الجماعات لما وفدت إلى المملكة العربية السعودية ، لكن لما تبين له حال هذه الجماعات حذر منها - رحمه الله وغفر له - حتى إنه قبل وفاته كان يقول عن بعض هذه الجماعات - التي كان قد أثنى عليها سابقا - : إنها داخلة في الثنتين والسبعين فرقة الهالكة .
فالمنهج الخفي الذي تقوم عليه هذه الجماعات هو الذي أخفى صورتها الحقيقية ، حتى فوجئ الناس بظهور شباب يحملون أفكارا مخالفة لما عليه العلماء ، ولما عليه أهل هذه البلاد ، لكن - ولله الحمد والمنة - كلام أهل العلم في التحذير من هذه الجماعات كان له أثر عظيم في إزالة كثير من آثارها ، قال حذيفة – رضي الله عنه - : كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ( 26) .
فلا بد أن نعرف سبل أهل الضلال ووسائلهم ، حتى نحذرها ، قال الله - عز وجل - ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 55] ، أي لتظهر طريقتهم ، حتى يحذروا هذا الشر .
هذا المنهج الخفي يقوم على عدة أمور
وهذا المنهج الخفي يقوم على عدة أمور ، يسلكها أهل الأهواء ، إذا دخلوا إلى بلد ، لا يتمكنون من إظهار بدعتهم ، أو من إظهار فِرقتهم وجماعتهم وحزبهم ، وهذه الأمور هي :
أولا : إخفاء محاسن ولاة الأمر : فلا يظهرون شيئا من محاسنهم ، ويكرهون الحديث عن محاسنهم ، ليوهموا الناس أنه ليس عندهم شيء من الخير ، وبالتالي يكرههم الناس ، فيتهيأ الشباب للخروج على ولاة أمرهم ، وإذا حصل من ولاة الأمر شيء من الخير شككوا في نياتهم ، فقالوا : إنهم يفعلون ذلك لمقاصد أخرى ، مثل الحفاظ على الملك ، ونحو ذلك .
ثانيا : إظهار معايب ولاة الأمر ، والتشهير بهم على المنابر : ويرون أن هذا هو الطريق إلى نصرة الدين ، وإنما يفعلون ذلك ليفصلوا الشباب عن ولاة أمرهم وعلمائهم ، يقول الشيخ ابن باز - رحمه الله - إن التشهير بولاة الأمر على المنابر ليس من منهج أهل السنة والجماعة .
ثالثا : تبني جراحات المسلمين : فيظهرون أمام العامة أن الأمة الإسلامية مصابة في كثير من البلدان ، وأنهم هم الذين سيتولون نصرة هذا الدين ، يتجاوزن بذلك ولاة الأمور ، ليظهروا أمام الناس أنهم أنصار الدين ، وأن ولاة الأمور قد قصروا في نصرة المسلمين ، فينتج عن هذا أن يُفتح لهم الباب لجمع التبرعات ، كما فعلت الفرق التي تتبنى التكفير والتفجير ، في بلادنا ، وهم حين يظهرون مناصرة المسلمين ، لا يتقيدون بالضوابط الشرعية ، فتراهم - مثلا - يخرجون للجهاد بدون إذن ولي الأمر ، وبدون إذن الوالدين ، وبدون قدرة على نصرة المستضعفين أيضا ، لا يراعون أنه قد يكون بين دولتنا ، وتلك الدولة الكافرة عهد ، لأن الله - سبحانه وتعالى - قيد نصرة المستضعفين من المسلمين ، بألا يكون بيننا وبينهم عهد ، قال الله - عز وجل - ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ﴾ [سورة الأنفال : الآية 72] .
رابعا : إسقاط كبار العلماء : لأن الناس يسألون العلماء عن هذه الجماعات الوافدة إلينا ، سواء جماعة التبليغ ، أو الإخوان ، أو التكفير والهجرة ، أو التحرير ، أو غير ذلك من الجماعات ، فالعلماء - كما هو معروف من فتاواهم - كالشيخ ابن باز ، والفوزان وغيرهما من المشايخ يحذرون من هذه الجماعات ، ويرون أنها داخلة في الفرق التي حذرنا منها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فمن فضل الله علينا أننا نشأنا على هذه الدعوة السلفية النقية الصافية ، فهل يجوز أن ننصح الناس بترك هذه الدعوة ، إلى تلك الدعوات ؟ لا أظن أن عاقلا يقول هذا الكلام أبدا ، حتى من يدافع عنهم ، لا يمكن أن يقول هذا الكلام .
وهؤلاء يتهمون كبار العلماء بأنهم لا يفقهون الواقع ، وأنهم علماء السلطان ، لأنهم يفتون بما فيه مصلحة الدولة ، إلى غير ذلك من الكلام الذي تعرفونه ، وكل هذا باطل ، والقصد منه سحب البساط من تحت أقدام العلماء خامسا .
خامسا : إعلاء قيمة من يسير على طريقتهم : ومن هو منضم إلى جماعتهم ، أو حزبهم ، ومن هو متعاطف معهم ، وأصحاب هذه الفرق يعرفون من يتعاطف معهم ، فيرفعون قدره ، ويظهرونه على أنه العالم الزاهد ، الذي يصدع بالحق ، على أنه قائد الجيل ، على أنه رُبَّان الصحوة ، على أنه المجاهد ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يطلقونها في شأن هؤلاء ، فينخدع بذلك عوامّ الناس ، ومن لا علم عنده بما تنطوي عليه سرائرهم .
سادسا : ليّ أعناق النصوص لتوافق أهواءهم : فتراهم يستدلون ببعض النصوص الشرعية التي يحملونها على غير محملها ، فيتأولونها من أجل تقرير أن التفرق في الدين هو الأصل ، فلا مانع من أن يكون كل واحد منضما لجماعة أو حزب من الأحزاب ، ولا شك أن هذا فهم خاطئ لنصوص الكتاب والسنة .
ويدخل في هذا تلاعبهم بالنصوص ، والمصطلحات الشرعية ، فيقصدون بالجهاد ذلك الذي يفعلونه من التفجير والتخريب في بلاد المملكة العربية السعودية ، وبدون ضوابط ، وكذلك البيعة والسمع والطاعة ، لكنها ليست لولي الأمر ، إنما السمع والطاعة لمن بايعوه في الخفاء .
ومن ذلك إنكار المنكر ، ويقصدون به التشهير بولاة الأمر ، وإثارة الناس ضدهم حتى يخرج الناس في تظاهرات وفوضى ، فعند ذلك يتمكن أهل الأهواء من عمل ما يريدون .
ومن ذلك أنهم جعلوا من الورع ألا تتكلم في أهل الأهواء والبدع ، وهذا ليس بصحيح ، لأن الكلام فيهم هو من الجهاد في سبيل الله ، ومن الذّبّ عن السنة ، كما تقدم عن الإمام أحمد – رحمه الله وغفر له - .
ومن ذلك أنهم سلكوا مسلك التلبيس والتشكيك ضد من يحذّر من أحزابهم ، واتهامه بأنه يصنّف الناس بالظن ، وهذا ممنوع ، إذ لا يجوز لنا أن نصنف شخصا بأنه حزبي ، أو بأنه مبتدع ، بدون دليل ، فهذا من التكلم في الناس بالباطل ، والله - عز وجل - لا يرضى بذلك ، لكن التصنيف بعد اليقين مما جاءت به الشريعة ، فالله - عز وجل – بين أن الناس صنفان : مؤمنون وكفار ، وأهل السنة فرّقوا الناس إلى أهل السنة ، وأهل البدعة ، وإلى مطيع وعاصٍ ، بل أنت تفرق بين الناس ، حتى الدول الكافرة تفرق بين الناس ، فتراهم يقسمون الدول إلى ثلاثة أقسام : دول صديقة ، ودول معادية ، ودول محايدة ، فالتصنيف إذا كان بحق فلا بأس به ، وهو من دين الله - عز وجل - .
ومن ذلك وصفهم الكلام في هذه الجماعات بأنه غيبة وهمز ولمز وهمز ، وهذه مغالطة ، يقول ابن أبي عياش لما سئل عن السني من هو ؟ قال : هو الذي إذا ذُكرت عنده الأهواء يغضب . فمن يطلب إحسان الظن بهؤلاء ، وعدم كشف أمرهم ، يضر ببلاد المسلمين ، فكشف أمرهم ، والتحذير منهم ، من باب النصرة لديننا ولدولتنا .
فإذا سكتنا عن هذه الجماعات والأحزاب الوافدة إلينا ليقعن في بلادنا ما وقع فيها من قبل ، من التفرق والفوضى ، وتسلط أهل الأهواء والبدع ، وهذه الأحزاب لا ترضى أن يبقى على الساحة إلا حزبها وجماعتها ، تفرقوا في الدين ، لكنهم اجتمعوا على معاداة أهل السنة ، كلهم لا يرضون بقيام دولة أهل التوحيد والسنة ، وهم يعادوننا الليل والنهار ، فلماذا نجبن نحن ، ولا نبين لعامة مساوئ هؤلاء وخطرهم ، والله - عز وجل - قد أمرنا بالبلاغ المبين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 187] .
إذن لا بد من البلاغ المبين لعامة الناس ، فهذا الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ، لما وقعت الفتنة في نجد كتب رسالة موجودة في الدرر السنية لأحد أهل العلم ، طلب منه تبيين هذه الفتنة ، والتحذير ممن يتكلم بها .
لا بد أن نحذر عامة المسلمين من هذه الأهواء والفرق والجماعات الوافدة إلينا لئلا ينحرف الشباب ، فالسكوت عن البدع والأهواء ، وعدم التحذير منها ، ومن أهلها ، هو الذي يوقع الناس في الفتنة ، فمنهج التخفي والتقية هو منهج الجماعات السرية ، وهم كما قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة ، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة .
ولهذا يحرصون على مخاطبة الشباب بعيدا عن نظر الآباء والعلماء وولاة الأمر ، وقد يدعونهم مثلا للإعداد للجهاد ، فيخرج إليه في جبل من الجبال ، أو في بلد من البلدان ، ثم يربونه على منهجهم .
ويحضرني هنا فتوى اللجنة الدائمة عندما سئلت عن الجماعات الدعوية المعاصرة ، كالتبليغ والإخوان والتحرير والهجرة ، هل يجوز التعاون معها ؟ فأجابت بقولها : الواجب التعاون مع الجماعة التي تسير على منهج الكتاب والسنة ، وما عليه سلف الأمة في الدعوة إلى توحيد الله - سبحانه - وإخلاص العبادة له ، والتحذير من الشرك ، ومناصحة الجماعات المخالفة ، لذلك فإذا رجعت إلى الصواب ، فإنه يتعاون معها ، وإن استمرت على المخالفة ، وجب الاتبعاد عنها ، والالتزام بالكتاب والسنة .
والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - له فتوى في التحذير من جماعة التبليغ ، وبين أنها جماعة ضلالة وبدعة ، وهذا الكلام موجود في فتاوى الشيخ ابن باز - رحمه الله – فقد سئل : هل تُقرون الدخول في هذه الجماعات ؟ يعني جماعة الإخوان ، وجماعة التبليغ ، وجماعة الجهاد وجماعة كذا ؟ فأجاب : ننصح بالاجتماع على كلمة واحدة ، والاجتماع على طلب العلم ، والتفقه في الكتاب والسنة ، والسير على منهج أهل السنة والجماعة ، أما التحزب للإخوان المسلمين ، أو جماعة التبليغ ، أو كذا وكذا ، فلا ننصح بهذا ، فهذا غلط .
وسئل - رحمه الله – عن واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات ، في كثير من الدول الإسلامية ، فقال : الواجب على المسلمين توضيح الحقيقة ، ومناقشة كل جماعة ، أو جمعية ، ونصح الجميع بأن يسير في الخط الذي رسمه الله لعباده ، ودعا إليه نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومن تجاوز هذا ، أو استمر في عناده ، لمصالح شخصية ، أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله ، فإن الواجب التشهير به ، والتحذير منه ، حتى يجتنب الناس طريقتهم .
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - أيضا عن حديث افتراق الأمة الإسلامية إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وهل الإخوان والتبليغ من ضمن الثنتين والسبعين ؟ قال : تدخل في الثنتين والسبعين ، من خالف عقيدة أهل السنة ، دخل في الثنتين والسبعين . وهذا في شرحه للمنتقى ، قبل وفاته بسنتين .
وسئل الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله - هل هناك نصوص من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها إباحة تعدد الجماعات ؟ فأجاب : ليس في الكتاب ، ولا في السنة ما يبيح تعدد الجماعات والأحزاب ، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك .
وقال - رحمه الله - في كتابه الصحوة الإسلامية : تعدد الجماعات ظاهرة مرضية ، وليست ظاهرة صحية ، والذي أرى أن تكون الأمة حزبا واحدا ، ينتمي إلى كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وسئل الشيخ الفوزان عن حديث افتراق الأمة ، فأجاب بقوله : هذه الثلاث والسبعون هي أصول الفرق ، ثم تشعبت منها فرق كثيرة ، وما الجماعات المعاصرة الآن ، المخالفة لجماعة أهل السنة ، إلا امتداد لهذه الفرق ، وفروع عنها .
وسئل : هل يجوز للعلماء أن يبينوا للشباب والعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات ؟ فأجاب : نعم يجب بيان خطر التحزب ، وخطر الانقسام والتفرق ، ليكون الناس على بصيرة من دينهم ، لأن العوام ينخدعون بهم .
وسئل الشيخ الفوزان - حفظه الله ورعاه - هل السلفية حزب من الأحزاب ؟ وهل الانتساب لها يذم ؟ فأجاب - حفظه الله - بقوله : السلفية هي الفرقة الناجية ، هم أهل السنة والجماعة ، ليست حزبا من الأحزاب التي تسمى الآن أحزاب ، وإنما هم حزب الله وجنده ، فالسلفية من كان على مذهب السلف ، على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فهي ليست حزبا من الأحزاب العصرية . ثم قال : القول إن الجماعة السلفية واحدة من الجماعات الإسلامية . هذا غلط ، فالجماعة السلفية هي الجماعة الأصلية التي يجب اتباعها ، والسير على منهجها ، والانضمام إليها .
وأختم بفتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، مفتي عام المملكة العربية السعودية ، فقد ورد في كتاب مجمع فتاوى علماء أهل السنة في التحذير من الجماعات المعاصرة ما نصه : السؤال ما حكم تعدد الفرق في الساحة من إخوان وتبليغ وهجرة وجهاد وتكفير وغير ذلك ؟ فأجاب - حفظه الله ورعاه - بقوله : إن ديننا يدعونا إلى أن نكون أمة واحدة ، فما يجري في الساحة الإسلامية من هذه الأحزاب : تبليغيون ، إخوانيون ، جهاد ، تكفير ، ونحو ذلك ، كل هذا سبب لتفريق كلمتنا ، وتشتيت شملنا ، وتسلط العدو علينا ، ليضرب بعضنا ببعض ، وهذا التقسيم دليل على أن كل فرقة لها منهج غير منهج الجماعة الأخرى .
أسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلا ، أن يُرِيَنا الحق حقا ، ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ، ويرزقنا اجتنابه ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبي