ليس صحيحاً ما يزعمه البعض عن أن بداية الحديث عن حقوق الإنسان ترجع إلى الشعار الذي رفعته الثورة الفرنسية عن الحرية والإخاء والمساواة، وما تلا ذلك في القرن الماضي من اعتراف المجتمع الدولي بحقوق الإنسان في الإعلان العالمي للأمم المتحدة عام 1948م، بل إن الإسلام أعلن حقوق الإنسان منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، ولم يقتصر الأمر على مجرد الإعلان أو رفع الشعارات وإنما تم تطبيق هذه الحقوق على أرض الواقع. إن كرامة الإنسان بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده قد رسخها القرآن الكريم في نفوس المسلمين وعقولهم منذ نزل الوحي القرآني في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. إن القرآن أكد أن الناس جميعاً خُلقوا من نفس واحدة؛ فالمساواة بين الجميع تعود إلى أنهم جميعاً ينحدرون من نفس واحدة؛ فلا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح وما يقدمه كل منهم من خير للبشرية، كل على قدر استطاعته، قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. إن الشريعة الإسلامية وضعت لنفسها مقاصد أساسية خمسة، تمثل الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان، وهي ضمان (حماية للنفس والعقل والدين والمال والأسرة)، وتتفرع من هذه الأسس الخمسة بقية حقوق الإنسان.
إن المجتمع الإسلامي عرف منذ فَجْر الإسلام جهة قضائية مستقلة للفصل فيما يقع على الإنسان من مظالم، أطلق عليها اسم (ديوان المظالم)، وهو ما اهتدت إليه أوروبا في أواخر القرن الماضي باسم (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان). إنه لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن حقوق الإنسان في التصور الإسلامي لم تكن منحة من أحد من البشر، وإنما نزل بها وحي إلهي من رب البشر، يتعبَّد بها المسلمون يومياً في صلواتهم؛ فهي في أساسها نعمة أنعم الله بها على مخلوقاته من بني آدم.
إن الجهل بالإسلام وتعاليمه وحضارته يدفع الكثيرين في عالم اليوم، وبخاصة في وسائل الإعلام الغربية، إلى الهجوم الظالم على الإسلام والمسلمين، وإلصاق تهم الإرهاب والتطرف والتعصب ومعاداة حقوق الإنسان بهذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين.
كما أننا لا نبحث عن مبررات للتطرف والإرهاب؛ فنحن نرفضه، وندينه، ونعتبره ظاهرة خطيرة وعملاً غير إنساني.
وفي الوقت نفسه تملكتني الدهشة والحيرة وعلامات الاستفهام حيال بعض المنظمات الدولية التي تدعي أنها حقوقية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة (هيومن رايتس ووتش) واتهاماتها الأخيرة لنا حول قانون الإرهاب لدينا، ففي الوقت الذي أشاد فيه المجتمع الدولي بنجاح تجربتنا في مجال مكافحة الإرهاب، وطلبت كثيرٌ من الدول المتقدمة الاستفادة من تجربتنا، وأرسلت الخبراء والوفود الرسمية للاستفادة ونقل تجربتنا الناجحة لبلدانهم، تأتي هذه الاتهامات الباطلة المسيسة بامتياز من قبل الدوائر الصهيونية العالمية المعادية للإسلام والمسلمين، التي تحمل كثيراً من الأكاذيب والافتراءات، وهي نابعة من تقصير هذه المنظمات في فَهْم حقيقة حقوق الإنسان التي كفلها له الدين الإسلامي، ثم إن وجهة نظرهم دائماً معادية للإسلام، خاصة هذه البلاد التي تحمل راية الدين، وتدافع عن حياضه وقضاياه في جميع المحافل الدولية، ومرجعيتها الدين ومواقفها ثابتة وراسخة من كثير من القضايا العالقة التي ترفض فيها الشعارات والمزايدة على حقوق أمتها وعروبتها.. كل ذلك جعل كثيراً من هذه المنظمات التي تحكمها كثيرٌ من الدوائر الصهيونية، وتهيمن عليها، تتابع الشأن السعودي، وترصد الأخطاء البسيطة وتضخمها في أذهان المجتمع الدولي مثل قضايا المرأة ومحاولة ربط الإرهاب زوراً وبهتاناً بالإسلام، والتشكيك في مناهجنا ومؤسساتنا الشرعية بأنها تفرِّخ الإرهاب كما حدث من قبل في التقرير الذي أصدره بيت الحرية الأمريكي وغيره.
والسؤال الذي يطرح نفسه على هذه المنظمات: لماذا ازدواجية المعايير الدولية لهذه المنظمات في كثير من القضايا والمواقف؟ وأين هذه المنظمات مما يحدث للشعب الفلسطيني الأعزل؟ ثم لماذا تغير تقريرها الأخير الخاص بإدانة إسرائيل بعد أن تم الاتفاق على صياغته؟ وأين هذه المنظمات الحقوقية مما يحدث في المعتقل سيئ الذكر جوانتانامو، وكذلك أبو غريب، ومجازر صبرا وشاتيلا السابقة؟..
أما حقوق الإنسان الحقيقية المستمدة من المنهج الرباني، والمطبَّقة على أرض الواقع في المملكة، التي تعد أعلى القيم في نفس الفرد؛ حيث أرسى الإسلام دعائم هذه الحقوق قبل أربعة عشر قرناً، والتي تكفل للفرد حفظ الضرورات الخمس، التي يعتبر حفظها من الواجبات الشرعية، ولا تتم هذه الواجبات إلا بضمان وتمام تلك الحقوق؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعاً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى المسلم يرى في الالتزام بهذه الحقوق واجباً دينياً يجب احترامه والقيام به، ويحرِّم انتهاكه والتفريط فيه؛ لذا كان النظام الأساسي المنبثق من سمو المنهج الرباني متضمناً في كثير من فقراته الأساسية كثيراً من هذه المواد التي يمكن إدراجها ضمن لائحة حقوق المواطن.
فالمادة 27 تنص على أن (الدولة تضمن حق كل مواطن وعائلته في حالات الطوارئ: المرض والعجز وكبر السن).
والمادة 28 تنص على أن الدولة توفر التعليم وتحارب الأمية.
والمادة 30 تنص على الرعاية الصحية، والمادة 35 تضمن عدم اعتقال أي فرد أو سجنه أو تقييد نشاطه سوى بما حدده القانون.
والمادة 37 تحظر التدخل في أو مراقبة الخدمات البريدية والتلغرافية والاتصالات التلفونية أو أي وسائل اتصال أخرى.
وتتويجاً لما سبق فالمادة تقول إن الدولة ترعى حقوق الإنسان وفقاً للشريعة الإسلامية، إلى جانب استقلال القضاء.
وأصبح نظام الإجراءات الجزائية الذي صدر يمثل خطوة مهمة على طريق زيادة الشفافية في إدارة نظام العدالة الجنائية، بتحديد الإجراءات القانونية والحقوق المتعلقة بسلامة الإجراءات والقوانين. ومن أهم ما فيه حظر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، كما ينص بوضوح على ضرورة إخطار كل مَنْ يُقبض عليه أو يُعتقل فوراً بالتهمة أو التهم الموجَّهة إليه، ويقر بحق المشتبه فيه جنائياً بتوكيل محامٍ عنه خلال فترة إجراءات التحقيق والمحاكمة، كما حصل في محاكمة الإرهابيين أخيراً. كما ينص على أن تخضع السجون والمعتقلات لإشراف أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، ضماناً لعدم احتجاز أحد أو سجنه دون حق، أو التمييز في الكرامة والحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر بسبب العرق والجنس أو النسب أو المال عملاً بما جاء في القرآن الكريم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وعملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى»، وقوله صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال».
ورغم هذا الوجه المشرق لحقوق الإنسان في هذا البلد نجد اتهامات باطلة بانتهاك حقوق الإنسان صادرة من جهات تدعي أنها حقوقية وموضوعية.
وفي السياق ذاته توقفتُ كثيراً عند كتاب يُعَدّ من أبرز المراجع لهذا الموضوع المهم، وهو كتاب (الإرهاب وحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية) لأخي وصديقي اللواء عبد العزيز بن محسن الصبحي من كلية الملك فهد الأمنية. وفي الحقيقة، إنه كتاب يستحق الاهتمام من القائمين على مكافحة الإرهاب والمنظمات الإنسانية والحقوقية والأفراد؛ لوجود حلول جذرية وعملية لمشكلة الإرهاب وحقوق الإنسان، تناولها هذا الكتاب.
اللهم احفظ مملكتنا الغالية، وأدم عليها عزها وأمنها في ظل رعاية الله ثم رعاية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين.
د. محمد بن حمود الهدلاء
باحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب