تركي الدخيل
شاهدتُ قبل أيام صورة تكريمية تجمع الشيخ محمد بن راشد بعامل نظافة مميز، هذه الصورة تعدينا إلى موقع البسطاء من حياتنا. تخيلوا الدور الذي يقوم به عامل النظافة لتجميل الحياة كلها، فهو الذي يقوم بجهود هائلة من أجل المحافظة على المرافق العامة وتحويل كل مشهد سيئ إلى مشهد جميل. صورة التكريم هذه ليست صدفة أو ترفاً، بل هي الحالة الطبيعية. والمشكلة أن الناس إجمالاً يحتقرون هذه المهن أو هذه الأدوار بل ويشتمون من يغضبون منه ويصفونه ب"الزبّال"! وكأن مخلّفات هذا الإنسان لن تفسد عليه معيشته لولا أن عامل النظافة يتعاهد الشوارع والبيوت بالتنظيف والاهتمام، وهذا السلوك الغريب يأتي من عدم إدراكنا للدور المهم الذي يقوم به البسطاء في حياتنا.
مهن كثيرة هي محتقرة لدى البعض لكن يومنا يقوم عليها! وهذه النرجسية الزائدة عجيبة، وكأن الأنبياء لم يرعوا الغنم أو يمارسوا الحدادة والنجارة. تجد شخصاً عاطلاً عن العمل يسخر بالنجّار والحداد أو يسخر من صديقه "كدّاد التاكسي"! لم يكن العمل يوماً شتيمة أو محط انتقاص إلا لدى أولئك العاطلين المتسدّحين باستراحاتهم ويسخرون من كل مهنة، يريد - الأخ الشتّام - أن يكون مسؤولاً أو موظفاً تحت المكيّف يقضي نصف يومه بحلّ الكلمات المتقاطعة وقرض الإفطار من دون إنتاج أو تطوّر. الوظائف البسيطة التي قوم بها الناس البسطاء هي أهم الوظائف، خاصة المهن اليدوية أو عمّال النظافة، لهذا لا عجب أن أرى حاكماً مثل محمد بن راشد وقد أولى البسطاء اهتمامه، وهو الذي يشاركهم ركوب "الميترو" وربما ارتاد المول وسحب كرسياً وجلس مع الناس يشاركهم قهوتهم.
سعدتُ بتكريم سعودي لأحد العاملين الأمناء، إذ نقلت صحيفة "الوطن" أن: "تصفيقاً حاراً عمَّ أركان القاعة الرئيسية الكبرى وامتد برهة من الزمن، وصل إلى حد وقوف الحاضرين من كبار المسؤولين ورؤساء البعثات والصحفيين، لعامل مطعم "يمني"، حصد جائزة تكريمية من وزير الحج الدكتور بندر محمد حجار، نظير السلوك الأمين للعامل الذي أعاد حقيبة تعود لأحد الحجاج بداخلها ما يقرب من 70 ألف ريال وجواز سفر وأوراق ثبوتية أخرى"!
بآخر السطر، البسطاء هم الذين تقوم عليهم تفاصيل حياتنا، واحتقارهم وهم ذاتي وكبر مفرط وغرور أجوف، فعامل النظافة والمطعم والمغسلة والمنجرة هم الذين يصوغون احتياجاتنا اليومية، فالمزيد من التواضع والقليل من التغطرس والكبرياء.