الشيخ / عبــــدالله بن عبـــدالعــــزيز الخضــــــــــــير
الحمــــد لله نحمده ونستعينه ...
أما بعد :
فإن الله تعالى كرم المكلفين من خلقه بأن جعل لهم عقولاً ينظرون بها نظر تفكر واعتبار وتبصر وادكار؛ ليفضي بهم ذلك مع مقارنة التوفيق إلى إدراك ما ينفعهم وعَقْل مايفيدهم ويِصلحهم، ويزعَهم عما يضاد ذلك،ويردَّهم عن موارد العطب والهلاك.
وخاصية العقل النظر في العواقب ومآلات الأمور ونتائج التصرفات، وإذا لم يكن العقل كذلك كان فيه من النقص والخلل بحسب ذلك.
ولما كانت عقول المكلفين متفاوتة في قَدْرها وإدراكها وفهمها،ولم يكن بعضها أولى من بعض في التسليم له والانقياد لحكمه،وكان المكلفون في حاجة إلى شيء لا يتطرق إليه خلل ولا يعتريه نقص أنعم الله ذو الفضل والأنعام بالوحي الإلاهي تسترشد به العقول وتهتدي بنوره واصطفى لتبليغ وحيه إلى الناس منهم {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
وكان خير ما أوحاه وأكمله وأتمَّه وأفضله ما آتاه خاتم أنبيائه ورسله خليله محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم،والذي تمثل في القرآن العزيز والسنة النبوية الشريفة.
وَعَظُمَ إنعام الله عز وجل بهذين المصدرين بحفظهما وتيسير أسباب ذلك.
ولا يتحقق كمالُ الاهتداءِ بالقرآن والسنة وتمامُ الانتفاع بهما إلا بالتسليم والانقياد لما جاء فيهما{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا}.
فالمسلمون كافة حكاماً ومحكومين مطالبون بالاستمساك بهذين المصدرين وتقديمهما وعدم معارضتهما بأي شيء من مستحسنات العقول ورغبات النفوس وأهوائها.
ومن أهم ذلك ما يتصل بالعلاقة بين الراعي ورعيته التي تحت حكمه،ومن ذلك أيضاً ما يُنَظِّمُ علاقة المسلمين بغيرهم من الأمم التي تخالفهم في الدين.
إن المسلمين في أمس الحاجة إلى الاستهداء بالوحي عامة وفي هذين الجانبين خاصة لا سيما في هذا العصر الذي تحار في أحداثه ومجرياته العقول ويكثر فيه لبس الحق بالباطل وترويجُ المغالطات،وتقوم فيه سوق الكفر والنفاق اللَّذين وُصِف أهلهما في القرآن بعدم العقل والفقه.
ومن نظر في الأحداث التي تعاقبت مؤخراً في عدد من أقطار المسلمين وفي تبعاتها رأى من هذه المغالطات عجباَ حتى من بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي ممن تأثروا بمبادئ فاسدة ومناهج مدخولة.
أيها الإخوة:
إن المسلمين في أمس الحاجة إلى تقويم هذه الأحداث وما صاحبها ونتائجها المتحققة والمتوقعة تقويماً صحيحاً في ضوء القرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح وقرروه وما ذكَّر به أهل العلم الربانيون عند ابتداء هذه الأحداث وفي أثنائها ولا يزالون يذكََّرون به لاسيما مع وجود أناس يريدون جر بلاد أخرى من بلاد المسلمين إلى الفوضى والاضطراب عن طريق الدعوة إلى مزيد من الثورات في بلاد المسلمين وتحريض الشعوب على إشعال نارها من خلال المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات.
ولمدافعة الوقوع في هذه المزالق والاستجابة لهذه الدعوات يتأكد تكرار التذكير بجملة من الأمور:
أولها:أن هذه الدعوات مشاقة لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام،ومُخالَفَةُُ لدين الإسلام الحنيف،ووقوع فيما حظره الشرع وحرمه.
ثانياً:أن الاستجابة لهذه الدعوات أمر محرم وجرم عظيم وسفه في العقل،وأنه ينبغي لأهل الإسلام عدم الاستماع أصلاً إليها وإلى أصحابها فضلاً عن الاستجابة لها والانسياق وراءها.
ثالثاً: لا يصلح شرعاً أن يكون الباعث على السعي في إزالة حاكمٍ ما استئثارَه بالأعراض الدنيوية من المناصب والأموال المتنوعة،ولا الاعتراضَ على مبدأ الاستمرار في السلطة وتوريثها؛فإن حصر سلطة الحاكم في مدة معينة ليس من منهج الإسلام بل أمر وافد،وإنما العبرة بصلاح الحاكم وأهليته ابتداءاَ واستمراراَ، والاستئثار بالأعراض الدنيوية لا يُسوِّغُ الخروج على الحاكم ومنازعته،وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يسوغ به الخروجُ على الحاكم فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: "إلا أن تروا كفرا بواحا" عندكم من الله فيه برهان متفق عليه.
فدل هذا الحديث على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن كان هناك استئثار بالأمور الدنيوية وفي آخره ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ما يبيح الخروج على الحاكم فقال: إلا أن تروا كفرا بواحاً أي ظاهراً بادياً ليس فيه لبس ولا مرية .
وقد بين أهل العلم أن الخروج على ولي الأمر يشترط فيه خمسة شروط:
الأول:أن يفعل ولي الأمر كفراً لا مجرد معصية وفسوق.
الثاني:أن يكون الكفر بواحاً أي واضحاً لاشك فيه.
الثالث:أن يكون دليل كفره جلياً ليس فيه احتمال.
الرابع:وجود البديل المسلم الكفي المؤهل للولاية والحكم فلا يصح أن يُزال حاكم دون وجود بديل جاهز ليحل محله، والمصلحة لا تتحقق بمجرد زوال حاكم دون وجود من يخلفه ليقيم أمور الناس ويرعى شؤونهم ومصالحهم.
الخامس:وجود القدرة والاستطاعة؛ فلا يجوز التغرير بالأنفس بالخروج على حاكم ولو كان كافراً كفراً لاشك فيه إلا مع القدرة؛فليست دماء المسلمين رخيصة حتى يراق كثير منها من أجل إزالة رمز من رموز الكفر والطغيان.
وإذا نظرنا في مجريات الأحداث التي وقعت نرى عدم توافر هذه الشروط كاملة فيها،ولا تزال البلاد التي زال فيها حكم رؤوسائها لم تستقر أوضاعها ولم تجتمع كلمتها ،ولم تجن ثمرات التخلص من حكامها،بل حدث العكس فشاعت الفوضى واختل الأمن وتضرر الاقتصاد وخسرت في أسابيع من الأموال أضعافَ ما نهبه الحكام في سنوات وهذا يكشف صحة ما جاء عن بعض السلف حين قال: ستون سنة بإمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام.
فأين العقول التي تعرف شدة حاجتها إلى الاعتصام بالوحي وتقديم الكتاب والسنة ولزوم سبيل السلف الصالح؟!
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا
بارك الله....
الخطبة الثانية
الحمد لله....
أما بعد فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد الله في الوقت الذي تَحْرَصُ فيه دول الكفر على الاجتماع والاتحاد إدراكاً منها لمصالح ذلك ومنافعه نراها بممالأة من عملائها المندسين في صفوف المسلمين تبذل جهودها في تفريق المسلمين، ولم يكفها ما فعله الاستعمار سابقاً من تفريق بلاد المسلمين إلى دول وتأجيج نار الخلافات بينها، بل سعت إلى تفريق البلد الواحد وإضعاف قوته بالخلاف بين الراعي والرعية ،وفي محيط الرعية فيما بينها بالطائفية والمناطقية وغيرها،ومن وسائلها في ذلك المظاهرات ُ والاعتصامات التي لا تلبث بتعاهد من قوى الكفر والنفاق أن تنتقل إلى مواجهات وصدامات يصاحب ذلك ويقارنه تعطيل لمصالح العباد وإفساد للبلاد، وإن من الواجب على شعوب المسلمين أن تحذر الوقوع في شراك أعدائهم وحبائلهم وأن يفيد المعافَون منهم من تجارب المبتلَيْن الذين لا زالوا يعانون من الآثار السيئة التي ترتبت على مظاهراتهم ومضاعفاتها، وأن يعتبروا بالدولة التي تمنع المظاهرات وتحرض إخوانها في المعتقد الفاسد في البلاد العربية على القيام بالمظاهرات والاعتصامات، وعلى حكام البلاد الإسلامية أن يقوموا بواجبهم فيقيموا شرع الله في بلاد الله وبين عباده فليس شيء أوثقَ لتثبيت حكمهم واستقرار أمورهم ورضا شعوبهم من إقامة شرع الله والحكم به ،وعلى الحكام أيضاَ أن يُعنوا بالإصلاح الحقيقي وأن ينصحوا لرعيتهم ويرفقوا بهم ويوسعوا عليهم في معايشهم في حدود المستطاع والممكن ، وأن يحذروا ما يضعف ما يسمى العمق الشعبي فقد أثبتت الأحداث أن الحكام إذا فقدوا العمق الشعبي ومحبة رعيتهم إياهم لم تنفعهم سلطتهم ولا الأموال التي استأثروا بها على شعوبهم ،وعلى الشعوب أن تحذر مطالبةَ حكامها بما لا يستطيعون وتكليفَهم ما يخرج عن قدرتهم وإمكاناتهم وأن يعذروهم في هذا.
وعلى الرعاة والرعية الحرص على أسباب اللحمة والمحبة والاجتماع،والحذر من أسباب البغضاء والتنازع والافتراق .
هذا وصلوا وسلموا على عبدالله المصطفى وخليله المجتبى...
إمام جامع السويلم في العليا وخطيبه