د. عبد الله الحريري
أعتقد أنه لا توجد وزارة أو أمانة إلا ولديها خطط استراتيجية سواء عشرية أو عشرينية، كان آخرها استراتيجية مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وسبقها خلال العامين الماضيين مجموعة من الاستراتيجيات. وقد تم إنفاق الوقت والمال والاستعانة ببيوت الخبرة المحلية والأجنبية لإعدادها. وأغلب تلك الاستراتيجيات نوقشت لدى الجهات التشريعية وتمت إجازتها.
اليوم لم يعد هناك مبرر أو عدم وضوح للرؤية أو الرسالة والأهداف كما كان في السابق، حيث كانت وزارات وهيئات تعمل وتنفذ خططها السنوية دون رؤية ورسالة، وبعشوائية وقصر نظر، وبأفكار ومدارس ترتبط بالأشخاص وبالمناصب. وقد وصل بنا الأمر إلى أن أغلب موظفي تلك المؤسسات يعملون فيها وهم لا يعرفون رؤية ورسالة مؤسستهم، مما جعل أيضا وجود فجوة معرفية بين القيادات وبقية الموظفين، انعكس ذلك على أداء وكفاءة تلك الأجهزة والمؤسسات.
وجرى العرف والنظام على أن تقوم كل جهة بإعداد تقرير سنوي يرفع للمقام السامي وتتم إحالته إلى مجلس الشورى الذي بدوره يناقشه مع مسؤولي تلك الجهة ويضع التوصيات عليه.. ولكن أغلب تلك التقارير السنوية لا يعكس الإنجاز الحقيقي ولا يعكس حقائق الأمور والعقبات والتحديات التي تواجهه الجوانب التشغيلية. وعادة ما يكون تقريرا دعائيا وإعلاميا أكثر من كونه تقريرا تقييميا وتقويميا. وبانتهاء رفع التقرير تعود الأمور كما كانت وكأن شيئا لم يكن حتى أن بعض التوصيات التي يقترحها مجلس الشورى أو الأجهزة الرقابية تمر عليها السنوات دون أن تتحقق لأنها لا تخرج عن كونها توصيات. وقد جرى العرف في تلك المؤسسات ألا تأخذ التوصيات محل الجد والاهتمام.
بعد هذه الزخم من الاستراتيجيات ووضوح الرؤيا والرسالة والأهداف المكتوبة، بل أيضا الخطط التنفيذية المصاحبة لهذه الاستراتجيات ماذا بعد ذلك؟ هل تترك للزمن ليكون كفيلا بتنفيذها؟ أم لهؤلاء المديرين والمسؤولين ينفذون ما يحلو لهم منها ويؤجلون أو يحذفون ما تبقى؟ أم ماذا؟ والغريب في الأمر وفي ظل عدم وضوح الرؤية حول أداء الأجهزة الحكومية وخططها، ما زالت الجهات التشريعية كمجلس الشورى وهيئة الخبراء عند مناقشتهم التقارير السنوية أو بعض المشاريع والخطط، يبذلون الوقت والجهد دون أخذ تلك الاستراتجيات كمرجعيات لحسم أي اجتهاد، فما دام لدى أي جهاز استراتيجية درست وأقرت وشارك فيها الخبراء والخبيرات، لماذا لا تكون هي البداية والنهاية والمرجعية لأي حوار أو نقاش وحسم أي قضية تتعلق بتقييم تلك الجهات وإعادة هيكلتها أو الموافقة على تنظيمها ومشاريعها.
أرى أننا في حاجة إلى سن تقليد سنوي تقوم كل مؤسسة حكومية بمراجعة ذاتية لأنشطتها وأعمالها وما تم تنفيذه من خطط تشغيلية لتلافي المعوقات ومواجهة التحديات وتحسين الأداء، إضافة إلى إعداد مؤشرات أداء وإنجاز لما تم إنجازه من السياسات والأسس الاستراتيجية ومعرفة إلى أين هم متجهون وهل هم يسيرون في الطريق الصحيح... وقد تكون الفرصة متاحة وسهلة لأن يقوم كل جهاز حكومي أو شبه حكومي مع نهاية هذا العام الذي قربنا منه بمراجعة أداء وتقييم نفسه ذاتيا. وهذه في آخر المطاف إحدى المؤشرات والدلائل على ثقة تلك المؤسسات بنفسها ومستوى الشفافية لديها. ويفضل أن يخصص لهذا الغرض منتدى أو ندوة أو ورشة عمل يحضرها قياديو وموظفو كل مؤسسة تطرح من خلاله العقبات والتحديات والتساؤلات والحلول، يليها تشكيل فرق عمل لكل موضوع لتنفيذ التوصيات وحل العقبات ومواجهة التحديات ليتم الدخول إلى الموسم الجديد أو العام الجديد بروح أكثر إيجابية وجدية وإنجازا.