سلمان بن محمد الجشي
لفت نظري خلال الفترتين الحالية والماضية مطالبة العديد المهندس عبد اللطيف العثمان محافظ الهيئة العامة للاستثمار القادم من شركة أرامكو السعودية، بالظهور إعلاميا أو بالأصح الظهور من خلال قرارات جديدة أو إلحاقية لما سبق، حيث إن المطالبين بذلك على عجل لرؤية شيء جديد حول هيئة الاستثمار أو بدء حراكها السابق.. فهل من الحكمة البدء بتصريحات أو التسرع بإصدار قرارات، أم أخد الوقت الكافي للتقييم والدراسة وبناء تصور ورؤية واضحة ومن ثم نقاشها والتوافق عليها مع الجهات المشتركة حتى الوصول إلى تصور يمكن تطبيقه وفق جدول زمني مدروس ومحدد؟
إن الهيئة العامة للاستثمار انطلقت في بداياتها برئاسة الأمير عبد الله بن فيصل، وكان تركيزها الأساسي على دراسة معوقات الاستثمار بشكل عام سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، وحددت حينها أكثر من 150 معوقا، إذ عمل الأمير عبد الله في ذلك الوقت جاهدا هو وفريقه على حلها، بدعم من المجلس الاقتصادي الأعلى وحقق ما حقق، ومن ثم قادها عمرو الدباغ الذي التقى في بداية توليه منصب المحافظ برجال الأعمال والمختصين، وطرح وناقش تقييمه للوضع، إلى جانب طرح رؤيته التي اتجه بها عالميا من خلال وضع اسم المملكة على خريطة المستثمرين العالميين، حيث رأينا تطورنا على مؤشر الدول الجاذبة للاستثمار يرتفع، بعد ذلك طرح الدباغ مقترح المدن الاقتصادية وفق رؤية لم نتعودها باستثمار متكامل من القطاع الخاص، إذ شاء الله، مع تداعيات الظروف الاقتصادية العالمية والتداخلات مع الجهات الأخرى في الوزارات والهيئات تعثرها - إن صح التعبير. ونظراً لاستقرار العوامل الاقتصادية في المملكة، فإن ثقة المستهلك تجاوزت المعدل الإقليمي، إذ إن النمو الواضح في المديونية الخاصة والائتمان، والإنفاق العام المتزايد في البنية التحتية والمشاريع الأخرى، خلقت فرصاً هائلة على نطاق الشرق الأوسط، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى تحقيق خطوات تنموية ملموسة، ومن خلال ذلك وتلك الجهود، يعتبر عمرو الدباغ رجلا متميزا وسيذكره التاريخ، وإن اختلفنا معه.
إننا لا نريد الاستعجال في القرارات أو التصريحات بقدر ما نحتاج إلى شيء ملموس وواضح يعزز التنافسية التي تحتاج في أيَّ دولة إلى بناء منظومة متكاملة، تشمل البيئة القانونية والتنظيمية والإجراءات الإدارية التي تحكم عمل القطاعين الحكومي والخاص، والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والبُنى التحتية، مع أهمية التطوير المستمر للكوادر البشرية منذ المراحل الأولى للتربية والتعليم وصولا إلى المخرجات المؤهلة القادرة على تلبية متطلبات أسواق العمل، في عصر متغير ومتطور، لذا فإن على الهيئة مسؤولية كبيرة في عمل إجراءات مستمرة لتحسين المناخ الاستثماري في المملكة، وتقديم خدمات استثمارية متميزة، إلى جانب تعريف المستثمرين بالفرص الاستثمارية المتاحة، والمزايا التنافسية التي تحفزهم على دخول السوق السعودية والاستمرار فيها، فهناك عديد من الأسباب الداعية للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية التي تمتلك فيها السعودية مزايا نسبية عالية، كما أنها القلب النابض في قلب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحتل المرتبة 23 ضمن الاقتصادات الخمسة والعشرين الأكبر في العالم، والمرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما تحتل المركز 13 ضمن 183 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة أداء الأعمال - وفقاً لتقرير "ممارسة أداء الأعمال" لعام 2011 الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، كذلك تعد المملكة أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق الأوسط، وتمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتوفر الطاقة للمشاريع الاستثمارية بأقل الأسعار على مستوى جميع دول العالم، مما يجعل المملكة الوجهة المثالية للمشاريع التي تعتمد على استهلاك الطاقة، إضافة إلى عدد من الموارد الطبيعية الواعدة في مجال التعدين، كما أن الموقع الجغرافي للمملكة يجعلها منفذاً سهلاً لأسواق أوروبا وآسيا وإفريقيا، ويتمتع سوقها بقدرة شرائية عالية مع التوسع المستمر لسوقها المحلي، لذا من المأمول والمتوقع من هيئة الاستثمار، العمل بكل جد على جذب استثمارات كافية لتحقيق نمو اقتصادي سريع ومستمر باستثمار عناصر القوة التي تتميز بها المملكة باعتبارها المصدر الأهم للطاقة في العالم وحلقة وصل رئيسة بين الشرق والغرب.. لنعطي الفرصة الكافية للمهندس عبد اللطيف العثمان القادم من شركة أرامكو السعودية ذي الخلفية الهندسية والمالية المتميزة وألا ننسى قدراته ودوره في المعهد الخليجي للحوكمة لدول الخليج العربي المعني ببناء مفهوم وثقافة الحوكمة في القطاع الخاص لبناء التصور المأمول، مستفيدا من ماضي الهيئة وخبراتها، ومستفيدا من خبرته في شركة أرامكو، وبدعم وشراكة الجهات المختلفة لتحقيق ما نصبو إليه من جذب استثمارات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي.
ومما آمل رؤيته أن يكون لها دور أساسي في خلق وبناء كيانات محلية ترشد وتسهل الاستثمار في مختلف مناطق المملكة، مستفيدة من الميزات النسبية لكل منطقة بالشراكة مع كل الجهات المحلية، والدور الآخر أن تكون الجهة المرجعية لكل برامج تسويق النشاط الاستثماري المتاح في المملكة وميزاته في الخارج بالشراكة مع كل الجهات الأخرى المعنية.