د. عبدالرحمن الطريري
من يزر المناطق الصناعية وبالتحديد ورش إصلاح السيارات التي تنتشر في مدن المملكة يجد أنها تعج بالعمالة الوافدة ومن كل جنسية, يعملون في مختلف التخصصات ذات العلاقة بالسيارات، فهذا ميكانيكي، وآخر كهربائي, وثالث متخصص سمكرة وبوية، ورابع راديترات إلى غير ذلك من التخصصات، يقلب المرء نظره في هذه الورش لعله يجد مواطناً يعمل, فلا يجد, ويتساءل الفرد: هل زهد السعوديون في العمل وآثروا الراحة والنوم، والكسل، أم بلغ بهم الثراء والغنى مبلغاً كبيراً حتى إنهم لا يرون قيمة أو فائدة من العمل في صنعة كهذه؟ أم أن أموراً وأسباباً أخرى تمنعهم من ممارسة هذه الأعمال؟! كلما أزور هذه الأماكن أكرر السؤال نفسه, ومنذ سنين لا أجد إجابة، استرجعت سنين خالية حين كانت نسبة السعوديين في هذه الورش جيدة رغم أنه لم تكن هناك مراكز تدريب منتشرة في مناطق المملكة, ولا معاهد, ولا كليات تقنية يدرس فيها عشرات الآلاف, إن لم تكن مئات الآلاف من الطلاب. التقارير تقول إن نسبة الفقر في ازدياد في المملكة، وما يكتب حول هذا الموضوع مخيف جداً, إذن أين المشكلة؟ ولماذا هذا العزوف عن مصادر الرزق هذه، التي تدر دخلاً عالياً على العاملين فيها؟ وكيف يمكن ترغيب السعوديين وتشجيعهم في الانخراط في هذا المجال؟!
هناك عاطلون يبحثون عن أعمال ويتقاضون مكافأة حافز, حتماً مكافأة حافز لا تفي بمتطلبات الحياة، ولا أعتقد أنه يوجد من يرغب في الاستمرار على مكافأة حافز إلا إذا كان غير قادر على العمل لأسباب صحية أو إعاقة.
في البداية أعتقد أنه لا بد من كسر الحاجز النفسي الذي قد يوجد عند البعض من الشباب, وذلك من خلال برامج توعوية تتبناها المدارس ووسائل الإعلام ومنابر التوعية كافة, ولا تكون مؤقتة، بل تدخل في صلب المناهج الدراسية, وتكون التربية المهنية جزءاً من التعليم العام ليس بصورة نظرية, لكن بصورة عملية تطبيقية, ولو كانت بصورة مبسطة في السنوات الأولى من التعليم، المهم أن يقترب الطالب من هذا المجال ويألفه ويتعرف عليه وعلى طبيعته والفرص المتاحة فيه, وفي هذا بناء لميوله نحو هذا النوع من الأعمال, وتشكيل الاتجاهات الإيجابية لديه، ومع الوقت سنجد جزءاً من شبابنا ينخرطون في هذه الأعمال. كم تساءلت أين مخرجات معاهد وكليات التقنية ومراكز التدريب المهني؟ أين هم ولماذا لا نرى لهم وجودا في المدن الصناعية التي تسيطر عليها العمالة الوافدة؟ وهل من الممكن تدريب هؤلاء الشباب على مثل هذه الأعمال من خلال مشروع وطني تسهم فيه وزارة العمل ومؤسسة التعليم التقني والتدريب المهني وصندوق التنمية الصناعية, وغيرها من الجهات ذات العلاقة مثل القطاع الخاص, خاصة وكالات استيراد السيارات؟! أعتقد أن مكافأة حافز من الممكن ربطها لبعض الشباب بهذا المشروع الوطني لنخرج في نهاية المطاف شبابا منتجاً يعمل لنفسه ووطنه بدلاً من أن يكون حافز حافزاً على الكسل والبطالة.
بعض من تخرجوا في معاهد وكليات التقنية يتذرعون بأنهم لا يعملون في مجالات تخصصاتهم لأنهم لا يتمكنون من فتح ورش لضيق ذات اليد والمنافسة الشديدة والشرسة من العمالة الوافدة، وهذا مبرر مقبول إلى حد ما، لذا لا بد من التفكير في إيجاد صندوق وطني لدعم مثل هذه المشاريع على أن يكون تحت إشراف جهة متخصصة يتم إنجاز المشروع من خلالها, وتدريب من يبحثون عن عمل ويسلم المشروع للمستفيد منه بدلاً من إعطاء المال للفرد مباشرة ولا يعرف كيف يتصرف به.
مصلحة الوطن تقتضي أن يكون لدينا برنامج متكامل تسهم فيه جهات تعليمية وتدريبية, وجهات تمويل يتم من خلاله إحلال السعوديين في هذه الورش وبصورة تدريجية ووفق المهن الأقل تعقيدا ثم الأعلى حتى نصل في يوم من الأيام إلى نسبة معقولة تضمن فرص عمل لأبنائنا وتؤهلهم لخوض غمار الحياة بدلا من الاعتماد على مكافأة حافز.