عبدالله السلطان
لقد تمكن أفراد العمالة الوافدة من التواجد في معظم مجالات العمل، ولم يأتِ ذلك من فراغ. فأعدادهم تزيد باستمرار بسبب الاستمرار في استقدامهم، فاستفادوا من فرص العمل الكبيرة في المجتمع، خاصة مع عدم إقبال الشباب في مجتمعنا بشكل عام للعمل في المجالات التجارية والحرفية، كالنجارة وأعمال البناء والكهرباء والسباكة والدهان، أو العمل كسائقين لسيارات الأجرة والشاحنات أو بائعين في المتاجر والمحلات.. يضاف لذلك عدم تحمس معظم شركات القطاع الخاص لتوظيف المواطن بحجة عدم تأهيله وتدريبه أو أن إنتاجيته محدودة، ومع ذلك يطلب أكثر مما يعطى للوافد، علما أن ما يدفع للعامل الوافد لا يكفي المواطن لمواجهة متطلبات مستوى المعيشة. هذا الموقف من القطاع الخاص يضر بلا شك بالصالح العام الذي لا يجب أن يكون درجة ثانية أو خاضعا لمصلحة القطاع الخاص. فالأولى أن يكون مجال العمل مفتوحا للمواطنين قبل العمالة الوافدة. وأحد الحلول هو في الحد من أعداد العمالة والعمل على إعداد وتوظيف المواطنين.
إضافة لما ذكر فإن بعض المواطنين لديهم سجلات تجارية ويتسترون على العمالة الوافدة بفسح المجال لها بإدارة محلات تجارية لقاء القليل مقارنة بالكثير الذي يكسبه أفراد هذه العمالة. يتقدم بعض المواطنين بأسماء مؤسسات وهمية وبعقود مزورة أعانهم في إعدادها أفراد العمالة العاملون معهم أو معروفون لديهم وملمون بنقاط الضعف في أنظمة الاستقدام ومن ثم يحصلون على التأشيرات المطلوبة. وعندما يصل من استقدموا عليها يتركون للعمل كما يرغبون.
في الوقت نفسه يجد أفراد العمالة الوافدة من بعض المواطنين من يؤويهم ويشغلهم، ولو كانوا مخالفين لنظام الإقامة، وهذا نوع آخر للتستر. ورغبة في جمع المال فإن بعض العمالة يعمل لساعات طويلة ما عدى ساعات قليلة للنوم.
في الأعمال الحرفية فإن المجتمع كله أصبح حقل عمل للعمالة: في مجالات الصيانة بوجه عام وبالأخص صيانة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وفي ورش صيانة وسمكرة السيارات، وفي المصانع، وفي أعمال السباكة والكهرباء والنجارة.. وفي كل هذه الحرف يتدرب كثير من أفراد العمالة على رأس العمل. وللتدرب أيضا دخلت العمالة في مهنة البناء رغم مستوى عملها المتدني في كل المجالات، والضحية المواطن.
وكان من الأولى أن يدرب الموطنون للقيام بهذه الحرف ولا حاجة بعدئذ لمزيد من الاستقدام لعمالة أغلبها يتدرب ويتعلم على حساب المجتمع وكأنها قدمت لهذا الغرض. دليل ذلك أن بعض أفراد العمالة يعملون في مجال الكهرباء والسباكة وهم لا يجيدون عملهم ويحصل جراء ذلك ضرر على المواطن والمجتمع كله. وفي هذا الشأن كتبت جريدة الرياض (الثلاثاء 21/6/1432هـ ــ 24/5/2011م) أنه بمجرد أن يتفق المواطن
«... مع العامل في الشارع ويتجه به إلى منزله حتى يكتشف حقيقة أن هذا العامل قادم إلى المملكة في دورة تدريبية على حساب بيوتنا...» ..
المعروف أن مواطني كل مجتمع هم بالدرجة الأولى من يقومون بمثل هذه الأعمال. المؤسف أنه إضافة لما ذكر فإن كل أعمال الصيانة المنزلية وأعمال النظافة، بما في ذلك غسل السيارات، يقوم بها أفراد من العمالة. هذا غير اكتساح العمالة الوافدة الوظائف في شركات وأعمال القطاع الخاص. الوضع إذا يتطلب توطين أعمال الحرف ووظائف القطاع الخاص بشكل عام، وهذا بدوره يتطلب بداية ترشيد أعداد العمالة، ولا يفيد في ذلك أنصاف حلول. فإذا ما توفرت القناعة فإن الأمر يتطلب اتخاذ قرارات جذرية، حاسمة وإصلاحية، من قبل الجهات المعنية بالأمر. وقد يتطلب ذلك إيجاد إستراتيجية محددة وواضحة المعالم يتم تنفيذها بعزيمة وإصرار، مراعاة للمصلحة العامة، وعدم ترك الأمر خاضعا لمصالح الأفراد والقطاع الخاص على حساب مصلحة المجتمع والوطن .. والله أعلم (يتبع).