مارين كاتوسا
الاستفادة من أحدث اتجاهات الطاقة وفرص الاستثمار أمام وسائل الإعلام الرئيسة وجمهور المستثمرين على وعي تماما بوجودها الفعلي. تقرير استخبارات الطاقة الحر على Oilprice.com يمنحك هذا وأكثر من ذلك بكثير.
في القرن الثالث، كان الجشع هو السمة البارزة للأباطرة في روما. حيث أنفقوا الفضة الموجودة في الخزانة، وقام إمبراطور بعد إمبراطور بتخفيض كمية المعادن الثمينة في كل دينار حتى أصبحت القطع النقدية لا تحتوي ولا تساوي شيئا تقريبا على أي فضة. وكانت تلك هي تجربة العالم الأولى في انحطاط العملة والتضخم الجامح. حيث شاهد الناس قيمة مدخراتهم تتبخر، وغضب المجتمع وطالب بكبش فداء. وأصبح المسيحيون هم كبش الفداء وتحول الرومان عليهم بعنف لا يصدق. هذا النمط –من الانحطاط في العملة الذي أدّى إلى الاضطرابات الاجتماعية والعنف– سوف يتكرر عدة مرات. أثناء العصور الوسطى في أوروبا، ارتفع عدد النساء التي تُحاكم بتهمة السحر تزامنا مع انحطاط العملة. في فرنسا الثورية، يتحاذى عهد الإرهاب الذي ذبح 17 ألفا من أعداء الثورة الأثرياء تماما مع تدهور القوة الشرائية للتعيين في المذكرة. والمثال الأكثر دناءة هو: التضخم المفرط الدرامي في ألمانيا خلال فترة العشرينيات الذي سمح لهتلر بالتحكم في السلطة والتشبث بها من خلال إلقاء اللوم على اليهود في مشكلات البلاد الاقتصادية. العلاقة بين انحطاط العملة والاضطرابات الاجتماعية تحمل معنى –حيث لا يحدث التضخم المفرط إلا في أوقات الدراما المحلية. على سبيل المثال، في عام 1946 شهدت المجر أكبر حلقة من التضخم المفرط على الإطلاق– وذلك في إطار دولة صغيرة محدودة اقتصاديا دمرها الكساد الكبير ومن ثم الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. حصلت زيمبابوي على المرتبة الثانية في كتب الأرقام القياسية عندما تضخم دولارها بنسبة 7.96 في المائة من أوائل عام 2007 إلى أواخر عام 2008. والسبب؟ سياسة روبرت موجابي لإصلاح الأراضي قامت بتخفيض الناتج الزراعي وزعزعة استقرار المجتمع الهش. وهذا يقودني إلى اليوم... وإلى إيران، حيث يدفع هذا الخليط من الدراما المحلية والتضخم المفرط المجتمع الهش إلى حافة الثورة. إذا أعاد التاريخ نفسه وانحدرت إيران إلى الثورة، فإن النتيجة تكون غير واضحة على حد سواء. في الجانب غير الواضح: فإن تفاصيل النظام الناتج وإلى أي مدى قد تنتشر الثورة الإيرانية عبر الشرق الأوسط. والجانب الواضح، على الرغم من أن العموميات هي إيران ما بعد الثورة الإسلامية ستظل بشدة مناهضة للولايات المتحدة.
أيام مظلمة على الريال الإيراني
في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، تجمعت شرطة مكافحة الشغب في بازار طهران الكبير. مع خراطيم المياه والهراوات، وقامت بتفريق حشد كبير من المتظاهرين الذين كانوا ينادون الرئيس محمود أحمدي نجاد بالخائن، بسبب سوء إدارته للاقتصاد الإيراني. وكان للموقع أهمية: غالبا ما يوصف البازار الكبير على أنه نبض قلب طهران الاقتصادي، وأطلق تجاره بداية ثورة 1979 التي أنهت الحكم الملكي في إيران واستهلت الجمهورية الإسلامية. الشرارة التي أشعلت لهيب الاحتجاج هذه المرة؟ فقدان الريال الإيراني ثلث قيمته أمام الدولار خلال الأيام الثلاثة السابقة. ولكن ذلك كان ببساطة أحدث قطرة في تخفيض قيمة العملة الذي جاء سريعا وعميقا على حد سواء.وفقد الريال قيمته شيئا فشيئا أمام الدولار الأمريكي منذ العقوبات الدولية ضد البرنامج النووي للبلاد الذي دخلت حيز التنفيذ في منتصف عام 2011. وكان انخفاض القيمة لطيفا في السنة الأولى، ولكن ازدادت سرعته في يونيه. وبعد بضعة أشهر، بدأت العملة في السقوط الحر. وفي عطلة نهاية الأسبوع من شهرأيلول (سبتمبر) 8-10، فقد الريال 9.7 في المائة من قيمته. وفي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) وحده، انخفض الريال بنسبة 17 في المائة في اليوم التالي بلغ سعر الصرف في السوق السوداء 35,000 ريال للدولار، وهو ما شكل انخفاضا بنسبة 80 في المائة في العام الماضي.
يمثل الانخفاض الهائل في القيمة تأجيج نيران الوضع المالي الإيراني. وقد حققت العقوبات الدولية على البرنامج النووي الإيراني هدفا منشودا واحدا: التضخم الرئيس. وتقول الحكومة الإيرانية: إن التضخم يقف عند 25 في المائة، ولكن التقديرات غير الرسمية تضعها أعلى بكثير، بين 50-70 في المائة. كل ذلك يُترجَم إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود. يدفع الإيرانيين الآن ثلاثة أضعاف السعر من الريال مقابل اللحوم، كما فعلوا قبل عام. يعتمد المزارعون في إيران على الأعلاف الحيوانية واللقاحات التي يتم استيرادها، وبالتالي تكون أسعارها بالدولار الأمريكي، ولذلك يجب تمرير الزيادة في التكاليف إلى المستهلكين. في هذه الأثناء، تتزايد البطالة أيضا دون رادع. حيث تقترب نسبة البطالة الإجمالية من 15 في المائة، في حين تقترب بطالة الشباب من 30 في المائة.
التأثير الإيراني
بدأ ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتدهور فرص العمل، وأساليب الشرطة الغليظة في إطلاق ثورة في بلد آخر في الشرق الأوسط منذ وقت ليس ببعيد. أشعل بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه في كانون الأول (ديسمبر) 2010 للاحتجاج بالتحديد على تلك المشكلات، وبدأت أعمال الشغب التي تلت ذلك بوضع بلاده على الطريق السريع إلى الثورة. المرحلة الانتقالية في تونس قامت بتحويل رؤساء عبر منطقة الشرق الأوسط، وولِد الربيع العربي. آيات الله في إيران تواجه الآن وضعا مماثلا للغاية. حيث يحتضر الريال والتضخم الجامح يخلق ذعرا اقتصاديا محتملا بشكل كامل. والاحتجاجات المستمرة مثل تلك احتجاجات البازار الكبير في طهران تمثل تهديدا حقيقيا على النظام الحاكم. ومن السهل التنبؤ بالرد من أعلى. رجال الدين الحاكمين في إيران لم يترددوا في استخدام القوة لقمع السخط واسع النطاق الذي أثاره إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في منتصف عام 2009، واستخدمت شرطة مكافحة الشغب الأسلوب نفسه في البازار الأسبوع الماضي لإخماد الانشقاق. ويكاد يكون من المؤكد أن المحتجين سوف يرسمون استجابة أكثر عدوانية. ومن المحتمل أن النظام سيقدم كبش فداء. أحمدي نجاد هو المرشح الأكثر احتمالا –حيث إنه اصطدم مع نخبة المحافظين لعدة سنوات حتى الآن، وفترة ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة تنتهي في الصيف المقبل على أية حال. هل يستطيع المزيج من القمع ورئاسة أحمدي نجاد إسكات الجماهير؟ ربما، وربما لا. عندما يرى الأشخاص مدخراتهم تتبخر – يا للهول! - في كومة من الورق لا قيمة لها، فإنهم يتحولون إلى مجانين بالفعل. والأشخاص المجانين بالفعل الذين لديهم ما يخسروه هم على وجه التحديد الوقود الذي يغذي النيران الثورية. أجيال من الإيرانيين يتعلمون الاعتقاد في الإسلام الشيعي قبل كل شيء، مع الكراهية للولايات المتحدة في المرتبة الثانية. وتلك الركائز من الثقافة الإيرانية لا تزال قائمة. كما يمكن أن تشبه إيران الجديدة إيران القديمة عن كثب- ولكن في هذه الأثناء، فإن عدم الاستقرار قد يمتد بسهولة عبر حدود البلاد. إن الشرق الأوسط هو التوازن على مستويات عديدة، ولكن الحفاظ على السلام بين مسلمي الشيعة والسنة ربما كان أهم رصيد لكل منهما. وعدم الاستقرار في إيران بعد تغيير النظام وتقييد العقوبات الدولية، من المحتمل بدون شك أن يصل إلى هؤلاء السكان من الشيعة. ويمكن أن تقوي اتصالات الشيعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويمكن أن تظهر كتلة بلدان الشيعة من التحالفات، لكي تحل محل الشراكة بين إيران وسورية وحزب الله بمجموعة أكبر وأقوى من أجل الوقوف ضد أمريكا ومصالحها في الخليج العربي. حقا، سكان الشيعة الغاضبون، المتصلون من خلال مجموعة جديدة من التحالفات التي مقرها إيران الممتدة عبر مختلف أنحاء الشرق الأوسط، هم وصفة الكارثة الإقليمية. كارثة في الشرق الأوسط تمثل وصفة ارتفاع أسعار النفط. إذا كانت الدراما لا تزال تقتصر على إيران -حيث تضع الثورة الشعبية زعيما جديدا في المكان الذي يفرض حصارا على مضيق هرمز كتعبير عن القوة، فإن مشكلات العملة في إيران تعني عدم الاستقرار والاقتتال الداخلي في المنطقة الأهم في العالم من حيث النفط.