محمد كركوتي
''مع الوقت.. الإرادة الشعبية سوف تسود في إيران''
فرانك كارلوتشي وزير الدفاع الأمريكي الأسبق
لو افترضنا أن هناك في إيران استقرارًا سياسيًّا اجتماعيًّا، فقد بات مهددًا اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولو افترضنا أنه بإمكان السلطة الحاكمة في طهران الاستمرار في سياسة القمع والقتل والتخويف والترهيب والاعتقال ضد الإيرانيين الحالمين بوطن طبيعي مستقر، فإنها تواجه اليوم سلاحًا شعبيًّا مخيفًا، وهو نقمة مع ''كراهية اقتصادية'' شعبية لها، وصلت إلى أعلى مستوى، وذلك بسبب التدهور المتكامل للأوضاع المعيشية في البلاد. أما لماذا وصل إلى حد التكامل؟ فلأنه شمل كل شيء، من المواد الغذائية الرئيسة، إلى تذاكر السفر، فالتعليم.. فالسكن.. فالصحة.. فالعمل.. إلى آخره. فالاقتصاد الإيراني اليوم، لا يشبه نفسه، حتى عندما كان تحت ضغط الحرب ومتطلباتها، وقد تحولت أدواته إلى آليات من الاحتيال على الشعب الإيراني، وعلى المجتمع الدولي في آن معًا. لقد وصل إلى مرحلة ما قبل الخراب، التي تصطف بعد مرحلة الأزمة الشديدة ومعها الاضطراب.
المرشد الإيراني علي خامنئي لديه حل للأزمة الاقتصادية المعيشية. ولو قبله الإيرانيون وعملوا به، فسيكون هذا المرشد أول المتضررين، هو ونظام الملالي الذي يحكم البلاد بالأوهام ولا بأس بـ ''سلاح'' التمنيات معها! ولا أعرف إذا ما كان قد وضع جانبًا ''عودة'' المهدي المنتظر كسلاح أخير لتطبيق نظريات اقتصادية ''مهدية''، لحل الأزمة الكارثية التي تعيشها بلاده. الحل الذي أعلنه خامنئي في بداية العام الإيراني الجديد في آذار (مارس) الماضي، هو ببساطة إطلاق ''الجهاد الاقتصادي''! وهو في الواقع جهاد مبتكر، لا يمكن لأي جهة في العالم أن تستولد مثله، كما أنه يأتي في سياق جهاد وهمي أطلقه نظام الملالي منذ أكثر من ثلاثة عقود ضد كل شيء وأي شيء. ولذلك لا عجب أن نشهد في إيران لاحقًا، ''جهاد رياضي'' وآخر ''غنائي'' و ''سياحي''. و''الجهاد الاقتصادي'' الذي ينادي به خامنئي جاء في الواقع بعد أن فشل حل أطلقه المسؤولون الإيرانيون في العام الماضي، وهو اللجوء إلى ''اقتصاد الحرب''! فهم يرفضون منذ أن وصلوا إلى السلطة أن يقتنعوا بأن ''اقتصاد السلم''، لا يحل المشكلات فحسب، بل يؤسس لعلاقات طبيعية مثمرة مع العالم أجمع.
ماذا حدث بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إطلاق ''الحل الخامنئي''؟ هرب- حسب مصادر إيرانية مقربة من مجلس مصلحة النظام- ما تبقى من رؤوس الأموال الموجودة في إيران. وهذا أمر طبيعي من البدهيات الاقتصادية، وارتفعت معدلات التضخم بصورة متسارعة، وبالمقابل تراجعت قيمة الريال الإيراني بشكل مخيف. وإذا كان مرشد إيران يعتبر أن ''الجهاد الاقتصادي''، يقضي بتخفيض مستوى دعم السلع الأساسية والمحروقات، فقد أضاف الزيت على نار اجتماعية معيشية مشتعلة أصلاً، منذ أكثر من خمس سنوات. لا شك في أن العقوبات الغربية المفروضة على إيران، وفي مقدمتها تلك التي طالت القطاع النفطي، ساهمت بصورة أولى في الركود والإخفاقات في البلاد، لكن يجب ألا ننسى أن الاقتصاد الإيراني لم يقم على أسس منطقية وطبيعية، منذ أكثر من ثلاثة عقود، كما أنه لم يطور أداءه، بل لم تشهد حتى الحقول النفطية الإيرانية أي استثمارات في آلياتها وإمكانياتها. وتكفي الإشارة هنا إلى أن الإنتاج النفطي الإيراني انخفض من ستة ملايين برميل يوميًّا في أواخر سبعينات القرن الماضي، إلى 2.2 مليون برميل حاليًا!
الإنتاج الحالي، بات رهن عقوبات صارمة، تحاول السلطات الإيرانية الالتفاف عليها بكل الطرق، بما في ذلك تمويه الناقلات بأعلام دول أخرى، وتصدير النفط من أماكن تخزين خارج إيران (ولا سيما في فنزويلا)، ومقايضة النفط بالذهب والحبوب، إلى آخر أدوات ''اقتصاد الاحتيال''، بالإضافة طبعًا إلى بيع النفط بأسعار مخفضة على طريقة التنزيلات الموسمية، بحيث تم تخفيض سعر البرميل الواحد، ما بين 20 و25 دولارًا أميركيًّا! والنفط الإيراني– كما هو معروف- يوفر 80 في المائة من القطع الأجنبي للبلاد، الأمر الذي يبرر ''تحرق'' طهران إلى بيعه بأي طريقة وبأي سعر كان. ولكن في النهاية أصبحت إيران اليوم معزولة بشكل لم يسبق له مثيل عن ماذا؟ عن نظام التجارة الدولي، الأمر الذي يجعل حتى عمليات الاحتيال صعبة، ويكشفها بسهولة، خصوصًا في ظل التهديدات الغربية لأي دولة تساعد إيران على ممارسة ''اقتصاد الاحتيال''.
لن ينفع ''الجهاد الاقتصادي'' الذي أطلقه خامنئي في حل مشكلة واحدة من تلال المشاكل الاقتصادية التي تواجه بلاده. تمامًا كما لم ينفع إيران الجهاد الوهمي الذي أطلقته في كل الاتجاهات، ولا تزال تطوره بأدوات بالية ومكشوفة. كما أن الشعب الإيراني سئم وفاض به الكيل من ''ثقافة الجهاد''، التي لم تزل عقبة واحدة في طريق النمو والعيش الكريم. و''النظرية الجهادية الاقتصادية الخامنئية'' الجديدة، ستساهم بلا شك في رفع مستويات الغضب الشعبي، الذي سيكون السلاح الأقوى، في طريق التغيير. فلا يمكن لإيران أن تعيش إلى الأبد بأوهام مسؤولين يعيشون هم أنفسهم خارج الزمان.