د.عبد الوهاب أبو داهش
كنا نتوقع أن يمر الاقتصاد العالمي واقتصادنا المحلي، بسبع سنين عجاف تبدأ في 2006 وتنتهي في 2013، على أثر انهيار سوق الأسهم السعودية الكبير، وتباطؤ النمو الاقتصادي خصوصا العقاري في العالم الغربي بدءا من 2007 (أمريكا وأوروبا)، الذي انفجر في 2008 بما عرف بفقاعة القطاع العقاري لتخترق خاصرة الاستثمار الشرق أوسطي بوصولها إلى دبي في 2009. ونحن اليوم نشارف على دنو 2013، فإن السنوات السبع العجاف قد تستمر إلى تسع سنوات عجاف قد لا تنتهي إلا في 2015. فالولايات المتحدة التي تشهد تباطؤا في النمو مع معدلات فائدة منخفضة تصل إلى الصفر تؤكد أن هذه الفائدة قد تستمر منخفضة إلى 2015 وهي الحالة المشابهة للاقتصاد الياباني الذي عاش منذ منتصف التسعينيات حتى الآن في بيئة سعر فائدة منخفض مقاربا للصفر. ويبدو أن أوروبا، التي تمر بأزمات متتالية والتي كانت تفاخر بنجاح سياساتها النقدية في عدم استخدام سعر الفائدة كثيرا باستهدافها معدل تضخم هو 2 في المائة ونجاحها في ذلك منذ توحيدها العملة الأوروبية حتى بداية أزمة الرهن العقاري، تدخل مرحلة سعر فائدة صفرية قد تشابه اليابان وأمريكا لسنوات مقبلة، ما يجعل سنوات العجاف تطول على الاقتصاد العالمي.
وإذا كانت اقتصادات الخليج قد نجت إلى حد بعيد من آثار الأزمات العالمية، خصوصا أن أسعار النفط، التي هبطت إلى حدود دنيا وصلت إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في 2009، عادت إلى الارتفاع لتتجاوز المائة دولار للبرميل لتنقذ هذا الاقتصاد، فإنها لم تسلم من اختناقات عديدة أعاقت تنفيذ الكثير من المشاريع. ناهيك عن أن سنوات الربيع العربي ألقت بظلالها على اقتصاد المنطقة لتعوق تدفق الاستثمارات، ما اضطر الحكومات الخليجية إلى تحمل عبء كبير في زيادة الإنفاق بصورة غير مسبوقة. ولعل المملكة العربية السعودية هي من أولى تلك الدول التي تعهدت بإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الاقتصاد المحلي بتبنيها مشاريع عملاقة قامت هي بتمويلها ومساندتها مثل الكهرباء وسكك الحديد والإسكان ناهيك عن رفعها رؤوس أموال صناديق التنمية مثل الصندوق العقاري وصندوق التنمية الصناعي والزراعي وغيرها من الصناديق التنموية الأخرى. وتجاوزت ذلك لتقدم مساعدات سخية لدول الربيع العربي والدول الأخرى في المنطقة ناهيك عن التزاماتها العالمية تجاه الاقتصاد العالمي من خلال قمة العشرين وصندوق النقد الدولي. وعطفا على ذلك الإنفاق الكبير فإنه لم يكن من المستغرب، بل من الطبيعي، أن يصدر صندوق النقد الدولي تحذيره لدول الخليج بما فيها المملكة لخفض الإنفاق الحكومي وإلا فإننا قد نشهد عجزا ماليا في 2016. وأكرر أن توصيات الصندوق هي عادية وجاءت متأخرة جدا، بل إن صانعي القرار والكثير من الكتاب المحليين يدركون أن مرحلة الإنفاق الكبير قد تجاوزناها نظرا للظروف الاستثنائية التي تحدثنا عنها هنا وفي مقالات سابقة. لكنني أعتقد أن التنبؤ بحدوث عجوزات في 2016 أمر في غاية الصعوبة لأسباب عدة لها علاقة بأسلوب إعداد الموازنة العامة للدولة. فالحكومة السعودية تتبنى أسعار نفط متحفظة جدا، لذا نخرج بإيرادات ونفقات أعلى بكثير من التقديرات الأولية للموازنة العامة. كما أن التوقعات بأسعار النفط أمر غاية في الصعوبة، فبعد أن كانت نحو 145 دولارا للبرميل في 2008، هبطت إلى حدود 40 دولارا في 2009، ثم عادت الآن لتسجل أعلى من 100 دولار. إن التوقع بثبات أسعار النفط في 2013 عند 100 دولار أمر صعب في ظل تشخيصنا للاقتصاد العالمي في بداية المقال. فقد يستمر في هذه المستويات، وقد يهبط إلى أقل من ذلك بكثير عطفا على عوامل سياسية واقتصادية عديدة. فقد تعود طهران إلى تزويد الاقتصاد العالمي بدءا من العام المقبل حال رضوخها للمتطلبات الدولية. كما أن الولايات المتحدة التي تشهد تزايدا في الإنتاج النفطي وكذلك ارتفاعا ملحوظا في مخزوناته، قد تطلب أقل نفطا في العام المقبل عطفا على استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي. وإذا استمرت أزمة أوروبا معلقة كما هي فإننا لا نستبعد دخولها في ركود طويل مع اليابان التي أخذت تتباطأ اقتصاديا. وتبقى الصين والهند رهينة في نموهما لما يحدث في الاقتصاد العالمي.