تميزت الدعوة السلفية في الإسكندرية بقوة علمية واستفادت كثيرا من تجارب رموزها السابقة مع جماعة الإخوان فأغلبهم كان له نشاط مع جماعة الإخوان قبل أن ينشقوا متأثرين بالدعوة الإصلاحية ، وبدؤوا في دعوتهم بطريقة سلمية علمية واستطاعوا الاستمرار على هذا المنهج الواضح في التربية والتعليم ، وهو ما جعل لهم قبولا كبيرا في أوساط الشباب المتعطشين إلى صفاء العقيدة ووضوح المنهج وقربه من العلم الشرعي ، ولاشك أن التيار السلفي في داخله اختلافات كأي تيار فكري لكن عصب هذا التيار وهم شيوخ الإسكندرية حافظوا على توازنهم العلمي والدعوي وانتشارهم الاجتماعي ورفضهم لكل أنواع العنف ووقوفهم الصريح أمام مدّ الغلو في التكفير وغيرها من المعتقدات الغالية .
نستعرض في عجالة سيرة التيار السلفي في الإسكندرية من خلال سيرة أحد رموز هذا التيار وهو الرجل الثاني الشيخ ( ياسر برهامي ) وهو الذي يلي الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم .
ياسر حسين محمود برهامي محشيش.. وشهرته «ياسر برهامي» «1958» نائب رئيس الدعوة السلفية.. من مواليد الإسكندرية.. ورغم دراسته للطب إلا أنه حصل علي ليسانس الشريعة الإسلامية سنة 1999.
حصل «برهامي» علي بكالوريوس الطب والجراحة عام 1982م.. كما حصل علي ماجستير طب الأطفال عام 1992م.. من جامعة الإسكندرية.
وشارك في العديد من المجالات الدعوية بداية من تأسيس معهد إعداد الدعاة للمدارسة السلفية بالإسكندرية والتدريس فيه، حيث قام بتدريس مادتي التوحيد وأصول الدعوة إلي حين إيقافه سنة 1994م.. وله مؤلفات عديدة مسموعة ومقروءة.
ول كتاب له هو «فضل الغني الحميد» عام 1980م.. درس هذا الكتاب في أول ملتقي بشباب الدعوة السلفية عام 1981م.. وبعده كتابا «منة الرحمن» وكتاب «لاإله إلاالله كلمة النجاة» وكتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وكتاب «تأملات في سورة يوسف» وكتاب «قراءة نقدية لبعض ماورد في كتاب ظاهرة الإرجاء والرد عليها» وكتاب «فقه الخلاف».
وقام بالتعليق علي العديد من الكتب مثل شرح كشف الشبهات وكتاب أقوال الفعال واعتقادات خاطئة.. أيضاً قام بالمشاركة في كتابة مقالات مجلة صوت الدعوة حتي إيقافها سنة 1994م.
بدأ العمل الدعوي عندما كان في المرحلة الثانوية، فقد كان أبوه من الإخوان المسلمين في كفر الدوار حيث مقر عمله، ومحل إقامته لفترة من الزمن.
ازدادت ميولة الدعوية بعد اختلاطه بالأوساط السلفية في الإسكندرية، وقد شارك في العديد من المجالات الدعوية بداية من تأسيس معهد إعداد الدعاة للمدرسة السلفية بالإسكندرية والتدريس فيه، حيث قام بتدريس مادتي التوحيد وأصول الدعوة.. إلي أن تم إيقافه سنة 1994م.
الدعوة السلفية في الإسكندرية أخذت في الانتشار علي يديه ومعه كل من محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد أثناء دراستهم بكلية الطب بجامعة الإسكندرية.. وأثناء وجودهم في الكلية نشرت الرسائل السلفية وانتشرت محاضراتهم وخطبهم.
إلا أنهم رفضوا جميعاً الأنضمام إلي جماعة «الإخوان المسلمين» متأثرين بالمنهج السلفي الذي وصل إليهم عن طريق المطالعة في كتب التراث الإسلامي لكبار المشايخ السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة، ثم تأثرهم بدعوة محمد إسماعيل المقدم، الذي كان قد سبقهم إلي المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ «جمعية أنصار السنة المحمدية» منذ منتصف الستينيات، وقراءاته لكتب بن تيمية وبن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم.
وكانت نشأة السلفية في الإسكندرية، بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفي من الجماعة الإسلامية التي هيمن عليها طلاب الإخوان وفرضوا منهجهم، حيث شرع محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولي للسلفيين من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد «عمر بن الخطاب» بالإبراهيمية.
وبمرور الوقت تكونت النواة الأولي للمدرسة السلفية الشهيرة وأصبح لها طلابها وشيوخها ومع مرور الوقت وقعت صدامات بين الطلاب السلفيين والإخوان المسلمين داخل جامعة الإسكندرية «عام 1980م»، وكان طلاب الإخوان مازالوا يعملون باسم الجماعة الإسلامية «ويقول ياسر برهامي معلقا علي تلك الأحداث في احد كتبه: كنا نوزع أوراقا ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونسميها ندوة، ونتكلم فيها عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان فخطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنع خروج الطلاب للمشاركة فيه، فحصل الصدام الذي لم يكن السلفيون علي استعداد له بينما كان الإخوان بعد خروجهم من معتقلات الحقبة الناصرية «مرتبين أمورهم»، حتي ظهر ارتباك شديد لدي السلفيين، التقوا علي إثره واتفقوا علي العمل بطريقة مرتبة، فجري مايشبه الاتحاد من أجل أن يتولي محمد عبد الفتاح أبو إدريس مسئولية الدعوة السلفية بين هؤلاء وبين الطلاب الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية ورموزها.
لم تسع السلفية إلي الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد» بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي «والله لا يعطوني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها»، شعارا لهم علي حد قول برهامي.
ولم تشارك المدرسة السكندرية في أي عمل سياسي، كما يفعل الإخوان، معتقدين عدم مشروعية الدخول في التجربة البرلمانية تحت مظلة علمانية ـ فأخذ دعاتها موقفا واضحا في الإعراض عن أي مشاركة سياسية .
وبحسب تاريخ الدعوة السلفية الذي ذكره برهامي في أحد حواراته المسجلة: الدعوة السلفية ظهرت سنة 1972م.. وعمل السلفيون في الجماعة الإسلامية ثم تأسست المدرسة السلفية سنة 1977م.. وكانت بادئ الأمر تعمل في المساجد ثم بدأت العمل بالجامعة أيضاً في نفس العام، وكانت هناك أعمال لنا في المحافظات أيضاً.
ففي ذلك الوقت كان العمل الإسلامي متاحاً، ثم تعرض البعض للاعتقال مع كثير من رموز العمل الإسلامي في عهد السادات، ثم عاد العمل من جديد في المساجد بعد اغتيال السادات بعدة أشهر، وعاد العمل في الجامعة 1982م.. من خلال عدة أسر في كليات الطب والهندسة والزراعة والتربية، ثم المدارسة بعد ذلك، وتم تأسيس معهد إعداد الدعاة سنة 1986م.
وكانت للدعوة هيكل إداري، وكان مجلس إدارة الدعوة بالإسكندرية يسمي المجلس التنفيذي في محافظة الإسكندرية، ولم يكن ذلك كله في إطار جمعية رسمية لأن أمن الدولة كان يمنع ذلك، لكنه كان يسمح بوجوده بقدر ما كنوع من التوازنات عندهم تقتضي وجود العمل مع الكثير من القيود.
وكانت تصدر عن أبناء الدعوة نشرة تسمي «نشرة السبيل» وهي التي نشر فيها في الثمانينيات بحث كامل عن مسألة الانتخابات البرلمانية وحكم المشاركة فيها، وصدرت أيضاً نشرة عن قضية الاستعانة بالجيوش الأجنبية بناء علي موقفنا من حرب الخليج أو «حرب احتلال الكويت»!! وصدرت مجلة صوت الدعوة شهرية حتي أوقف الأمن إصدارها سنة 1994م.. وكذلك نشرة «أخبار العالم الإسلامي» توزع أسبوعياً، وكانت هناك لجنة للعمل الاجتماعي ولجنة للزكاة.
وبعد ضربات أمنية موجعة لجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في عام 1994م.. تعرضت الدعوة أيضاً لضربة أمنية قوية، قبض خلالها علي كل أعضاء المجلس التنفيذي ومسئولي المناطق، وكان علي رأسهم الشيخ محمد عبد الفتاح والشيخ سعيد عبد العظيم، وكنت متهما أيضا في القضية لكن لم يقبضوا علي أنا والشيخ أحمد حطيبة.
ويردف برهامي: كان الشيخ محمد إسماعيل والشيخ أحمد فريد بالخارج، ولم يقبضوا علينا ليفاوضونا علي إطلاق سراح الإخوة مقابل إيقاف لجنة العمل الاجتماعي وتسليم مبني المعهد للأوقاف وتسليم عدة مقار مركزية إلي الأوقاف منها مسجد بكري الموجود أمامه الآن مقر الدعوة السلفية، وطلبوا كذلك إيقاف عمل لجنة المحافظات والمجلة والنشرة، فتوقف ذلك كله بسبب الضغط الأمني الشديد، وألقي القبض علي بعض الإخوة من عدة محافظات وأودعوا السجن في تلك المرحلة الرهيبة من تاريخ سجون مصر.
فما بين سنة 1994م.. وسنة1998م.. شهدت السجون المصرية مأساة مروعة لن ينساها التاريخ لحسني مبارك ووزراء داخليته، وشهدت الكثير من أنواع التعذيب والتضييق الشديد. وقضيت أطول عشرين يوما في حياتي بجهاز أمن الدولة بمدينة نصر كنت معصوب العينين طوال المدة تقريباً، إلا فترات قصيرة طلبوا مني فيها كتابة بعض الأشياء عن طبيعة المنهج وموقفنا من أحداث سبتمبر خصوصاً، وكنا مع عصب العينين مقيدين من الخلف حتي وقت قضاء الحاجة، وبعد فترة جعلوا التقييد من الأمام، فكنا نأكل وأيدينا مقيدة.
حملة السكينة