د. نجلاء أحمد السويل
المرض النفسي .. اسم كالشبح المرعب للكثير من الناس، حيث يرون أن الإصابة به نوع من العيب، كما يعتبره البعض مصدرا من مصادر الخجل، فمن المصيبة الكبرى أن تكون مصابا بمرض نفسي مع أن أي إنسان من الممكن أن يدخل إلى ذلك الميدان الواسع والمكتظ بالبشر، لكن ما يجب أن يعرف أن هناك فروقا فردية بين البشر، فليس كل نوع من الضغوط النفسية يسبب المرض النفسي، بل قد يتخطى الإنسان مصاعب كبيرة وضغوطا هائلة دون أن يصاب بأي أزمة نفسية، لكن في المقابل فإن مشكلة بسيطة قد تصيب الفرد بالانهيار العصبي. يعتمد كل ذلك علميا على شخصية الفرد أولا، ويعتمد ثانيا على الحالة المزاجية ودرجة هشاشتها وتقبلها للحدث في تلك اللحظة، فقد نسمع طرفة ونقابل تلك الطرفة باستجابة الضحك المتواصل، لكن في وقت آخر ربما نسمع طرفة قريبة من مستوى تلك التي ضحكنا عليها سابقا، لكننا لا نقابل الطرفة الأخيرة بالمستوى نفسه من الضحك. إذا السبب واضح جدا، وهذا يعني أن الإنسان تختلف ردود أفعاله ابتداء من الجانب المزاجي، فالجانب الفكري ثم الجانب السلوكي، ومعنى ذلك أنه لا يوجد من هو محمي تماما من عرضة الإصابة بالمرض النفسي، خاصة إن تحققت معادلة هشاشة الحالة المزاجية في ضوء ارتفاع مستوى الضغوط النفسية، لكن الكثيرين من ينكرون إصابتهم بأزمة نفسية ويعتبرونها نوعا من العيوب الاجتماعية الفادحة، بل قد ينعزل صاحب الأزمة النفسية عن المجتمع خوفا من الانتقاد ما يشكل عبئا جديدا على الإنسان، بينما الواقع العلمي يشير إلى ما يخالف ذلك تماما، فالإنسان بشر، والبشر عرضة لأي إصابة نفسية تماما كما هو عرضة لأي إصابة جسدية، لكن الإصابة الجسدية كثيرا ما يحكي عنها الناس ويشكون أما الإصابة النفسية فتظل أسيرة الخوف من الإفصاح والتستر على كل أنوع الألم النفسي بينما هناك من يكون موجودا خصيصا ليقدم لك يد العون ابتداء من المشكلة البسيطة التي تحتاج إلى استشارة وارتفاعا إلى مستوى المشكلات الأعلى خطورة على حياة الإنسان .. إن الإخصائي النفسي الذي يدور عمله البحت حول تقديم الاستشارات النفسية في المشكلات البسيطة ووضع خطة علاجية بناءة في المشكلة الحادة هو الأذن الصاغية والعقل المفكر الذي يعمل جنبا إلى جنب مع الطبيب النفسي. إن التفكير في العلاج المبكر للأزمات والمشكلات النفسية أمر مهم للغاية ويقي الإنسان - بإذن الله - من تطورات أكبر قد يصل فيها الفرد إلى أعراض أكثر حدة، لكن كثيرين لا يتصورون ذلك الوضع المأساوي إلا عندما يصلون إلى الطريق المسدود، فهل نحقق ولو قليلا من الوعي بجوانبنا النفسية؟