د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
الحوادث المرورية والقيادة المتهورة واللامبالاة كانت وما زالت من أبرز السمات السلبية في حياتنا اليومية، وتشير الإحصائيات المرورية إلى أن المملكة تعد من أعلى الدول في نسبة الوفيات في حوادث السيارات، حيث يتجاوز هذا العدد أربعة آلاف شخص سنوياً، يضاف إلى ذلك أكثر من 32 ألف إصابة معيقة للعمل نتيجة الحوادث المرورية، التي تعني أننا نضخ للسوق الاجتماعي السعودي آلاف الأرامل والأيتام والمعوقين، ونهدم سعادة واستقرار آلاف الأسر التي تفقد عائلها سواءً أب الأسرة أو أمها أو أحد المسؤولين عنها، ونعرف جميعاً كيف أن حوادث السيارت نتيجة تهور قائدي المركبات أودت بحياة الآلاف من أولياء الأسر، وكيف أن هذا التهور نتيجة السرعة الجنونية أو القيادة المتهورة أو التجاوز الخاطئ أو قطع الإشارة أو غيرها من السلوكيات القيادية للمركبة التي تؤدي إلى هلاك قائد المركبة وغيره ممن يتسبب في إيذائهم نتيجة التهور والقيادة الخاطئة.
خلال السنوات الماضية كانت وما زالت مشكلة معالجة هذا الخلل في التعامل مع المركبة وما تسببه من حوادث مهلكة تقلق عديدا من المهتمين بالسلامة البشرية والتنمية الاجتماعية حتى وصل الأمر بالبعض منهم إلى الاعتقاد أن معالجة سوء القيادة والتهور في المملكة من الأمراض المستعصية المزمنة التي لا يمكن علاجها، حتى إن البعض يعتقد ـــ بصوت خافت ـــ أن ما يحدث في شوارعنا وطرقنا من استهتار وحوادث ربما يكون ضمن سياسة الحكومة في إشغال المجتمع مثلما يحدث في بعض الدول من قلاقل ومشكلات تجعل مواطني تلك الدول في شغل شاق ومضن مع رزق يومهم ومعالجة مشكلاتهم. ومع أنني شخصياً أتألم لمثل هذا المعتقد أو الظن السيئ لأن الحادث لا يمكن أن يحدد السيارات المطلوبة للانضمام إليه، وإنما يأتي وفقاً لقول الشاعر:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
تُمِته ومن تُخطئ يعمر فيهرم
وهذه حقيقة حوادثنا فلا تعلم متى يكون الحادث ولا تدري من أين ستأتي السيارة القاتلة لك، حتى إن شوارعنا أصبحت ساحات للقتال لا تعرف فيها عدوك من صديقك ولا تعلم كيف تتفادى فيها رصاصة الموت القادمة لك.
إن رحلة معاناتنا في شوارعنا وطرقنا بدأت ترى شيئا من النور في نهاية النفق وهو ما سبق الإشارة والإشادة به منذ تطبيق نظام المرور السري، الذي بدأ تطبيقه في مدينة الرياض وآتى ـــ بعد توفيق الله ـــ أُكله في حينها حتى إن شوارع المدينة وطرقها بدأت تعيش مرحلة من الاستقرار النفسي والقيادة المريحة، ثم جاءت تجربة ساهر للتطبيق بعد نجاح تجربة المرور السري التي شملت مختلف المدن السعودية.
إن تطبيق تجربة المراقبة المرورية المؤقتة من خلال نظام ساهر أبرز تغيرا غير مسبوق في ثقافة المجتمع بحيث أصبح الجميع يتحدث عن مواقع كاميرات المراقبة ومعرفتها قبل الوصول إليها وهو ما أدركه القائمون على تطبيق النظام بحيث جعلوا الكاميرات متحركة ولا توضع في مواقع محددة وإنما يتم تحريكها في نقاط مختلفة، والهدف منها أولاً إبقاء قلق قائدي المركبات مستمرا، وثانيا معرفة أفضل المواقع لوضع كاميرات ثابتة حتى تتم مراقبة الطرق والشوارع بشكل احترافي يضمن الهدف الأساسي من تطبيق نظام ساهر والتوسع فيه.
إن الهدف الأساسي من تطبيق نظام ساهر ليس إيجاد دخل مساند لدخل الحكومة بعد النفط مثلاً، لأن النظام يعتمد على عدد المخالفات، بمعنى إذا أردنا أن نقضي على نظام ساهر ونفلسه يجب أن نحترم نظام الطريق وثقافة القيادة وحسن التعامل مع المركبة وتفعيل الرقابة الذاتية داخلنا بحيث نحترم كل ما ذكر من ثقافات وأنظمة، وبهذا فإننا خلال سنوات قليلة سوف نكتشف أننا قللنا عدد الحوادث وما تضخه من مصائب في حياتنا وتدمير لأسرنا وتشتيت لعائلاتنا وهدر لاقتصادنا، حيث تشير الإحصائيات أيضاً إلى أننا نهدر مليارات الريالات نتيجة الحوادث المرورية، هذه المليارات تصرف على علاج آلاف المصابين وتكاليف ما تتلفه حوادث السيارات من سيارات وغيرها من ممتلكات نتيجة الحوادث المرورية.
إن نظام ساهر نظام سوف يساعدنا على أنفسنا غصباً علينا ويلزمنا باحترام النظام ويؤكد علينا أهمية مراعاة حق الطريق ومستخدميه وحمايتهم من بعضهم بعضا، وسوف يشمل إضافة إلى مراقبة السرعة مراقبة قطع الإشارة والتجاوز الخاطئ على الطريق أو على حق المشاة وطرقهم أو أي مخالفة لأنظمة المرور والطريق التي لا يعرفها أغلبيتنا، وهنا لا بد أن نعرف تلك الأنظمة ونلتزم بها، وهنا يجب أن تصاحب نظام ساهر حملة إعلامية توعوية بأنظمة المرور والطريق وشرح لمعنى اللوحات الإرشادية على الطرق، إضافة إلى حقوق الطريق والمشاة وما يرتبط بالطريق والقيادة فيه من إرشادات وتوجيهات.
وأخيراً إذا أردنا أن ننوم هذا النظام الساهر فعلينا احترام النظام المروري وإعطاء الطريق ومستخدميه حقهم من الاحترام والتقدير، وأن نتذكر جميعاً أننا كلما خففنا مخالفاتنا المرورية، استمر نظام ساهر في النوم ويمكن خلال فترة زمنية بسيطة أن يصبح في سبات عميق.
وقفة تأمل:
''تحـب عــــدوي ثم تزعــم أنني
أودك إن الـرأي عنك لـعازب
وليس أخي من ودني بلسانه
ولكن أخي من ودني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدما
ومالــــي له إن أعــوزته النـــوائب''.