محمد الطميحي
خلق الله الإنسان لعبادته دون سواه، كما أمره بالسعي في الأرض لطلب الرزق فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
نحن هنا أمام معادلتين لا يمكن لواحدة منهما أن تطغى على الأخرى وإلا اختل المقياس الذي تقوم عليه الحياة.
فلابد للإنسان أن يتعلم كيف يعبد الله كما أمره، وأن يتعلم أيضا كيف يسعى للحصول على رزقه في هذا العالم المليء بالمتطلبات.
وهنا ندرك بأن التعليم في الحالتين هو الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، وإذا أردت قياس تطور أي أمة في هذا المجال فلن يكون ذلك بعدد المدارس والجامعات أو المبالغ التي تنفق على التدريس بل بنوعيته وما ينتج عنه من كفاءات تساهم في تنمية المجتمع والوفاء بمتطلبات سوق العمل.
وباعتراف الكثير فإن ذلك ما ينقصنا وإلا لما احتلت جامعاتنا مراكز متأخرة على مستوى العالم، ولما ظل خريجونا يبحثون عمن يوفر لهم فرصة عمل بعد سنوات طوال قضوها على مقاعد الدراسة.
قد يحرك هذا الحديث المياه الراكدة ويجدد الجدل حول تطوير التعليم وما يذهب إليه من يرفض ذلك تحت ذريعة الخوف من التغريب أو أن يكون على حساب المواد الدينية والأدبية.
هنا أقول بأن المسجد والبيت والمجتمع كلها روافد لتعلم الدين واللغة والثقافة ولكننا لن نجد حلقة واحدة لتحفيظ الرياضيات أو الفيزياء فممّ الخوف إذاً؟
عندما نتعلم لغات أجنبية لا يعني أن يكون ذلك على حساب لغتنا الأم بل لاكتساب القدرة على التواصل مع الآخر والاستفادة مما لديه من معارف وعلوم.
وإذا اخترنا منهجا أميركيا أو بريطانيا أو حتى يابانيا للاعتماد عليه في مدارسنا، فهو لأن العلوم الحديثة التي نحتاجها ليست حكرا عليهم وحدهم كما التقنية التي نستوردها من بلادهم كل يوم.
ولا يعني ذلك أن ننسى تعاليم ديننا أو ثقافتنا بل لابد أن تكون حاضرة بشكل يجعل التلميذ يستفيد منها في عبادته وحياته اليومية خاصة فيما يتعلق بالأخلاق والقيم، كما أن التدريب المتخصص وإقامة الورش المهنية على امتداد مراحل التعليم سيخلق فيه حب العلم والعمل فلا فرق بين طبيب ماهر وميكانيكي متمكن ولربما سينال الأخير دخلا يفوق ما قد تمنحه الوظيفة.
حين نصل لهذا المستوى، وحين يكون بمقدور ابنائنا الانتقال لأي مدرسة أو جامعة حول العالم دون الحاجة للخضوع للتأهيل، عندها فقط يمكن أن نفاخر بما لدينا من تعليم بدل أن يكون مجرد شهادة نحملها في ملف علاقي دون أن نتذكر ما تعلمناه في سبيل الحصول عليها.